بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«ندمت على اشتغالي بالسياسة»
حديث صحفي مع محمد مزالي:

عرفات قال لي: «كنت أظن أن لصدام قنبلة ذرية لأنه كان مصرا على التحدي والمضي إلى الأمام»
أجرى الأستاذ الجامعي حاتم النقاطي حوارا مطوّلا مع السيد محمد مزالي تناول فيه هذا الأخير مسيرته السياسية باعتباره تحمّل عديد المسؤوليات الوزارية أثناء فترة رئاسة الزعيم الحبيب بورقيبة كما تحدّث عن محطّات من مسيرته الثقافية:

إن الحقيقة هي مبحث الأحرار وهي التي أدّت إلى إعدام العظماء في التاريخ القديم والحديث ولذلك كنت أبدا من المتابعين لها والباحثين عن لذّتها.
و"محمد مزالي" الوزير الأول السابق في عهد بورقيبة والكاتب التونسي أصدر مؤخرا كتابا تحت عنوان "نصيبي من الحقيقة" نرى أن القارئ يجد فيه لذة المتابعة لحكايات سياسية يتداخل فيها الواقعي بالعجيب والموجود بالمنشود.
بعد ست عشرة سنة وبعد أن ردّ القضاء التونسي للرجل اعتباره كمواطن كان هذا الكتاب شهادة من صاحبها عن أيام "بورقيبة".
لقد كان "الطاهر بلخوجة" صوتا من الأصوات التي كشفت للناس صورة من صور الحقيقة غير أنها خالفت في كليتها أقوال "مزالي" فكان على القارئ أن يبحث عن الحقيقة تلك التي قال عنها "بول ريكور" بأنها "تأويل يجد جذوره في قدرة هذه الذات على القراءة للنص وإعطائه المعنى".
إن المعنى كان هو غايتنا من هذا الحديث ففي مساء شتويّ قصدنا شقّة بحي الأندلس بأريانة شمال العاصمة التونسية وقد كان صديقنا "عامر قريعة" رفيقنا في هذه الرحلة التي ما خرجت عن اعترافات جادة تتجاوز صاحبها إلى الآخرين.
لم أكن أعرف "محمّد مزالي" من قبل ولم أكن من حزبه السياسي ولكن كتابه أتاح لي فرصة المحاور لأفكار بدت لي متناقضة.
فكيف يمكن لهذا الرجل الذي يؤكد انتماءه للتفكير الحر والديمقراطي أن يكون جنديا في طابور الرئيس الراحل "الحبيب بورقيبة" ذاك الرجل الذي حكم تونس بحزب واحد؟ وكيف يمكن "لمحمد مزالي " أن يظل وفيا لرجل عزم على إعدامه وأذاق عائلته مرارة السجن والتعذيب؟ إن هذا اللقاء قراءة أخرى لكتاب يكشف ضيم رجل يستفهم حاضره وتاريخه.
ففي شقة "محمد مزالي" وبحضور الوزير السابق والأديب "البشير بن سلامة" ومحاميه "الطاهر بوسمة" والصديق "عامر قريعة" كانت هذه الشهادة الجديدة إنارة أخرى وعينا نأخذها للقارئ تقريبا للكتاب وللحدث العربي منه.
فمن التأويل المضعف تبدأ القراءة وأية لذة أشد من لذة النص طالما أن السلطة السياسية وجع يقلق أصحابها وطريق يؤدي إلى الموت.
وفي ما يلي نصّ الحوار:
* إن القارئ لكتابكم "نصيبي من الحقيقة" يلمس في هذا العمل باب "السيرة الذاتية" ذاك الذي ما خرج يوما عن البعد الذاتي في قراءة الأحداث. فمن تراه كتب هذا العمل: الكاتب والأديب الموغل في عاطفته أم ذاك السياسي المحنك بموضوعات الواقع والتاريخ؟ أم هو "المظلوم" الذي يبحث في ذاكرة القارئ عن إنصاف "الآن"؟
- هو مواطن آمن بالوطن وآمن بتونس وكان جزاؤه جزاء سنّمار.
إنه كل ذاك... مواطن تحمل المسؤولية وساهم في بناء الدولة إلى أن بلغ رئاسة الحكومة ولكنه لم يجد ما كان يصبو إليه فكتب هذا الكتاب ليقرّبه من ذاكرة القارئ.
* يلاحظ القارئ لكتابكم هذا السعي الواضح لاستبعاد إلقاء اللوم على الرئيس السابق الحبيب بورقيبة وتوجهكم في أغلب الأحيان لتحميله لغيره وأساسا المقربين منه -سعيدة ساسي- الهادي المبروك - منصور السخيري... ألا ترون في ذلك تبريرا جادّا لسلطة الواحد ذاك الذي كان دائما كاملا في حضارتنا العربية الإسلامية؟
- إني آمنت ببورقيبة : وقد كان هذا الرجل إنسانا وأعتقد أنه ممن ثقلت موازينه. وعندما كبر هذا الرجل تمكنت منه بطانة وأثرت عليه وجعلت منه ألعوبة في أياديهم. ولعل خطة الوزير الأول كانت خطة ملعونة لأنها ترتبط بخلافة الرئيس.
وقد عانى منها قبلي "الباهي الأدغم" و"الهادي نويرة" ولكن ما حصل لي كان أعظم إذ أنهم اتجهوا إلى ذاتي وتاريخي وعائلتي وأملاكي قصد الانتقام مني ومن كل من كان حولي. وقد برّأت "بورقيبة" في هذا الكتاب رغم ما أصابني من تشريد وأصاب أبنائي من تعذيب وسجن ذهب إلى حدّ تشويهي واتهامي بالاختلاس والفساد.
إن من فعل بي كل هذا ما كان "بورقيبة" بل هو شبح بورقيبة ذلك أني أكن له احتراما عظيما إذ أنه كان بالنسبة إليّ زعيما وأبا.
* يذهب الوزير السابق الطاهر بلخوجة في كتابه - الحبيب بورقيبة سيرة زعيم - في تأويل فترة - الثمانينات - من القرن الماضي - تأويلا مختلفا عما ذهبتم إليه في كتابكم - نصيبي من الحقيقة - ويحملكم مسؤولية إفشال - ربيع الإعلام - 1982 - وتواطؤكم الصامت في تدليس الإدارة لانتخابات أكتوبر 1981 تلك التي لعب وزير الداخلية إدريس قيقة - دورا أساسيا في تغيير نتائجها.
فهل خلاف الأجنحة السياسية ذاك هو الذي أضاع على الشعب التونسي التمتع بإعلام حر وبتعددية سياسية ممكنة؟ أم هي إرادة "بورقيبة"؟
- أنا لا أعتبر: الطاهر بلخوجة: نظيرا لي إذ أنه كان من "أتباع وسيلة" زوجة الرئيس السابق أما أنا فقد كنت رجلا أشتغل بالسياسة "ساذجا" أي صادقا.
إني أول من كتب كتابا في تونس عن "الديمقراطية" سنة 1955.
وقد كنت أيضا أربو عن استغلال الآخرين لتمرير أفكار الغير لإرهاب الناس. فعلى إثر أحداث جانفي 1978 استغل الوزير السابق محمد الصياح صمت "اتحاد الكتاب التونسيين" والذي كنت أنا رئيسه وحاول في اجتماع الديوان السياسي إحراجي واتجه للوزير الأول "الهادي نويرة" قائلا :
"إن اتحاد الكتاب التونسيين" هو المنظمة الوحيدة في تونس التي لم تندد بالحبيب عاشور وجماعته". فأجبته قائلا:
"إني أترأس منظمة يوجد فيها معارضون من أمثال محمد مواعدة ولذلك كان علي احترام استقلالية هذه المنظمة" هذا الموقف أدى إلى مهاجمتي من قبل جريدة العمل بمقال عنوانه "الجلوس على الربوة أسلم". إني أذكّر الطاهر بلخوجة بأني عمدت منذ تسلمي مهام الوزارة الأولى -1980- إلى إبعاد الحرس الجامعي الذي سمح وزير الداخلية إدريس قيقة بإدخاله إلى الحرم الجامعي.
كما أني عملت على تسريح 1200 سجين سياسي حرر قانون هذا "العفو الخاص" الوزير محمد شاكر وقد وافقني الرئيس بورقيبة على ذلك بعد جهد مني لإقناعه بضرورته تطويرا للحياة المدنية والسياسية.
لقد آمنت بالديمقراطية ولذلك سعيت إلى تأكيد وجودها في الواقع السياسي فسعيت إلى إعطاء المعارضة حق التواجد في وسائل الإعلام.
إن كل ما ادعاه الطاهر بلخوجة لا أساس له من الصحة لأنه كان ينفذ اختياراتي لا توجهاته هو لأني كنت صاحب هذا الانفتاح الاعلامي والسياسي معا.
وإن إدريس قيقة هو الذي زوّر الإنتخابات بإذن من بورقيبة وعمل على إجهاض هذه التجربة الديمقراطية.
* إن المتأمل في هذا الكتاب يتبين له أن لمحمد مزالي الوزير الأول حاشية "داخل السلطة السياسية".
وقد استطاعت هذه الحاشية أن تشكل ثقلا فعليا داخل نظام "بورقيبة" مثل المازري شقير والبشير بن سلامة وفرج الشاذلي وأحمد القديدي...
فهل من تعليق ييسّر على القارئ التعرف على أبعاد هذا التواجد؟
- إن الذي جمعني ببعض الوزراء داخل الحكومة كان الإيمان بنفس الأفكار فقد كان أغلبهم يؤمنون مثلي بالتعريب والانتماء للأصالة في انفتاحها على الغرب.
إن ما كان يجمعني ببعض الأسماء مثل البشير بن سلامة وفرج الشاذلي والمازري شقير... لم يكن ولاء "للذات" بقدر ما هو رابطة فكريّة.
إن بورقيبة كان يسمح بهذا الهامش الاختلافيّ بين الوزراء في حكومة واحدة. وقد بينت في كتابي "نصيبي من الحقيقة" هذا الأمر وأكدت على أهمية الولاء لتونس جامعا لكل رجالات بورقيبة أو هكذا كان يريد بورقيبة.
* ألا ترون معي أن بورقيبة عندما أقالكم في جويلية 1986 أقال فيكم خلفيتكم -العربية الاسلامية - تلك التي مثلت لديه هاجس رفض وحساسية ولعنة وجبت مقاومتها لدى كل المقربين منه - بدءا بعبد العزيز الثعالبي ومرورا بصالح بن يوسف ووصولا إليكم؟
- لقد ذكرت بولاء الجميع لتونس... وأؤكد أن بطانة بورقيبة شوهت نواياي فجعلت مني مشروع قضاء على الفرنسية وما تخفيه لدى الرئيس من تقدم وحضارة.
لقد سعوا إلى تشويه كل أفكاري وجميع أفعالي مستغلين معرفتهم الجيدة بأفكار بورقيبة وخلفياتها المؤمنة بإيجابيات حضارة الغرب ومعقوليته.
إنها حاشية حركتها أطماع خلافة بورقيبة فسعت للقضاء على وجودي السياسي واستغلت كل الوسائل.
* من من هذه الاسماء تذكر تحديدا؟
- لقد بينت في كتابي "نصيبي من الحقيقة" أن هؤلاء جماعة استغلت شيخوخة بورقيبة لتمرر مشاريعها النفعية وتحديدا سعيدة ساسي ومنصور السخيري والهادي المبروك.
أنا أعتبر الحكم وسيلة لخدمة البلاد والعباد ولكن هذه الجماعة تعتبر الحكم سلطة ولذة ولذلك سعت لاستبعادي من طريقها لتنفرد ببورقيبة.
لقد اعتبرتني هذه الجماعة -ساذجا- لأني نظيف السيرة واليدين إننا نختلف في المنطلقات وفي التوجهات وفي الغايات.
* لقد جاءت مداخل فصول كتابكم وأبوابه مؤسسة على جملة من الحكم والمواعظ والأحاديث لمشاهير وعظماء في التاريخ العربي والإنساني: فمن تراه الأقرب إلى نفسك منهم؟ وأي تصدير تختاره منها ليكون الأشدّ وقعا عليكم وعلى القارئ؟
- إني أتألم كثيرا لما قاسته أفراد أسرتي إذ أنهم تعرضوا إلى التعذيب والسجن من قبل حاشية بورقيبة فابنتي وضعت في سجن مع "المخلاّت بالأداب العامّة" وابني مع المجرمين.
وإن كنت أنا دخلت السياسة وكان جزائي الفرار من بلدي -1986- والبقاء ستة عشر عاما في الخارج فذاك الأمر تفهم أبعاده ولكن الغريب أن الذنب يقع على الأبناء لا لذنب جنوه غير أنهم خلفي.
إني لا أجد نفسا أقرب من "الشابي" شاعر تونس:
"أنا يا تونس الجميلة في لج
ج الهوى قد سبحت أي سباحه"
إنه ابتلاء من الله فلا زلنا أحياء رغم ما قاسيت من بعد وتشريد وتشويه.
* اشتغلتم بالسياسة عقودا ثلاثة: فهل ندمتم على ذلك؟
- إني ندمت على اشتغالي بالسياسة ذلك أني كنت أستاذا في أول الخمسينات أحب مهنتي وأتطلع إلى رهاناتها الإنسانية غير أن الوزير - الأمين الشابي- أول وزير تونسي للتعليم ألحّ عليّ للالتحاق بديوانه.
ومن يومها وأنا أنتقل من مسؤولية إلى أخرى مضيفا ومساهما في تطوير الدولة التونسية وأجيالها.
لقد كنت ولازلت مؤمنا بقيمة التعليم والثقافة ولذلك تراني اليوم أتحسر على عدم تركيزي على مجلة "الفكر" وعدم الانكباب على التدريس والدرس لأصل إلى نيل "الدكتوراه" والانخراط في السلك الجامعي. إني أحب التدريس وطلب العلم ونشر الثقافة ولكن السياسة أضاعت عليّ لذة كبتها زمن احترافها.
إني أعتبر نفسي "درويشا" لأني أؤمن بالقيم وأدافع عنها.
* لقد ذكرتم "مجلة الفكر" - 1955 - 1986 - وهي مجلة أنتم رئيسها ومؤسسها ولقد كانت هذه المجلة الثقافية الشهرية علامة من علامات الثقافة التونسية فلماذا لم يسع صاحبها لإعادة إصدارها؟
- بألم أقول لقد مات في نفسي كل شيء جميل ولقد قتلوا فيّ كل ذوق فلم أعد أرى لذلك موجبا.
* بعد ست عشرة سنة قضيتموها خارج تونس (1986-2002) كيف تمت تسوية وضعيتكم القضائية ذلك أنكم حوكمتم في قضايا جنائية ذات أبعاد ماليّة بالأساس تخفي حسب مدعيها التلاعب بالمال العام وهو ما أدى لاحقا سنة -1992- إلى مصادرة منزلكم بسكرة لاستخلاص الأموال العمومية المهدورة من قبلكم؟
- لقد وقعت محاكمتي غيابيّا في أفريل 1986 من قبل محكمة الجنايات والحال أن القانون التونسي يؤكد على إحالة أعضاء الحكومة على المحكمة العليا وهو ما تم بالنسبة لأحمد بن صالح في السبعينات من القرن الماضي ولإدريس قيقة في منتصف الثمانينات -1984-.
ولقد سعى القضاء التونسي إلى إصلاح هذا الخطأ بعد ست عشرة سنة إذ وقع الحكم ببُطلان إجراءات الإحالة مما ينفي وجود الحكم أصلا.
إذ أن المدعي العام لدى محكمة التعقيب بتونس طلب من العدالة أن تنقض ما بتت فيه منذ ست عشرة سنة.
لقد سوّي الأمر بما كنت أتمناه برد الاعتبار إليّ قضائيا في 5 أوت 2002 بدون إحالة علما بأني أول تونسي يتمتع بهذا الإجراء.
وبالنسبة لمسكني "بسكرة" فإنه سوّي أيضا ماليا بالإتفاق والتراضي إذ عوّضت لي الدولة التونسية مقداره والتزمت مقابل ذلك بعدم مقاضاتها.
وإني أرجع الفضل في ذلك كله للرئيس بن علي الذي حرص على طيّ صفحة الماضي وقد أمر سيادته بتمتيعي بجواز سفر دبلوماسي منذ فيفري 2006.
* لقد كنتم من مؤسسي اتحاد الكتاب التونسيين في أول السبعينات -1971- وكنتم أول رئيس لهذا الهيكل.
فكيف تقيمون واقع هذا الموجود الثقافي الذي سينعقد مؤتمره السابع عشر بعد يومين - 27 و28 ديسمبر 2008؟
- إني من مؤسسي اتحاد الكتاب وإني أستاء من عدم تواصل الحلقات بين الأجيال.
فهل يعقل أن يقع المؤتمر من غير أن تفكر "الهيئة" في استدعاء المؤسسين؟
إني كنت رئيسا مفتوحا على كل الألوان السياسية حيث كان "اتحاد الكتاب التونسيين" يحوي في صلبه العديد من المعارضين مثل محمد مواعدة والميداني بن صالح وغيرهما ولكني لم أقص أحدا.
إني اليوم أرى أن هذا "الهيكل" لا يحوي داخله أسماء لها وجود متميز في الساحة العربية.
إني تلقيت العديد من الدعوات الخارجية الفكرية والرياضية والثقافية غير أني لا أعرف لماذا يستبعدني البعض من كل حضور ثقافي وفكري وقد خدمت هذا الوطن كثيرا؟
* الأستاذ محمد مزالي السياسي والمثقف ورجل الفكر كيف تفهمون تنامي ظاهرة الأصولية في العالم العربي وغزوها للعالم الغربيّ وتداعياتها على الوجود الإنساني بعد أحداث 11 سبتمبر 2001؟
- إن الأصولية نزعة شباب عربيّ يئس من الماركسية ومن القومية العربية.
إن الرجوع للدين لديهم هو الحل إني أعترف بحق كل شخص في اعتناق ما يراه صالحا بالنسبة إليه ولكني ضد كل استغلال عنيف للدين.
إنها أزمة تكشف عمق حيرة الشباب العربي من المحيط إلى الخليج في حضور قوى اقتصادية غربية عظمى ومهيمنة على الاقتصاد والثقافة.
وإن الديمقراطية تظل هي الحل والفكرة لا تقاوم بالعنف بل تقاوم بالحوار وبالرأي البديل.
* هل ترون للأمة العربية اليوم من موقف ثقافي وسياسي واقتصادي في عصر انتفت فيه الهوية والخصوصية والتاريخ لتترك حضورها لمقولات جديدة محاورها العولمة والمركز والكونية؟
- إن العولمة مقولة زائفة ولا بد لها أن تزول فالمستقبل للهويّة وللخصوصية.
إننا أمام تيار واقعي لكنه ليس حقيقيا يؤثر في العالم ولكن إلى حين.
* كيف تؤوّلون حادثة قذف الرئيس بوش بالحذاء في بغداد؟
- إنها عملية "كويسة" جيدة جدا إنها ردّة فعل عن مكبوت وتنفيس عن ذات عانت من الاستبداد والظلم الأمريكي.
* كمثقف عربي وكسياسي: هل يستحق "صدام حسين" نهايته المأساوية؟
- قطعا لا ولكني ألومه على غزو الكويت وعلى خوض حرب طويلة أنهكته وهي حرب إيران.
إنه وضع نفسه في مأزق لما رفض الانسحاب من الكويت إذ أعطى ذريعة لمهاجمة الأمريكان له.
وقد قال لي المرحوم "ياسر عرفات" لقد ظننت أن لصدام "قنبلة ذرية" إنه كان مصرا على التحدّي والمضي إلى الأمام.
* نترك لكم كلمة الختم؟
أشكركم على هذا اللقاء ومحاولة متابعة "الحقيقة" تلك التي أضحت في هذا الزمن أصعب منال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.