الزواج المختلط بين مختلف الطوائف والتوزيع العادل للثروات النفطية معضلات أمام عملية التقسيم كنّا نشرنا في عدد الأحد الماضي خبرا عن صدور دراسة حديثة عن مركز "سابن" بمعهد بروكينغز للدراسات السياسية والاستراتيجية بواشنطن أعدّها الباحث الزائر بالمعهد إدوارد جوزيف بمشاركة الباحث المتخصص في شؤون الأمن القومي الأمريكي بالمعهد ذاته مايكل هانون والدراسة صدرت تحت عنوان " تقسيم جيد وسهل للعراق". واليوم نعود لنقدم ملخصا لتفاصيل هذه الدراسة التي تضمنت رؤية متكاملة حول إمكانية وكيفية تطبيق الفيدرالية في العراق والصعوبات التي قد تواجه الأطراف المختلفة في سبيل تحقيق هذه الرؤية. ولكن قبل ذلك لا بد من التذكير بأن واضع هذه الدراسة أي إدوارد جوزيف له خبرة واسعة في مجال إدارة الصراعات حيث عمل لمدّة عقد كامل مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في البلقان كما لديه العديد من المؤلفات والدراسات والتقارير في هذا المجال. اقتراح أول جوبه بالرفض قبل الخوض في تفاصيل الدراسة موضوع المقال لا بد من التنويه بأن خطة لتقسيم العراق إلى ثلاث مناطق كردية وسنية وشيعية تتمتع كل منها بالحكم الذاتي كانت اقترحت في أوائل ماي الماضي من قبل كل من السيناتور الديمقراطي جوزيف بايدن ولزلي غيلب الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية ولاقت رفضا قاطعا من البيت الأبيض وذلك على لسان متحدثه الرسمي توني سنو الذي قال أن الإدارة الأمريكية ترفض الفكرة من الأساس لأنها لا تريد بلقانا جديدا كما واجهت الخطة هجوما عنيفا من قبل مجموعة دراسة العراق والتي اعتبر رئيسها جيمس بيكر أن تقسيم العراق هو بمثابة الخط الاحمر الذي لا يمكن تجاوزه هربا من فوضى إقليمية قد تعطي فرصة لإيران للسيطرة على الشق الشيعي كما ستثير حفيظة تركيا التي تهاب قيام دولة كردية جنوبها. ولكن القرار الذي اتخذه رئيس الحكومة العراقي نوري المالكي بتخصيص 17% من واردات النفط العراقي لحكومة إقليم كردستان اعتبره المحللون والخبراء السياسيون خطوة أولى نحو نيّة صريحة لتطبيق الفيدرالية. وفي ظل الجدل المثار حول تقسيم العراق ظهرت دراسة إدوارد جوزيف التي حاول من خلالها الإجابة عن العديد من الأسئلة حول مدى إمكانية تطبيق الفيدرالية ونسبة نجاح الخطة مقارنة مع الوضع الراهن والصعوبات المحتملة. مواقف متضاربة وتحفظات في مفتتح دراستهما يشير الباحثان إلى أن هناك تحفظات جمّة على الفكرة خاصة في الأوساط الرسمية وعلى رأسها البيت الأبيض الذي يصف مبدأ التقسيم بأنه غير أخلاقي لأنه قد يثير الفتن وكذلك - وكما أشرنا آنفا - من قبل جيمس بيكر رئيس مجموعة دراسة العراق الذي يرى أن هذا المشروع سيصطدم بعدة عقبات على رأسها مسألة ارتفاع الزواج المختلط بين الطوائف العراقية المختلفة بما يستحيل معه تحقيق الفصل الجغرافي كما أن فكرة تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم قد تجابه برفض عديد الأطراف سواء من داخل العراق أو من خارجه ولا سيما من المملكة العربية السعودية والأردن. وحول مواقف الطوائف العراقية المختلفة من فكرة التقسيم يقول صاحبا الدراسة أن الأكراد هم الأكثر وضوحا على اعتبار الاتفاق شبه الكلي بين مختلف الأحزاب الكردية في الحفاظ على سيادة إقليم كردستان العراق واستقلاله واستمرار العمل بنظام الحكم الذاتي وعلى النقيض يبدو الموقف السني متخوّفا حيال فكرة التقسيم وينبع خوف هذا الشق من الاعتقاد بأن هذا الفصل سيؤدي إلى تنامي نفوذ الشيعة بما قد يؤدي إلى سيطرتها على عائدات النفط العراقي خصوصا أن معظم حقول النفط تتمركز جنوب العراق وهي المنطقة التي من المفترض أن تكوّن الإقليم الشيعي بعد التقسيم. أما الشيعة فموقفهم مازال غير موحد حيال مبدإ التقسيم ويبدو ذلك من خلال معارضة العديد منهم للخطة ولا سيما التيار الصدري الذي يعارض معارضة تامة فكرة إنشاء دولة شيعية جنوب العراق. مؤشرات تقود إلى التقسيم جاء في الدراسة أن الحرب الأهلية الحالية في العراق (كما يصفها الباحثون) كرّست واقعا ديمغرافيا جديدا أيدته الإحصائيات التي نشرتها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة والتي ذكرت أنه حتى جانفي 2007 وصل عدد اللاجئين العراقيين للدول المجاورة إلى مليوني لاجئ بينما وصل عدد اللاجئين داخل العراق (نزوح داخلي) إلى 1,7 مليون لاجئ كما أشارت الإحصائيات ذاتها إلى أن هناك أكثر من نصف مليون عراقي يتم تهجيرهم من مدنهم كل شهر. وحسب الدراسة فإن النازحين يسعون إلى الالتحاق بالقرى التي تتركز فيها الطوائف التي ينتمون إليها فالشيعة ينزحون من الوسط نحو الجنوب والسنة من الجنوب نحو الوسط وخاصة إلى محافظة الأنبار وعمليات النزوح هذه تشير إلى بداية تحويل العراق إلى بلقان جديد ومعنى هذا أن التقسيم يبدو أمرا حتميا. تحديات وتساؤلات تحت عنوان "نحو تطبيق تقسيم سهل للعراق" جاء الجزء الثاني من الدراسة والذي طرح فيه صاحبا الدراسة علامات استفهام عديدة لا بد من الإجابة عنها قبل الشروع في عملية التقسيم أولها تحديد كيف سيتم رسم الحدود بين الأقاليم الثلاث المقترحة. وترى الدراسة أن الوضع الراهن داخل المجتمع العراقي كالزواج المختلط بين الطوائف يحتم على النظام الجديد احترام الأقليات وكذلك وجوب رسم الحدود استنادا إلى مبدإ جغرافي وليس طائفي وتضيف - أي الدراسة - أن ما من مشكلة بالنسبة للمحافظات الواقعة جنوب العراق على اعتبار أن جل قاطنيها من الشيعة بيد أن المشكل الأعظم يتعلق بالمحافظات والمدن الرئيسية مثل بغداد والموصل وكركوك. وتنتقد الدراسة الاقتراح الذي وضعه كل من بايدن وغيلب في ماي الماضي بتحويل بغداد إلى مدينة دولية مستقلة مبينة أن هذا الطرح سيؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار على خلفية أن ثلثي عمليات النزوح الداخلي حدثت في بغداد العاصمة وبالتالي لا بد أن تكون العاصمة جزءا من عملية التقسيم علما بأن الدستور العراقي الحالي يحول دون انضمام بغداد إلى أي إقليم في صورة حدوث عملية التقسيم وهنا يتساءل صاحبا الدراسة.. هل ستتم مراجعة وتعديل الدستور العراقي من أجل تسهيل عملية التقسيم؟ حرص بالغ في رسم الحدود وتوزيع عادل للنفط من النصائح التي تضمنتها الدراسة وجوب رسم الحدود بحرص بالغ داعية الولاياتالمتحدة للتدخل في هذا الجانب حتى لا يتم اتهامها بالانحياز وتقوية إقليم على آخر وعليه فإن الأممالمتحدة وجامعة الدول العربية هما الجهتين المرشحتين - حسب الدراسة - للقيام بهذه العملية وذلك على عكس ما حدث في منطقة البلقان عندما تم تقسيم البوسنة بقيادة السفير الأمريكي ريتشارد هول بروك واستطرد واضعا الدراسة قائلين أن وضع الولاياتالمتحدة حاليا لا يؤهلها للإشراف على عملية التقسيم نظرا لفقدانها المصداقية اللازمة إزاء الأطراف العراقية وهنا تشدد الدراسة على أن هناك العديد من المبادئ التي لا بد من مراعاتها عند رسم الحدود: 1 - عدم تأثير الحدود الجديدة على عملية توزيع الموارد النفطية ووجوب اعتماد مبدإ التساوي بين جميع العراقيين في هذا الجانب 2 - عدم إجبار أي عراقي على الانتقال إلى إقليم آخر على أساس طائفته 3 - وضع قواعد صارمة لاحترام الأقليات في كل إقليم وتوفير الحماية لهم لتجنب حدوث أية أعمال عنف طائفية ولعل مسألة توزيع عائدات النفط العراقي هي المعضلة الرئيسة في عملية التقسيم إذ تشير الدراسة إلى أن معظم حوادث الاقتتال الداخلي اندلعت في أعقاب الاستفتاء على الدستور قبل عامين ذلك أن الدستور ترك عملية توزيع الثروة النفطية غامضة مما عزز مخاوف الجانب السني الذي بالرغم من كونه يمثل 20% من حجم العراقيين إلا أنه لم يحصل سوى على 10% من عائدات النفط في الوقت الحالي في حين أن الأكراد نجحوا في تأمين نصيبهم من عائدات النفط وأن الشيعة يسيطرون حاليا على المحافظات التي تكتنز معظم الثروة النفطية العراقية. ويرى الباحثون أن تحقيق النجاحات على مستوى التقسيم يتوقف على توزيع منصف للعائدات النفطية بين السنة والشيعة والأكراد بما قد يضمن استقرارا أمنيا ويحول دون النزاع الطائفي على الثروات.. وتؤكد الدراسة على أن أفضل طريقة لضمان توزيع عادل للثروات العراقية لا بد أن تأخذ بعين الاعتبار عدد سكان كل إقليم وهو أمر صعب المنال ذلك أن الوضع الملتهب الذي يعيشه العراق منذ سنوات جعل من عملية التعداد السكاني موضوعا منسيا. هوية جديدة لكل إقليم في ختام الدراسة يرى الباحثان أنه ينبغي عقب إجراء عملية التقسيم تأسيس نظام جديد في إصدار بطاقات الهوية الخاصة بكل إقليم تتضمن بيانات كاملة حول المواطنين المنتمين إليه وتقدم عند كل نقطة تفتيش بغية محاصرة العناصر المتطرفة وتتوقع الدراسة أن ذلك سيكلف زهاء المليار دولار وتتساءل عن حجم القوات المطلوبة خلال تنفيذ تطبيق عملية التقسيم التي سمّتها بالحساسة للغاية وقد قدر الباحثان جوزيف إدوارد ومايكل هانون أن هذه الخطة تستدعي توفر 300 ألف جندي مؤكدين أنه على قوات التحالف أن تعد خططا جديدة للانتشار لأن الخطط الحالية لها أغراض مختلفة لن تتناسب ومهمة التقسيم التي ستتركز على حراسة الحدود بين الأقاليم الثلاثة وكذلك نقاط التفتيش إلى جانب تأمين المنطقة الخضراء وخلصا في نهاية دراستهما إلى أن فكرة التقليص من حجم القوات الأجنبية في العراق لن ترى النور إذا ما تم تنفيذ خطة التقسيم.