تتواتر التهديدات من جانب الحلفاء التقليديين لاسرائيل بمقاطعة المؤتمر الاممي "دوربان الثاني" لمناهضة العنصرية والتمييز العنصري المنتظر عقده خلال ايام بجنيف بما يعيد الى الأذهان ما حدث في "دوربان الاول" في جنوب افريقيا سنة 2001 حيث قررت تل ابيب ومن ورائها واشنطن الانسحاب بدل مواجهة حملة الادانة الدولية الواسعة للممارسات العنصرية للاحتلال الاسرائيلي وجرائمه المتكررة وانتهاكاته لابسط قواعد حقوق الانسان واتفاقيات جنيف الرابعة.. واذا كانت امريكا اختارت هذه المرة استباق الاحداث نزولا عند رغبة اسرائيل وخضوعا لابتزازاتها التي لا تنتهي واعلنت ان حضورها سيقتصر على دور المراقب فان كندا ومعها استراليا وفرنسا وغيرها من الدول الاوروبية من دعاة حماية حقوق الانسان عمدت بدورها الى تسويق نفس الاعذار التي قدمت لها واشنطن وتل ابيب لمقاطعة المؤتمر بدعوى التعرض لاسرائيل ومعاداة السامية.. والحقيقة ان هذه التبريرات التي تتستر خلفها مختلف هذه الاطراف ليست اكثر من شماعة من شانها ان تجنب اسرائيل المواجهة او تحملها ادنى مسؤولية جراء سياسات الاحتلال العنصرية ازاء الفلسطينيين بما فيهم اكثر من مليون ونصف من عرب اسرائيل ممن يعدون من مواطني الدرجة الثانية في الكيان العبري.. بل ان هذه التهديدات لا تختلف باي حال من الاحوال عن تهديدات وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون بالتراجع عما كانت رصدته ادارتها لاعادة اعمار غزة في مؤتمر شرم الشيخ اذا لم تعترف حركة "حماس" باسرائيل وهي تهديدات من شانها ان تزيل الكثير من الغموض بشان نوايا الادارة الامريكيةالجديدة خاصة بعد تاكيداتها بعدم التراجع عن التزاماتها بشان مساعداتها العسكرية المقررة لاسرائيل والمقدرة بثلاثين مليار دولار على مدى السنوات العشر القادمة رغم الازمة الخانقة التي تعصف بالاقتصاد الامريكي.. وبعيدا عن السقوط في فخ المفاضلة بين الفصائل الفلسطينية التي يتعين الانتباه لها والتي يبقى للشعب الفلسطيني وحده الحكم النهائي والكلمة الفصل فيها، وبعيدا ايضا عن المقارنة غير المنطقية بين "حماس" باعتبارها حركة تحررية مرفوضة من قبل كحركة الاحتلال وبين اسرائيل الدولة العضو في الاممالمتحدة والقوة العسكرية الاولى في الشرق الاوسط، فانه اذا كانت مطالبة مؤتمر دوربان بعدم ادانة سياسات اسرائيل شرطا تعجيزيا هدفه انجاح الحملة الدعائية لتلميع صورة اسرائيل بعد العدوان على غزة وتجنيبها المساءلة والمحاسبة فان في مطالبة "حماس" الاعتراف باسرائيل قبل الحوار معها عملية لا تخلو من الابتزاز. لقد كانت اسرائيل وحلفاؤها يعتقدون ان إلغاء قرار الاممالمتحدة لسنة 1979 الذي اعتبر سابقة عندما ساوى بين العنصرية والصهيونية في اعقاب الاجواء التفاؤلية التي فرضها مؤتمر اوسلو، سيكون كفيلا بمنح اسرائيل صك البراءة ازاء مختلف انواع الممارسات العنصرية التي تقترفها.. الا ان الاكيد رغم كل النفوذ الذي يمكن للدول الصديقة والحليفة لاسرائيل ان تتمتع به في مختلف مؤسسات صنع القرارالدولي ان مؤتمر دوربان الذي اريد له ان يكون منبرا للدفاع عن حقوق الانسان واعتبرتها كلا لا يتجزأ يجب ان يظل فوق كل انواع المقايضات والضغوطات والا يقبل التنازل عن الاهداف الانسانية والاخلاقية والقانونية التي التزم بها في هذه المرحلة التي تسبق الاختبار المرتقب..