نقابة الصحفيين تندد بحملة تحريض ضد زهير الجيس بعد استضافته لسهام بن سدرين    توزر: إمضاء اتفاقية بين ديوان تربية الماشية وتوفير المرعى والمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية لتحسين إنتاجية وجودة المنتجات الحيوانية    جريمة قتل شاب بأكودة: الإطاحة بالقاتل ومشاركه وحجز كمية من الكوكايين و645 قرصا مخدرا    تعاون ثقافي بين تونس قطر: "ماسح الأحذية" في المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للمونودراما بقرطاج    مدنين: مهرجان فرحات يامون للمسرح ينطلق في دورته 31 الجديدة في عرس للفنون    معرض تونس الدولي للكتاب يختتم فعالياته بندوات وتوقيعات وإصدارات جديدة    الرابطة المحترفة الاولى: حكام مباريات الجولة 28.    مقارنة بالسنة الماضية: إرتفاع عدد الليالي المقضاة ب 113.7% بولاية قابس.    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري دون تسجيل أضرار بشرية    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    أسعار الغذاء تسجّل ارتفاعا عالميا.. #خبر_عاجل    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    النادي الصفاقسي: 7 غيابات في مباراة الترجي    عاجل/ في بيان رسمي لبنان تحذر حماس..    عاجل/ سوريا: الغارات الاسرائيلية تطال القصر الرئاسي    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    في مظاهرة أمام منزله.. دروز إسرائيل يتهمون نتنياهو ب"الخيانة"    جندوبة: سكان منطقة التوايتية عبد الجبار يستغيثون    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    عاجل/ هذه البلدية تصدر بلاغ هام وتدعو المواطنين الى الحذر..    البرلمان : مقترح لتنقيح وإتمام فصلين من قانون آداء الخدمة الوطنية في إطار التعيينات الفردية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    عاجل : ما تحيّنش مطلبك قبل 15 ماي؟ تنسى الحصول على مقسم فرديّ معدّ للسكن!    استقرار نسبة الفائدة في السوق النقدية عند 7.5 %..    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    الإفريقي: الزمزمي يغيب واليفرني يعود لحراسة المرمى ضد النادي البنزرتي    عاجل/ قضية التسفير..تطورات جديدة…    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    إلى الأمهات الجدد... إليكِ أبرز أسباب بكاء الرضيع    ارتفاع تكلفة الترفيه للتونسيين بنسبة 30%    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    في سابقة خطيرة/ ينتحلون صفة أمنيين ويقومون بعملية سرقة..وهذه التفاصيل..    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    عاجل/ هلاك ستيني في حريق بمنزل..    سعر ''بلاطو العظم'' بين 6000 و 7000 مليم    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا 2-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    عاجل/ أمطار أعلى من المعدلات العادية متوقعة في شهر ماي..وهذا موعد عودة التقلبات الجوية..    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    وجبة غداء ب"ثعبان ميت".. إصابة 100 تلميذ بتسمم في الهند    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوزير الأول السابق محمد مزالي: من شردني وسجن ابنائي لم يكن بورقيبة بل شبحه!

التأويل المضعّف إن الحقيقة هي مبحث الأحرار وهي التي أدّت إلى إعدام العظماء في التاريخ القديم والحديث ولذلك كنت أبدا من المتابعين لها والباحثين عن لذّتها.
و'محمد مزالي' الوزير الأول السابق في عهد بورقيبة 1980 - 1986 والكاتب التونسي أصدر مؤخرا كتابا تحت عنوان 'نصيبي من الحقيقة'(1) نرى أن القارئ يجد فيه لذة المتابعة لحكايات سياسية يتداخل فيها الواقعي بالعجيب والموجود بالمنشود.
ولعل الدافع الأساسي لزيارة هذا الرجل والحديث معه ارتكز على مرارة يشعر بها القارئ في لسان رجل كاد أن يحكم تونس ولكن المؤامرات حالت بينه وبين هذه السلطة فتحولت حياته إلى جحيم دفع به إلى مغادرة تونس هربا من سجن أو إعدام يترصّده فكانت لعنة 'بورقيبة' تحل بعائلته فتنقل أغلب أفرادها من النعيم والحرية إلى جحيم التعذيب والسجن ومصادرة الأملاك.
بعد ست عشرة سنة وبعد أن ردّ القضاء التونسي للرجل اعتباره كمواطن كان هذا الكتاب شهادة من صاحبها عن أيام 'بورقيبة'.
لقد كان 'الطاهر بلخوجة'(2) صوتا من الأصوات التي كشفت للناس صورة من صور الحقيقة غير أنها خالفت في كليتها أقوال 'مزالي' فكان على القارئ أن يبحث عن الحقيقة تلك التي قال عنها 'بول ريكور' بأنها 'تأويل يجد جذوره في قدرة هذه الذات على القراءة للنص وإعطائه المعنى'.
كان المعنى غايتنا من هذا الحديث ففي مساء شتويّ قصدنا شقّة بحي رياض الأندلس بأريانة شمال العاصمة التونسية وقد كان صديقنا 'عامر قريعة'(3) رفيقنا في هذه الرحلة التي ما خرجت عن اعترافات جادة تتجاوز صاحبها إلى الآخرين.
إنها حكايات تبيّن لنا هذا التداخل بين السياسي والشخصي ذاك الذي استبد بحكامنا العرب فجعل من القضاء أداة لتصفية خصومهم وهو ما يجعلنا نطلق صيحة فزع ونداء لإيقاف مثل هذه الأفعال.
إننا مع كتاب دافعه الأساسي كان تبرئة فرد أمام التاريخ ولكنه عند القارئ غير ذلك إذ أنه حامل أسئلة حول واقعنا الديمقراطي ومستقبله وقدرة المواطن العربي على الإصداع بقوله أمام مؤسسات سياسية وثقافية همها الوحيد استبعاد وجوده الحر وتعويضه بمجموعة سياسية تحركها فردية الحاكم.
لم أكن أعرف 'محمّد مزالي' من قبل ولم أكن من حزبه السياسي ولكن كتابه أتاح لي فرصة المحاور لأفكار بدت لي متناقضة.
فكيف يمكن لهذا الرجل الذي يؤكد انتماءه للتفكير الحر والديمقراطي أن يكون جنديا في طابور الرئيس الراحل 'الحبيب بورقيبة' ذاك الرجل الذي حكم تونس بحزب واحد؟ وكيف يمكن ل'محمد مزالي' أن يظل وفيا لرجل عزم على إعدامه وأذاق عائلته مرارة السجن والتعذيب؟ إن هذا اللقاء قراءة أخرى لكتاب يكشف ضيم رجل يستفهم حاضره وتاريخه ويدعونا جميعا إلى أن نحذر السلطة العربية ونتأهب دائما تجاهها مدافعين عن الذوات والحقيقة.
ففي شقة 'محمد مزالي' وبحضور الوزير السابق والأديب 'البشير بن سلامة' ومحاميه 'الطاهر بوسمة' والصديق 'عامر قريعة' كانت هذه الشهادة الجديدة إنارة أخرى وعينا نأخذها للقارئ تقريبا للكتاب وللحدث العربي منه.
فمن التأويل المضعف تبدأ القراءة وأي لذة أشد من لذة النص طالما أن السلطة السياسية وجع يقلق أصحابها وطريق يؤدي إلى الموت.
لعنة المنصب: أو جزاء سنّمار
إن القارئ لكتابكم 'نصيبي من الحقيقة' يلمس في هذا العمل باب 'السيرة الذاتية' ذاك الذي ما خرج يوما عن البعد الذاتي في قراءة الأحداث. فمن تراه كتب هذا العمل: الكاتب والأديب الموغل في عاطفته أم ذاك السياسي المحنك بموضوعات الواقع والتاريخ؟ أم هو 'المظلوم' الذي يبحث في ذاكرة القارئ عن إنصاف 'الآن'؟
هو مواطن آمن بالوطن وآمن بتونس وكان جزاؤه جزاء سنّمار.
إنه كل ذاك... مواطن تحمل المسؤولية وساهم في بناء الدولة إلى أن بلغ رئاسة الحكومة ولكنه لم يجد ما كان يصبو إليه فكتب هذا الكتاب ليقرّبه من ذاكرة القارئ.
يلاحظ القارئ لكتابكم هذا السعي الواضح لاستبعاد إلقاء اللوم على الرئيس السابق الحبيب بورقيبة وتوجهكم في أغلب الأحيان لتحميلها لغيره وأساسا المقربين منه - سعيدة ساسي - الهادي المبروك - منصور السخيري... ألا ترون في ذلك تبريرا جادّا لسلطة الواحد ذاك الذي كان دائما كاملا في حضارتنا العربية الإسلامية؟
إني آمنت ببورقيبة: وقد كان هذا الرجل إنسانا وأعتقد أنه ممن ثقلت موازينه. وعندما كبر هذا الرجل تمكنت منه بطانة وأثرت عليه وجعلت منه ألعوبة في أياديهم. ولعل خطة الوزير الأول كانت خطة ملعونة لأنها ترتبط بخلافة الرئيس.
وقد عانى منها قبلي 'الباهي الأدغم' و'الهادي نويرة' ولكن ما حصل لي كان أعظم إذ أنهم اتجهوا إلى ذاتي وتاريخي وعائلتي وأملاكي قصد الانتقام مني ومن كل من كان حولي. وقد برّأت 'بورقيبة' في هذا الكتاب رغم ما أصابني من تشريد وأصاب أبنائي من تعذيب وسجن ذهب إلى حدّ تشويهي واتهامي بالاختلاس والفساد.(4)
إن من فعل بي كل هذا ما كان 'بورقيبة' بل هو شبح بورقيبة ذلك أني أكن له احتراما عظيما إذ أنه كان بالنسبة إليّ زعيما وأبا.
يذهب الوزير السابق الطاهر بلخوجة في كتابه - الحبيب بورقيبة سيرة زعيم - في تأويل فترة - الثمانينات - من القرن الماضي - تأويلا مختلفا عما ذهبتم إليه في كتابكم 'نصيبي من الحقيقة' ويحملكم مسؤولية إفشال - ربيع الإعلام - 1982 - وتواطئكم الصامت في تدليس الإدارة لانتخابات تشرين الأول (أكتوبر) 1981 تلك التي لعب وزير الداخلية إدريس قيقة - دورا أساسيا في تغيير نتائجها.(5).
فهل خلاف الأجنحة السياسية ذاك الذي أضاع على الشعب التونسي التمتع بإعلام حر وبتعددية سياسية ممكنة؟ أم هي إرادة 'بورقيبة' ذاك 'الدكتاتور' المستنير؟
أنا لا أعتبر الطاهر بلخوجة نظيرا لي إذ أنه كان من أتباع وسيلة 'زوجة الرئيس السابق وقد كان ألعوبانا وسيرته السياسية شاهدة عليه فمن السجن إلى الحكم ومن الحكم إلى السجن(6) أما أنا فقد كنت رجلا اشتغل بالسياسة 'ساذجا' أي صادقا.
إني أول من كتب كتابا في تونس عن 'الديمقراطية' سنة 1955.
وقد كنت أيضا أربو عن استغلال الآخرين لتمرير أفكار الغير لإرهاب الناس. فعلى إثر أحداث كانون الثاني (يناير) 78 استغل الوزير السابق 'محمد الصياح' صمت 'اتحاد الكتاب التونسيين' والذي كنت أنا رئيسه وحاول في اجتماع الديوان السياسي إحراجي واتجه للوزير الأول 'الهادي نويرة' قائلا:
'إن اتحاد الكتاب التونسيين' هو المنظمة الوحيدة في تونس التي لم تندد بالحبيب عاشور وجماعته'. فأجبته قائلا:
'إني أترأس منظمة يوجد فيها معارضون من أمثال محمد مواعدة ولذلك كان علي احترام استقلالية هذه المنظمة' هذا الموقف أدى إلى مهاجمتي من قبل جريدة العمل بمقال عنوانه 'الجلوس على الربوة أسلم'. إني أذكّر 'الطاهر بلخوجة' بأني عمدت منذ تسلمي مهام الوزارة الأولى - 1980 - إلى إبعاد الحرس الجامعي الذي سمح وزير الداخلية 'إدريس قيقة' بإدخاله إلى الحرم الجامعي.
كما أني عملت على تسريح 1200 سجين سياسي، حرر قانون هذا 'العفو الخاص' الوزير 'محمد شاكر'، وقد وافقني الرئيس بورقيبة على ذلك بعد جهد مني لإقناعه بضرورته تطويرا للحياة المدنية والسياسية.
لقد آمنت بالديمقراطية ولذلك سعيت إلى تأكيد وجودها في الواقع السياسي فسعيت إلى إعطاء المعارضة حق التواجد في وسائل الإعلام.
إن كل ما ادعاه 'الطاهر بلخوجة' لا أساس له من الصحة لأنه كان ينفذ اختياراتي لا توجهاته هو لأني كنت صاحب هذا الانفتاح الاعلامي والسياسي معا.
وإن 'إدريس قيقة' هو الذي زوّر الانتخابات بإذن من بورقيبة وعمل على إجهاض هذه التجربة الديمقراطية. إن الأشرار من بطانة سياسية سيئة المقاصد خلقت هذه الدعاية المسيئة لذاتي ولأفكاري لتشوّه صورتي أمام التاريخ والمثقفين.
إن المتأمل في هذا الكتاب يتبين له أن لمحمد مزالي الوزير الأول حاشية 'داخل السلطة السياسية'.(7)
وقد استطاعت هذه الحاشية أن تشكل ثقلا فعليا داخل نظام 'بورقيبة' مثل 'المازري شقير والبشير بن سلامة وفرج الشاذلي وأحمد القديدي'...
فهل من تعليق ييسّر على القارئ التعرف على أبعاد هذا التواجد؟
إن الذي جمعني ببعض الوزراء داخل الحكومة كان الإيمان بنفس الأفكار فقد كان أغلبهم يؤمنون مثلي بالتعريب والانتماء للأصالة في انفتاحها على الغرب.
إن ما كان يجمعني ببعض الأسماء مثل 'البشير بن سلامة وفرج الشاذلي والمازري شقير... لم يكن ولاء 'للذات' بقدر ما هو عصبة فكريّة.
إن 'بورقيبة' كان يسمح بهذا الهامش الاختلافيّ بين الوزراء في حكومة واحدة. وقد بينت في كتابي 'نصيبي من الحقيقة' هذا الأمر وأكدت على أهمية الولاء لتونس جامعا لكل رجالات بورقيبة أو هكذا كان يريد بورقيبة.
3 - النهايات المحتومة أو خلاف الكبار:
ألا ترون معي أن 'بورقيبة' عندما أقالكم في تموز (يوليو) 1986 أقال فيكم خلفيتكم - العربية الاسلامية - تلك التي مثلت لديه هاجس رفض وحساسية ولعنة وجبت مقاومتها لدى كل المقربين منه - بدءا بعبد العزيز الثعالبي ومرورا بصالح بن يوسف ووصولا إليكم؟
لقد ذكرت بولاء الجميع لتونس... وأؤكد أن بطانة بورقيبة شوهت نواياي فجعلت مني مشروع قضاء على الفرنسية وما تخفيه لدى الرئيس من تقدم وحضارة.
لقد سعوا إلى تشويه كل أفكاري وجميع أفعالي مستغلين معرفتهم الجيدة بأفكار 'بورقيبة' وخلفياتها المؤمنة بإيجابيات حضارة الغرب ومعقوليته.
إنها حاشية فاسدة حركتها أطماع خلافة 'بورقيبة' فسعت للقضاء على وجودي السياسي واستغلت كل الوسائل.
من من هذه الاسماء تذكر تحديدا؟
لقد بينت في كتابي 'نصيبي من الحقيقة' أن هؤلاء جماعة ضالة استغلت شيخوخة 'بورقيبة' لتمرر مشاريعها النفعية وتحديدا 'سعيدة ساسي' و'منصور السخيري' و'الهادي المبروك'.
أنا أعتبر الحكم وسيلة لخدمة البلاد والعباد ولكن هذه الجماعة تعتبر الحكم سلطة ولذة ولذلك سعت لاستبعادي من طريقها لتنفرد ببورقيبة.
لقد اعتبرتني هذه الجماعة - ساذجا - لأني نظيف السيرة واليدين. إننا نختلف في المنطلقات وفي التوجهات وفي الغايات.
لقد جاءت مداخل فصول كتابكم وأبوابه مؤسسة على جملة من الحكم والمواعظ والأحاديث لمشاهير وعظماء في التاريخ العربي والإنساني: فمن تراه الأقرب إلى نفسك منهم؟ وأي تصدير تختاره منها ليكون الأشدّ وقعا عليكم وعلى القارئ؟
إني أتألم كثيرا لما قاسته أفراد أسرتي إذ أنهم تعرضوا إلى التعذيب والسجن من قبل حاشية 'بورقيبة' فابنتي وضعت في سجن مع 'العاهرات' وابني مع المجرمين.
وإن كنت أنا دخلت السياسة وكان جزائي الفرار من بلدي - 1986 - والبقاء ستة عشر عاما في الخارج فذاك الأمر تفهم أبعاده ولكن الغريب أن الذنب يقع على الأبناء لا لذنب جنوه غير أنهم خلفي. إني لا أجد نفسا أقرب من 'الشابي' شاعر تونس.
'أنا يا تونس الجميلة في لجج الهوى قد سبحت أي سباحة'
إنه ابتلاء من الله فلا زلنا أحياء رغم ما قاسيت من بعد وتشريد وتشويه.
إني أول وزير أول تونسي يعتدى على عائلته بغير ذنب أنا أتحمل ما وقع عليّ ولكن أكرر ما ذنب عائلتي؟
عود على بدء أو في استراحة المحارب
سيدي الوزير الأول: اشتغلتم بالسياسية عقودا ثلاثة: فهل ندمتم على ذلك؟
إني ندمت على اشتغالي بالسياسة ذلك أني كنت أستاذا في أول الخمسينات أحب مهنتي وأتطلع إلى رهاناتها الإنسانية غير أن الوزير - الأمين الشابي - أول وزير تونسي للتعليم ألحّ عليّ للالتحاق بديوانه.
ومن يومها وأنا أنتقل من مسؤولية إلى أخرى مضيفا ومساهما في تطوير الدولة التونسية وأجيالها.
لقد كنت ولا زلت مؤمنا بقيمة التعليم والثقافة ولذلك تراني اليوم أتحسر على عدم تركيزي على مجلة 'الفكر' وعدم الانكباب على التدريس والدرس لأصل إلى نيل 'الدكتوراه' والانخراط في السلك الجامعي. إني أحب التدريس وطلب العلم ونشر الثقافة ولكن السياسة أضاعت عليّ لذة كبتها زمن احترافها. إني أعتبر نفسي 'درويشا' لأني أؤمن بالقيم وأدافع عنها.
لقد ذكرتم 'مجلة الفكر' 1955 - 1986 وهي مجلة أنتم رئيسها ومؤسسوها ولقد كانت هذه المجلة الثقافية الشهرية علامة من علامات الثقافة التونسية فلماذا لم يسع صاحبها لإعادة إصدارها؟
بألم أقول لقد مات في نفسي كل شيء جميل ولقد قتلوا فيّ كل ذوق فلم أعد أرى لذلك موجبا.
بعد ست عشرة سنة قضيتموها خارج تونس (1986 - 2002) كيف تمت تسوية وضعيتكم القضائية ذلك أنكم حوكمتم في قضايا جنائية ذات أبعاد ماليّة بالأساس تخفي حسب مدعيها التلاعب بالمال العام وهو ما أدى لاحقا سنة 1992 إلى مصادرة منزلكم بسكرة لاستخلاص الأموال العمومية المهدورة من قبلكم؟
لقد وقعت محاكمتي غيابيّا في نيسان (أبريل) 86 من قبل محكمة الجنايات والحال أن القانون التونسي يؤكد على إحالة أعضاء الحكومة على المحكمة العليا وهو ما تم بالنسبة لأحمد بن صالح في السبعينات من القرن الماضي ولإدريس قيقة في منتصف الثمانينات 1984.
ولقد سعى القضاء التونسي إلى إصلاح هذا الخطأ بعد ست عشرة سنة إذ وقع الحكم ببُطلان إجراءات الإحالة مما ينفي وجود الحكم أصلا.
لقد سبق أن رفضت العفو الرئاسي لأني كنت أعتقد أني بريء وهو ما أعلنت عنه لكل من قابلني من رجال السلطة والإعلام خارج البلاد.
ولقد استدعى ديوان رئيس الجمهورية التونسية في حزيران (يونيو) 2002 محامي 'السيد الطاهر بوسمة' وأبلغه بالتوجه نحو إصلاح هذا الخطأ القضائي وذاك ما تم يوم 5 آب (أغسطس) 2002.
إذ أن المدعي العام لدى محكمة التعقيب بتونس طلب من العدالة أن تنقض ما بتت فيه منذ ست عشرة سنة.(8)
لقد سوّي الأمر بما كنت أتمناه برد الاعتبار إليّ قضائيا في 5 آب (أغسطس) 2002 بدون إحالة علما بأني أول تونسي يتمتع بهذا الإجراء.
وبالنسبة لمسكني 'بسكرة' فإنه سوّي أيضا ماليا بالاتفاق والتراضي إذ عوّضت لي الدولة التونسية مقداره والتزمت مقابل ذلك بعدم مقاضاتها.
وإني أرجع الفضل في ذلك كله للرئيس 'بن علي' الذي حرص على طيّ صفحة الماضي وقد أمر سيادته بتمتيعي بجواز سفر دبلوماسي منذ شباط (فبراير) 2006.
لقد كنتم من مؤسسي اتحاد الكتاب التونسيين في أول السبعينات (1971) وكنتم أول رئيس لهذا الهيكل. فكيف تقيمون واقع هذا الموجود الثقافي الذي سينعقد مؤتمره السابع عشر بعد يومين - 27 و 28 كانون الأول (ديسمبر) 2008؟
إني من مؤسسي اتحاد الكتاب وإني أستاء من عدم تواصل الحلقات بين الأجيال.
فهل يعقل أن يقع المؤتمر من غير أن تفكر 'الهيئة' في استدعاء المؤسسين؟
إني كنت رئيسا مفتوحا على كل الألوان السياسية حيث كان 'اتحاد الكتاب التونسيين' يحوي في صلبه العديد من المعارضين مثل محمد مواعدة والميداني بن صالح وغيرهما ولكني لم أقص أحدا. إني اليوم أرى أن هذا 'الهيكل' لا يحوي داخله أسماء لها وجود متميز في الساحة العربية. إني تلقيت العديد من الدعوات الخارجية الفكرية والرياضية والثقافية غير أني لا أعرف لماذا يستبعدني البعض من كل حضور ثقافي وفكري وقد خدمت هذا الوطن كثيرا؟
الأستاذ 'محمد مزالي' السياسي والمثقف ورجل الفكر كيف تفهمون تنامي ظاهرة الأصولية في العالم العربي وغزوها للعالم الغربيّ وتداعياتها على الوجود الإنساني بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001؟
إن الأصولية نزعة شباب عربيّ يئس من الماركسية ومن القومية العربية.
إن الرجوع للدين لديهم هو الحل إني أعترف بحق كل شخص في اعتناق ما يراه صالحا بالنسبة إليه ولكني ضد كل استغلال عنيف للدين.
إنها أزمة تكشف عمق حيرة الشباب العربي من المحيط إلى الخليج في حضور قوى اقتصادية غربية عظمى ومهيمنة على الاقتصاد والثقافة.
وإن الديمقراطية تظل هي الحل والفكرة لا تقاوم بالعنف بل تقاوم بالحوار وبالرأي البديل.
واقع الأمة: أو عين النّقد
هل ترون للأمة العربية اليوم من موقف ثقافي وسياسي واقتصادي في عصر انتفت فيه الهوية والخصوصية والتاريخ لتترك حضورها لمقولات جديدة محاورها العولمة والمركز والكونية؟
إن العولمة مقولة زائفة ولا بد لها أن تزول فالمستقبل للهويّة وللخصوصية.
إننا أمام تيار واقعي لكنه ليس حقيقيا يؤثر في العالم ولكن إلى حين.
كيف تؤوّلون حادثة قذف الرئيس 'بوش' بالحذاء في بغداد؟
إنها عملية 'كويسة' جيدة جدا إنها ردّة فعل عن مكبوت وتنفيس عن ذات عانت من الاستبداد والظلم الأمريكي.
كمثقف عربي وكسياسي: هل يستحق 'صدام حسين' نهايته المأساوية؟
قطعا لا ولكني ألومه على غزو الكويت وعلى خوض حرب طويلة أنهكته وهي حرب إيران. إنه وضع نفسه في مأزق لما رفض الانسحاب من الكويت إذ أعطى ذريعة لمهاجمة الأمريكان له. وقد قال لي المرحوم 'ياسر عرفات' لقد ظننت أن لصدام 'قنبلة ذرية' إنه كان مصرا على التحدّي والمضي إلى الأمام.
نترك لكم كلمة الختم؟
أشكركم على هذا اللقاء ومحاولة متابعة 'الحقيقة' تلك التي أضحت في هذا الزمن أصعب منال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.