مجهول يلقي قنبلة يدوية على السفارة الإسرائيلية في بروكسل    بمناسبة انتهاء مهامه ببلادنا.. سعيد يستقبل سفير قطر بتونس    رئيس الجمهورية.. حرية التعبير مضمونة ونحن أكثر حماية لحقوق العمال ممن يدعون أنهم يحمونهم (فيديو)    نجاح طبّي جديد بالمستشفى الجامعي فطومة بورقيبة بالمنستير    رئيس الجمهورية يؤكد على ضرورة حسن التصرف في الأملاك المصادرة    بينها سما دبي: رئيس الجمهورية يدعو إلى إيجاد حلّ نهائي للمشاريع المعطّلة    قيس سعيد يشدد على ضرورة ترشيد النفقات العمومية وحسن التصرف في الموارد    بلغت أكثر من 4700 مليون دينار إلى حدود 20 ماي عائدات تحويلات الجالية والسياحة تساهم في توازن احتياطي العملة الأجنبية    في قضية رفعتها ضده هيئة الانتخابات.. 5 أشهر سجنا ضد جوهر بن مبارك    «هدية» ثمينة للمنتخب ..«الفيفا» تخصم 6 نقاط من رصيد غينيا الإستوائية    «لارتيستو»...الممثلة عزيزة بولبيار ل«الشروق» نصيحتي للجيل الجديد الغرور عدو النجاح    مهرجان «كنوز بلادي» بالكريب في دورته 2 ...لأول مرة حفلات فنية ومعرض للصناعات التقليدية... بالحديقة العمومية    مناطق صناعية ذكية وذات انبعاثات منخفضة للكربون    تأجيل إستنطاق رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين    المعهد العربي لرؤساء المؤسسات يدعو إلى التسريع في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية    مجلس وزاري للنظر في ملف توفير الدعم اللوجستي للتعداد العام الثالث عشر للسكان والسكنى    العدل الدولية تأمر بإيقاف العدوان الإسرائيلي فورا..صفعة جديدة للكيان الصهيوني    بعد تأجيل مواجهة الصفاقسي.. الإتحاد المنستيري يشكر وزير الرياضة    عاجل/ اتفاق مصري أمريكي فلسطيني على ايصال المساعدات لغزة من معبر كرم أبو سالم    طقس الليلة    المرسى: 03 قصّر يعمدون إلى خلع مستودع والسرقة من داخله    سعر "الدوّارة" يصل 100 دينار بهذه الولاية!!    2500 تذكرة مقابل 8000 مشجّع: السلطات التونسية تعمل على ترفيع عدد تذاكر جمهور الترجي في مصر    مدرب الترجي قادرون على العودة باللقب    صفاقس: الكشف عن شبكة مختصة في تنظيم عمليات الإبحار خلسة.    الحرس الديواني : رفع 5474 محضر بقيمة 179 مليون دينار    رئيس قسم الأعصاب بمستشفى الرازي يوجّه هذه النصائح للتونسيين    المنستير: انطلاق أوّل رحلة للحجيج من مطار المنستير الحبيب بورقيبة الدولي    باجة : حجز 6 أطنان من السميد    نابل: يوم إعلامي حول التجربة المغربية في المقاومة البيولوجية للحشرة القرمزية بمزارع التين الشوكي    تسع مدراس ابتدائية تشارك في الملتقى الجهوي للكورال بسيدي بوزيد    سجنان: حجز 5500 كغ من الحبوب وقرابة 1 طن من الفارينة    سيدي بوزيد: 5450 مترشحا لامتحانات الباكالوريا بالولاية اغلبهم في شعبة الاداب    توافد 30 ألف سائح إلى تونس سنويا بهدف جراحة التجميل ..التفاصيل    العدل الدولية تبت في قضية وقف هجوم الاحتلال على غزة    سفارة تونس بفرنسا تفند ما أوردته القناة الفرنسية « ال سي إي » حول وجود عناصر من « فاغنر »    الحماية المدنيّة: 12 حالة وفاة و 409 مصاب خلال ال 24 ساعة الفارطة    جرحى في حادث اصطدام بين سيارة ودراجة نارية..    أبرز ما ورد في الصحف التونسية لليوم الجمعة 24 ماي 2024    مواقف مضيئة للصحابة ..في حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم    حُبّ أبي بكر للرّسول صلى الله عليه وسلم    دجوكوفيتش يتأهل لنصف نهائي بطولة جنيف للتنس    أبطال إفريقيا: الترجي الرياضي يلاحق أمام الأهلي المصري في القاهرة نجمته الخامسة    المديرة العامة للإذاعة الوطنية : 60 ألف دينار معلوم كراء إذاعة الزيتونة    الفنان محمد عبده في أحدث ظهور بعد إصابته بالسرطان: أنا طيب    اليوم : الترجي ينهي تحضيراته لمواجهة الأهلي    منبر الجمعة ..لا تقنطوا من رحمة الله    محمد الشاذلي النيفر نشأته ومؤلفاته    عاجل/ مقتل 100 شخص في انهيار أرضي بهذه المنطقة..    نتائج التحقيق الأولي في أسباب تحطم مروحي الرئيس الايراني الراحل ابراهيم رئيسي    المغرب: انهيار مبنى من 5 طوابق    انطلاق بث اذاعة الزيتونة من مقر الاذاعة الوطنية    جميلة غربال أرملة رشيد العيادي في ذمة الله    الاتحاد المنستيري يرفض اجراء مباراة النادي الصفاقسي قبل النظر في مطلب استئناف العقوبة    محمد رمضان يحيي حفل نهائي دوري أبطال أفريقيا بين الأهلي والترجي    تونس نحو إدراج تلقيح جديد للفتيات من سن 12    اتفاقية تمويل بين تونس و الصندوق العربي للانماء الإقتصادي والاجتماعي بقيمة 10 مليون دينار كويتي    4 ألوان "تجذب" البعوض.. لا ترتديها في الصيف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المقاومة في فلسطين بين الآفاق والأنفاق 5/4
سالم الحداد
نشر في الشعب يوم 11 - 07 - 2009

ثانيا تداعيات العدوان على الساحة الفلسطينية
إن العدوان الذي شنه الكيان الصهيوني هز الوجدان العربي والإسلامي بل أيقظ ضمير الإنسانية، وكان من المفروض أن يدفع الفعاليات الوطنية في فلسطين والقومية في الوطن العربي إلى أن تراجع مواقفها وأن تتجاوز خلافاتها لتوحد صفوفها، غير أن ما وقع سواء على الساحة الفلسطينية أو العربية لم يكن في مستوى هول الحدث. فما هي الإشكالات التي سجلت فلسطينيا وقوميا والتي مازالت محل تجاذب بين الفعاليات الفلسطينية والعربية ؟
الإشكالية الأولى : التأسيس أم التقويم ؟
بعد كل محطة تاريخية تقوم الشعوب الحية وفعالياتها الفكرية والسياسية والاجتماعية بعملية تقييم للنتائج حتى تكون قادرة على تقويم المسار، وهذا ما كان يجب أن يحدث فلسطينيا وعربيا.غير أننا باستثناء بعض الجهود التي بذلتها وسائل الإعلام فإننا لا نكاد نعثر على أي عمل جدير بالاهتمام وفي مستوى الحدث. لقد حاولت حماس وحتى قبل أن تنتهي الحرب أن تقطف الثمار مستفيدة من الزخم الشعبي الذي أحدثه العدوان، فبدأ قادتها يتحولون ضمن العواصم العربية والإسلامية يروجون لفكرة أساسية وهي أن منظمة التحرير ترهلت ولم تعد قادرة على تحقيق طموحات الشعب الفلسطيني، وأنه لابد من تأسيس مرجعية نضالية جديدة تقوم أساسا على المنظمات الإسلامية. غير أن هذه المبادرة لم تجد صدى لا على مستوى الأنظمة العربية ولا على مستوى أغلب فصائل المقاومة بما في ذلك تنظيم الجهاد، الذي له نفس منطلقات حماس وكابد نفس المقاومة في غزة وكان أمينها العام ينادي بعودة «فتح» إلى المقاومة بعد أن اختطفتها السلطة في رام الله ولعل منظمة الجهاد تعرف أيضا أن تأسيس منظمة قوية ذات مرجعية إسلامية لن تكون محل ترحاب لدى مختلف دول المنطقة بما في ذلك النظام السوري، فجميع الأنظمة العربية ترفض التعامل مع التنظيمات السياسية الإسلامية السلمية، فما بالك بالتعامل مع منظمة مقاومة إسلامية مسلحة؟
وبعد أن فشلت مبادرة حماس بتأسيس مرجعية جديدة للمقاومة، صار النقاش يدور حول المحاصصة في منظمة التحرير، وأعتقد أن ذلك لن يكون بالأمر اليسير في ضوء أزمة الثقة السائدة بين الفصائل، فهذا الأمر سوف يستغرق حيزا زمنيا ليس بالقصير حتى ولو سُجّل اتفاق على الورق بإعادة صياغة منظمة التحرير. غير أن مجرد وجود اتفاق على إعادة رسم إستراتيجية جديدة للنضال وإعادة الحياة لمنظمة التحرير سيعيد الأمل للشعب الفلسطيني وللأمة العربية وسيعطي ثقلا سياسيا لأية عملية تفاوضية على أي مستوى كان.
الإشكالية الثانية: لمن ستسلم السلطة؟
إن إعادة بناء سلطة موحدة في الضفة والقطاع تشرف على انتخابات تشريعية ورئاسية جديدة سيكون محكوما بتوفير أقصى ما يمكن من شروط ضمان النجاح في المستقبل لذا سيقع التجاذب حول نوعية الحكومة: هل هي تقنية تتشكل ممن لا علاقة لهم بالتوجهات السياسية أم حكومة سياسية ائتلافية انتقالية لتصريف الأعمال .وإذا تجاوزنا إشكالات تشكيل الحكومة فهل ستعاد الأجهزة الأمنية السابقة أم سيواصل الجهاز الأمني الجديد مهمة حفظ الأمن ورعاية الانتخابات؟
وفي اعتقادي أن حماس سوف لن تقبل بالاحتكام لصندوق الاقتراع من جديد قبل أن تتم عملية تبادل الأسرى فتلك هي الفرصة الوحيدة التي تستعيد بها مصداقيتها ولذا ستبقى تناور وترحل المواعيد في انتظار تحقيق مكاسب من الحرب .
الإشكالية الثالثة : مقايضة الأسير الصهيوني وملابساتها
من أهم الأوراق الضاغطة التي تمتلكها حماس والتي كانت تعوّل عليها للمقايضة هي الأسير الجندي الصهيوني شاليت، وقد ظهرت عدة مبادرات للوساطة، لكنها جميعا لم تفلح لأن الطرفين الحكومة الصهيونية السابقة وقيادة حماس يريدان أن ينتزعا أقصى ما يمكن من المكاسب، فالحكومة الصهيونية تريده ورقة انتخابية لكنها عجزت عن استرجاعه قبل الحرب وأثناءها، كما أن حماس تعتبره صيدا ثمينا سيمكنها من تدعيم شعبيتها لدى الجماهير الفلسطينية والعربية ويعطيها زخما نضاليا، لذلك رفعت من سقف مطالبها، فأدرجت بالإضافة إلى مناضليها عدة قيادات أخرى منها الأمين العام للجبهة الشعبية . غير أن اليمين الصهيوني الذي أفرزته الانتخابات كان مدركا لآليات اللعبة، وليس من مصلحته أن يبدو ضعيفا ويستجيب لمطالب حماس ويمنحها فرصة تحرير أكثر من ألف معتقل وتقوية ساعدها.لذا لم تعد قضية الجندي الصهيوني تحتل الأولوية في القضايا المطروحة، وقد كانت حماس طوال المشاورات التي تمت بينها وبين فتح في القاهرة تؤجل الحسم في القضايا الخلافية الهامة مثل تشكيل حكومة ائتلافية والجهاز الأمني والانتخابات وإعادة بناء منظمة التحرير في انتظار انجاز الصفقة التي ستعزز موقعها، وهذا ما لا يمكن أن يتحقق في مثل هذه الملابسات وفي المستقبل المنظور وبالشروط التي ترغب فيها. وهو ما سينعكس سلبيا على شعبية حماس ،وهذا ما ترغب فيه كل الأطراف المناهضة لها.
الإشكالية الرابعة: التهدئة وملابساتها
التهدئة هي إحدى النقاط الخلافية بين الكيان الصهيوني وحماس ويتمحور الخلاف حول حيزها الزمني الذي سوف لن يكون أقل من عام ونصف وقد رفضت حماس هدنة بستة أشهر وإذا كانت قد استطاعت في التهدئة السابقة أن تخادع المصريين والإسرائيليين وأن تسرب الذخيرة بما فيها من صواريخ، فهل بإمكانها أن تواصل هذا العمل بعد إنهاء الجدار العازل بين القطاع وغزة واكتشاف أعدائها لمسالكها وأساليبها خاصة بعد أن صارت مهمة الرقابة على غزة مهمة إقليمية وعالمية؟
ثالثا تداعي العدوان على مستوى الساحة الإقليمية
1 المصالحة العربية
إن العدوان على غزة وما آل إليه من مجازر وما رافقه من تحركات جماهيرية عربية دفع بعض الزعامات العربية إلى التحرك في اتجاهين مختلفين:
أ اتجاه مساند لحماس، حاول أن يعقد مؤتمر قمة عربي استثنائيا في قطر لتوفير الدعم المادي والمعنوي لتعزيز صمود غزة والوقوف إلى جانب المقاومة في تصديها للهجوم الصهيوني، هذا ما بدا من المواقف الرسمية بقطع النظر عن خلفيتها الحقيقية ، ومن أبرز مكونات هذا المحور: النظام السوري والنظام الإيراني، وهو الموسوم بالتطرف.
ب اتجاه رافض لحماس ولتوجهاتها السياسية ويتهمها بالارتماء في أحضان النظام الإيراني الذي تحول في نظر «المعتدلين» إلى العدو الأول الذي يهدد وجود أنظمتهم، وخطره يفوق الخطر الصهيوني على المنطقة، لذا فهو يراهن على المعسكر الغربي بما في ذلك الولايات المتحدة وعلى الحلف الأطلسي لكبح جماح الطموح الإيراني، وقد لا يمانع في سره من أن يوجه له الكيان الصهيوني ضربة مباغتة قاضية.
وقد رفض هذا الاتجاه الالتحاق بمؤتمر الدوحة وضغط من أجل إفشاله. غير أن المؤتمر الاقتصادي الذي انعقد في الكويت مباشرة بعد مؤتمر الدوحة شهد تحولا جديدا في اتجاه المصالحة العربية، وهذا ما أعطى أملا في وحدة الصف العربي، قد يؤثر في عودة الوئام بين الفصائل الفلسطينية مما يفضى إلى رسم إستراتيجية جديدة لمجابهة التحديات السياسية والاقتصادية والحضارية التي تواجهها الأمة العربية فإلى أي مدى سيكون هذان المحوران قادرين على تجاوز اختلافاتهما؟ ذاك ما يصعب حصوله مع القيادات العربية التي مازالت مسكونة بهاجس الخوف من بعضها ومن القوى العظمى التي تتحكم إلى حد بعيد في عروشها.
وقد رأينا كيف تعددت عروض الوساطة ثم توقفت وأخيرا انحصرت في القناة المصرية بل إن المحاور كادت تختفي من الساحة العربية والإقليمية. لماذا توقف الصراع الإقليمي أو كاد؟ هل كان ذلك بضغط من القوى العظمى أم بإلهام رباني؟ لا اعتقد أن تلك المبادرة كانت عفوية بل إنها تتنزل ضمن ما يرغب فيه الأمريكان من ضرورة تهيئة المنطقة وأطرافها للمساعي التي سيقوم بها ممثل الولايات المتحدة متشل لاحقا.
في اعتقادي أن هناك أربعة توصيات أمريكية أبلغها المبعوث الأمريكي للمحورين العربيين: المتطرفين والمعتدلين وهي كالتالي:
ضرورة ترويض حماس للحل السلمي ولو بقبولها كطرف رئيسي في المفاوضات.
توقيف كل قنوات الحوار، فلا تبقى إلا قناة واحدة هي القناة المصرية، وبذلك تتمكن أمريكا من معرفة إشكالاتها ومتابعة مساراتها واحتوائها. ومن المتوقع ألا تخفّض حماس من سقف مواقفها لأي طرف باستثناء أوباما، باعتباره الطرف الماسك بخيوط اللعبة، وفي ذلك تعبير عن استعدادها واستعداد حليفتيْها سوريا وإيران للتفاهم مع أمريكيا.
استعداد أمريكيا للسعي من أجل إيجاد حل لهضبة الجولان، وقد تمكن الأتراك من كسر جبل الجليد بين النظام السوري والكيان الصهيوني عندما استطاع أن يجروا محادثات غير مباشرة بين الطرفين تمكن كل منهما من جس نبض الآخر وقد تعهدت إدارة أوباما بمواصلة هذه المساعي وهذا ما جعل سوريا تخفف من حدة خطابها العدائي نحو الولايات المتحدة الأمريكية ولا تمانع أيضا من قيام القاهرة برعاية المحادثات بين التنظيمات الفلسطينية
العودة إلى المبادرة العربية كأساس للتفاوض مع الكيان الصهيوني مع إحداث بعض التعديلات خاصة على مستوى حق اللاجئين في العودة، وهذا ما أخذ يروج له رئيس الكيان الصهيوني بيريز نفسه.
وفي اعتقادي أن المصالحة العربية لا تنبع من قناعات داخلية بضرورة مجابهة الأخطار المحدقة بالأمة بقدر ما هي مملاة من الولايات المتحدة التي لوحت لدول الاعتدال بحمايتها من الخطر الإيراني ولوحت لمحور الممانعة بفتح مفاوضات مباشرة حول معضلاتها. فقد صار الجميع مقتنعا بأن الحل بيد الإدارة الأمريكية الجديدة اقتداء بمقولة السادات ولذلك توقفت حملات الدعاية ضد الولايات المتحدة واختفت الدعوة إلى التأسيس لمرجعية فلسطينية جديدة وواصلت القاهرة دورها بين مد وجزر فكل المحاور العربية والإسلامية صارت تعول على الإدارة الأمريكية الجديدة وبدأت تعمل على تسهيل مهمته، ولعل أوباما فهم هذه الرسالة فأخذ يعبر عن تفهمه لمأساة الشعب الفلسطيني مناديا بوقف الاستيطان وقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة وإعادة بناء غزة. وهو بهذه التصريحات يمهد لزيارته للقاهرة التي سيتجه منها بخطابه للعالم الإسلامي وهذا ما جعل القاهرة تستعجل توصل الأطراف الفلسطينية إلى وفاق وطني.
2 الدور الإيراني والدور التركي وخلفيتهما
أ الدور الإيراني
تنبع المواقف الإيرانية تجاه القضية الفلسطينية من الهدف الإستراتيجي الذي حددته الثورة الإسلامية في إيران لنفسها، ألا وهو أن تتحول إلى قوة مركزية في المنطقة، ولا يتيسر لها ذلك إلا إذا أصبحت قوة نووية وهذا يتعارض مع مصلحة عدة أطراف هي: مجمل الدول العربية ، الكيان الصهيوني والولايات المتحدة.
فالدول العربية تتخوف من تصدير الثورة إليها عبر الأقليات الشيعية، والولايات المتحدة والدول الأوروبية تخشى منافستها في تقاسم ثروات المنطقة ، أما الكيان الصهيوني الذي قام وجوده على احتكار التفوق فإن امتلاك إيران للسلاح النووي بالنسبة إليه هي قضية موت أو حياة، فهو يرفض أن تتواجد معه في المنطقة قوة تنافسه وربما في المستقبل البعيد تهدد وجوده.
هذه التخوفات من مختلف الأطراف دفعت إيران إلى أن تتحصن داخليا وأن تنشئ لنفسها قواعد متقدمة خارجيا، وهي أذرعها المسلحة وقد تجسدت في أنصارها في العراق وحزب الله وحماس وغيرهم. وليس معنى ذلك أن هذه التنظيمات وخاصة حماس هي صنيعة إيرانية، وإنما هناك نقاط تقاطع كثيرة مشتركة توحي بالتماهي بينهما، تباعد بين النظام الإيراني وهذه التنظيمات المسلحة من ناحية وبقية أطراف الصراع من ناحية أخرى. لذلك نرى الكيان الصهيوني في هذه الأيام أشد المتحمسين للتصدي الإيراني وهو يدفع في اتجاه توريط الولايات المتحدة والغرب في حرب مع إيران كما ورطها في الحرب ضد العراق، ويحاول أن يضغط على أمريكا لتغيير أولوياتها في المنطقة، فالأهمية الأولى يجب أن تعطى للخطر الإيراني. وقد رفض نتانياهو لحد الآن الالتزام بخيار الدولتين لأنه يريد هذا الخيار ورقة مساومة مع أوباما، فهدفه إما أن تضرب أمريكا إيران أو أن تسمح له بضربها غير أن ردود الفعل ستستهدف بالدرجة الأولى التواجد الأمريكي في المنطقة وهذا ما تتحاشاه الولايات المتحدة التي ما زالت تسبح في خندق الأزمات وإذا رفضت أمريكا التصدي لإيران فعليها ألا تحرج الحكومة الصهيونية في حل الدولتين. هذه هي المعادلة القائمة الآن بين الحليفين الصهيوني والأمريكي.
أما إيران فإنها أدركت أن هناك إمكانية لمد جسر التواصل مع الإدارة الأمريكية الجديدة قد يحقق لها أهدافها ولو جزئيا، لذا ليس من المستبعد أن تدخل معها في حوار إن لم تكن قد دخلت فعلا ، ومن بين محاور المفاوضات مع أمريكيا بالإضافة إلى مشروع التخصيب سيكون لجم منظمة حماس، وليس من المستبعد أن تشجعها على قبول التهدئة وبذلك تعبر عن حسن نواياها واستعدادها للتعاون مع أمريكا كما تعاونت من قبل. فأمريكيا لحد الآن بين خيارين :إما المواجهة مع إيران استجابة للرغبة الصهيونية أو التخلي عن القضية الفلسطينية التي التزم بمعالجتها.
ب الدور التركي
منذ الانقلاب العلماني الذي قاده كمال أتاتورك ضد الخلافة الإسلامية في بداية القرن العشرين تدحرجت تركيا من صف الأعداء إلى صف الحلفاء للغرب وللولايات المتحدة وصارت تلعب دور الحصن المنيع الذي يحمي ظهر المعسكر الرأسمالي من المد الشيوعي، ومقابل هذا الدور تدفقت عليها الأموال من مختلف المؤسسات الرأسمالية والتحقت بالحلف الأطلسي ورمت الحركة الصهيونية بشباكها نحو المجتمع التركي ونجحت في إقامة علاقات اقتصادية وأمنية وعسكرية مع مختلف الحكومات التركية، وكثيرا ما كانت هذه العلاقات تتوطد على حساب العلاقات العربية وخاصة القضية الفلسطينية، لكن ما أن سجل الإسلاميون حضورهم على الساحة السياسية في تركيا حتى بدأ يبرز نوع من التوازن في العلاقات بين تركيا والكيان الصهيوني من ناحية وتركيا والدول العربية من ناحية أخرى هذا التوجه الجديد بقدر ما وجد صدى لدى الشعب التركي ولدى المسلمين عامة، فإنه أثار تخوفات أوروبا التي لاح لها شبح الخلافة العثمانية، لذا رفضت الموافقة على انضمامها للاتحاد الأوروبي. أما الصهيونية فقد اعتبرتها تهديدا لمصالحها. وقد نجحت حكومة أردوغان في تجسيد هذا التوازن عندما تحولت إلى جسر للتواصل بين الكيان الصهيوني والنظام السوري لكن تخوفات الصهيونية تضاعفت عندما دعت المجتمع الدولى إلى الاستماع لمنظمة حماس باعتبارها لاعبا أساسيا في الساعة الفلسطينية بل إنها اقترحت أن تكون قناة اتصال بين حماس وكل الأطراف المعنية بالقضية الفلسطينية.ولم يغفل أردوغان عن التذكير بأنه سليل الدولة العثمانية التي كانت مسؤولة عن فلسطين قبل أن تنتزعها بريطانيا في الحرب العالمية الأولى.
هذا الحضور القوي والمفاجئ للدور التركي أعطى زخما سياسيا جديدا للقضية الفلسطينية كما أثلج صدور أغلبية الدول الإسلامية وخاصة ذات المذهب السني ورأت فيه نوعا من التوازن السياسي مع إيران الشيعية، وهو ما لم تستطع أن تقوم به دول الاعتدال التقليدية مثل السعودية ومصر.
هذا الدور الشجاع للحكومة التركية أفادها داخليا فتنامت شعبية حزب العدالة وأفادها خارجيا حيث تأكدت فعالية الزعامات التركية على الساحة الإسلامية بما في ذلك الساحة الفلسطينية، ومن الأكيد أن سيجد تشجيعا من الإدارة الأمريكية التي تبحث عمن يساعدها على تفكيك العقد في المنطقة . وهذا الثقل السياسي غير المنتظر سيساعد تركيا في مفاوضاتها مع الغرب حول : انضمامها للاتحاد الأوروبي، وملاحقة حزب العمال الكردي وتوحيد جزيرة قبرص.
وإذا كانت حماس قد دعمت شعبية القيادة السياسية في كل من إيران وتركيا فإلى أي مدى سيتواصل دعم هذين النظامين للقضية الفلسطينية عندما يدخلان في سوق المساومة حول قضاياهما الخاصة مع القوى العظمى التي سيكون أول شرط من شروطها رفع يدها عن هذه القضية وتركها عند محور الاعتدال العربي ؟
رابعا تداعيات العدوان على المستوى الدولي
1 جريمة غزة وحقوق الإنسان والمحكمة الجنائية
بلا شك أن هذه الحرب أتاحت للعرب وللفلسطينيين بالتحديد فرصة استماع العالم إليهم. فهل أحسنوا استغلالها للدفاع عن قضاياهم وتلميع صورتهم التي لطختها الحركة الصهيونية والإمبريالية العالمية؟
عملت العديد من منظمات حقوق الإنسان العربية والعالمية على إعداد الملفات الضرورية حول المجزرة التي ارتكبها الجيش الصهيوني في غزة حتى يتيسر إحالة القيادات الصهيونية السياسية والعسكرية على المحكمة الجنائية الدولية. ومما يدعم ملف الإحالة أن ريتشارد فولك مقرر الأمم المتحدة المكلف بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان بغزة قدم تقريرا إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يؤكد فيه أن ما حدث هو جريمة في حق الإنسانية ومما جاء فيه أن الهجوم العسكري الإسرائيلي على المناطق المزدحمة بالسكان في قطاع غزة البالغ عددهم مليون يشكل على الأرجح جريمة حرب خطيرة وأضاف إن اتفاقيات جنيف تتطلب من القوات المتحاربة أن تميز بين الأهداف العسكرية وبين المدنيين المحيطين بها وإذا تعذر عمل ذلك فان شن الهجمات يكون غير قانوني أصلا، ويشكل فيما يبدو جريمة حرب على أكبر قدر من الجسامة بموجب القانون الدولي ووصف فولك الهجمات الإسرائيلية بأنها «هجوم هائل على مكان حضري مأهول بالسكان تعرض خلاله السكان المدنيون بأسرهم لشكل غير إنساني من الحرب التي تقتل وتشوه وتتسبب في أضرار ذهنية.
نتيجة لهذا التقرير الصادر عن ممثل الأمم المتحدة و لجهود المنظمات العربية والعالمية لحقوق الإنسان ليس من المستبعد أن يقع إحالة ملف الحرب على غزة إلى محكمة الجنايات الدولة، لسببين:
أ جسامة العدوان
وهذا ما تؤكده التقارير الدولية الرسمية وتقارير وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة فكلها تبرز كثرة الضحايا وتعدد الانتهاكات للقوانين الدولية ودوس أبسط حقوق الإنسان في الحياة. وقد بلغت الحد الذي ليس بإمكان القوى الداعمة للكيان الصهيوني أن تخفيه أو أن تبرره.
ب أن المحكمة سبق لها أن أحالت رئيس الجمهورية السودانية عمر البشير بارتكاب جرائم في إقليم دارفور يعرف كل العالم أنها لا ترتقي إلى الجرائم التي ارتكبها الكيان الصهيوني في غزة لا من حيث الكم ولا من حيث الكيف، وقد توقع الكيان الصهيوني هذه الإحالة وبدأ يستعد لها وكلف لجنة بمتابعة هذا الملف.
غير أنه من المتوقع أن هذه الإحالة ستعترضها العديد من العراقيل، وفي مقدمتها الجهة التي ستحيل، من الذي سيتحمل هذه المسؤولية؟ ففي قضية السودان تولى مجلس الأمن هذه الإحالة لأنه يريد أن يمزق السودان وإذا ذُللت هذه العقبة وتحملت السلطة الفلسطينية هذه المسؤولية فستحاول القوى الموالية لإسرائيل أن تقحم قيادة حماس في المسؤولية وتطالب بإحالتها باعتبارها مسؤولة عن تهديد أمن المستوطنات وهي البادئة بالعدوان وبذلك تصبح المسؤولية مشتركة بين الكيان الصهيوني وحماس وقد بدأ التسويق لذا التمشي من خلال انحصار التهمة الموجهة للكيان الصهيوني في استعمال العنف المفرط ، فالقضية ليست إشعال محرقة وقودها غزة بما فيها ومن فيها، بل هو رد فعل شرعي، لكنه مبالغ فيه وربما تكون مسؤولية حماس أقوى، ومن المؤلم أن بعض السياسيين العرب رددوا هذه المقولات عن جهل أو عن قناعة.
وإذا أصدرت المحكمة حكما أو حتى قرارا بالإحالة فمن سينفذ؟ كل المتابعين يعرفون ما حصل مع الأحكام الصادرة عن المحاكم البلجيكية ضد شارون ومسؤوليته عن مجزرة صبرا وشتيلا وما وقع أخيرا مع سيفي لفني وزيرة الخارجية لما أُشعرت بإمكانية إيقافها، فأتى التكذيب تلو التكذيب ليطمئنها، فسافرت إلى أوروبا سالمة ورجعت منها غانمة. وبالتالي فالمرجح ألا تأخذ هذه القضية الحجم الذي أخذته محاكمات القيادات الإفريقية أو قيادات يوغسلافيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.