من المنتظر أن تحدث على المدى المنظور ترتيبات أمنية وسياسية جديدة في منطقة الشرق الأوسط إثر الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة وانقسام المواقف الرسمية العربية تجاه هذا الحدث وتداعياته وطرق التعاطي معه إبّان هذه الحرب وبعد وقف إطلاق النار. ويبدو أنّ محور هذه الترتيبات المنتظرة هو تبنّي الخيار السلمي بشروط إسرائيلية وبمباركة غربية بعد أن أصبح الرهان مطروحا على الإدارة الجديدة للبيت الأبيض في دفع هذا الخيار لتحقيق تسوية سياسية دائمة أساسها «لجم» المقاومة الفلسطينية وإعطاء دور أكبر للمعتدلين في المنطقة. لقد قرّر أوباما إيفاد مبعوث للشرق الأوسط بعد أسبوع من مباشرة مهامه كرئيس جديد للولايات المتحدةالأمريكية وهو ما يوحي أنّ البيت الأبيض مقرّ العزم على تناول هذا الملف الشائك بالدرس مبكّرا والتباحث بشأنه مع الأطراف المعنية في المنطقة تمهيدا لتحقيق هذه الترتيبات. ولئن ينظر إلى زيارة المبعوث الأمريكي جورج ميتشل هذه الأيّام إلى كلّ من رام الله والقدس والقاهرة والرياض وعمّان كخطوة لجسّ النّبض والوقوف على الخيارات الأمنية والسياسية المطروحة في المنطقة لتبنّي موقف واضح تعتمده الإدارة الأمريكية في هذا الشأن فإنّ الأمر قد يستدعي بعض التأنّي لأنّ إسرائيل مقبلة على انتخابات تشريعية. وإلى جانب هذا المعطى السياسي داخل إسرائيل فإنّ التّراشق - القائم حاليا بين السلطة الفلسطينية من ناحية وبعض الفصائل من ناحية أخرى حول أولويات المرحلة، الشروع في إعادة إعمار غزّة وفتح المعابر ورفع الحصار أو تحقيق المصالحة الوطنية... أو كيفية التصرّف في أموال المانحين لإصلاح ما دمّره العدوان الإسرائيلي في القطاع - قد يعطّل إلى حين تشكّل رؤية أمريكية واضحة لبناء جسور تواصل تمهيدا لحلول في المنطقة. عامل ثالث قد يدخل ضمن الرؤية الأمريكية في التعاطي مع هذا الملف يتمثّل في إعطاء دور جديد للحلف الأطلسي على المستوى الأمني لتشديد الرقابة لمنع تهريب الأسلحة وتطويق المنطقة بالتعاون مع أجهزة أمنية هناك للحد من امتلاك بعض فصائل المقاومة الفلسطينية الأسلحة... وهو أمر قد مهدت له الإدارة الأمريكية وإسرائيل بإمضاء اتفاقية أمنية بين رايس وليفني في الأيام الأخيرة من رئاسة بوش. ووسط هذا التفاعل بين السياسي والأمني لإقرار ترتيبات دائمة في المنطقة يبدو أنّ الشهر المقبل يحمل الكثير من الانتظارات حيث ستستضيف القاهرة مؤتمرا دوليا تحت عنوان «إعادة الإعمار في غزّة» في إطار مبادرة تجمع أكثر من طرف عربي وغربي للتعامل مع الأزمة القائمة بكافة تداعياتها السياسية والاقتصادية. وقد تطرح في هذا المؤتمر بعض الخيارات الإسرائيلية الأمنية المدعومة أمريكيا ضمن رؤية شاملة لتحقيق تهدئة طويلة الأمد.