اذكر جيدا أن مريضا ذهب إلى أحد المستشفيات منذ بضع سنوات بعد أن احس بالآم كبيرة.. واثر الفحص الاولي أعطي موعدا بعد عدة أشهر لكنه لم يعد أبدا.. ليس لأنه شفي تماما ولم يعد في حاجة إلى العلاج وإنما بكل بساطة لأنه مات قبل حلول الموعد..!! بهذه الحادثة الواقعية التي تناولتها الصحف في وقتها اردت أن أمهد لموضوع تحقيق هذا العدد الذي يتلخص في أمرين هامين وهو لماذا تعطى للمرضى مواعيد طويلة رغم أن بعض الحالات لا تحتمل الانتظار؟ ولماذا يخرج الأطباء في اجازاتهم بالجملة في فصل الصيف بالذات بحيث لا يبقى في المستشفيات غير النزر القليل منهم؟ حالة عاجلة تنتظر نبدأ، كالعادة بذكر بعض العينات التي رواها لنا أصحابها بكل صدق وأمانة. العينة الأولى روتها لنا امرأة شابة اذ قالت: «أصيب الاصبع الأكبر لرجلي اليسرى وانتفخ بشكل ملحوظ جدا بحيث لم أعد قادرة على انتعال أي شيء اضافة إلى الآلام الكبيرة التي سببها لي اذ كان ممتلئا «بالقيح».. ذهبت إلى المستشفى القريب وكان في اعتقادي أن تتم معالجته فورا لانه يعتبر حالة استعجالية لا يمكن أن تنتظر.. نظر الطبيب إلى أصبعي واكتفى بأن سألني هل يؤلمني ام لا؟.. ثم اعطاني موعدا بعد 17 يوما عانيت خلالها ما عانيت.. وعندما عدت إلى المستشفى حسب الموعد قيل لي أن اطباء الجلدة لا يعملون يومي 17 و18 جويلية الجاري!!» عد الينا في سبتمبر العينة الثانية رواها لنا السيد «بشير،.ب.م.» حيث قال: «سنة 2006 وتحديدا في شهر جوان احسست بأوجاع كبيرة في المعدة.. ذهبت في البداية إلى قسم الاستعجالي فاعطوني مسكنات وطلبوا مني العودة في اليوم الموالي إلى العيادة الخارجية الخاصة بأمراض المعدة لاجراء كشف بالمنظار عدت في الموعد المحدد وبكل صدق وجدت كل السرعة والعناية وقد بين التشخيص اني مصاب بقرح في المعدة.. هذا جميل وطيب وقد كنت أظن أن العلاج سيكون فورا، لكن عندما ذهبت إلى الممرضة المكلفة بالمواعيد قالت لي: عد الينا في سبتمبر بحول الله.. سألت وحاولت أن أفهم هذه «المسافة الطويلة» فقالت لي الممرضة ملخصة الوضع في كلمة واحدة complet"".. ولم اعد اليهم لا في سبتمبر ولا في اكتوبر ولا في ديسمبر لاني ببساطة تدبرت امري وذهبت إلى طبيب خاص عالجني بسرعة ووصف لي الأدوية اللازمة فشفيت قبل أن يأتي سبتمبرهم»!! «الطبيبة لا تعرف»! في شهر جوان الماضي ذهب أحد الأصدقاء إلى المستشفى يشكو من انسداد في أذنيه جعل سمعه ثقيلا جدا وفي بعض الأحيان منعدما، هذا الصديق روى لنا قصته فقال: «ذهبت في المرة الأولى فكشف الطبيب عليّ واعطاني دواء وطلب مني أن اعود بعد اسبوع ليقوم بتنظيف الاذنين معا.. عدت حسب الموعد فلم اجد الطبيب ففحصتني طبيبة ثم قامت بتنظيف اذن واحدة وقالت لي:«ساعطيك دواء آخر على أن تعود بعد اسبوعين لتنظيف الاذن الأخرى». قلت لها: «لقد كان في الحسبان أن يقوم زميلك بتنظيف الأذنين معا فلماذا هذا التعب الزائد؟!» انفعلت وقالت: «لا أظن انك تعرف مهنتي اكثر مني.. اذهب الان وخذ موعدا مثلما قلت لك».. ذهبت إلى «الفرملية» وقلت لها أن الطبيبة طلبت مني أن اعود بعد أسبوعين فتناولت دفترا وتفحصته حوالي خمس دقائق ثم كتبت على ورقة المواعيد الخاصة بي يوم 19 جويلية ..2007 سألتها لماذا هذا التمطيط الزائد فقالت: «الطبيبة ما تعرفش.. قبل نهار 19 مستحيل واحمد ربي اللي ما شيعتكش لشهر اوت والا سبتمبر» خرجت طبعا احمد الله على اني أهون من غيري وماذا يقول الميت لغاسله»؟! شفيت قبل الموعد قضية هذا الصديق تعتبر بسيطة امام قصص اخرى روى لنا احداها السيد «كمال .ب.م» فقال: «منذ حوالي عامين اصيبت زوجتي بما يعرف عند العموم باسم عرق الاسى، لم تعد المسكينة قادرة على النوم اذ تجدها في اية لحظة في ركن من أركان احدى الغرف جالسة مثل «اللكموتة» تحاول أن تخفي أوجاعها كي لا تزعجنا، وبما أني انسان لا أؤمن الا بالطب والعلم فقد حملتها إلى المستشفى فاجريت عليها الفحوص اللازمة وأقامت حوالي شهرين هناك وكنت في الأثناء اشتري لها نوعا من الدواء لا يقل ثمنه عن 120 دينارا كل اسبوع، وفي لغة الأطباء لا يسمي مرضها عرق الاسى بل له اسم طبي آخر ويصف الأطباء حالتها بانسداد عرق أو اكثر ولا توجد طريقة للعلاج، حسب البعض، الا باجراء عملية جراحية في مكان حساس جدا بالظهر حيث تتجمع عروق صغيرة جدا (بعضها مثل شعرة الرأس)، وقال لي احدهم أن العملية دقيقة جدا واذا لم تنجح فان امكانية أن تعيش زوجتي بقية عمرها مقعدة واردة جدا، بعد ذلك طلبوا مني اخراجها، وكان ذلك في شهر ماي، واعطوها موعدا جديدا في شهر سبتمبر الموالي لاجراء العملية لم تكن حالتها تسمح بذلك خاصة أن آلامها شديدة وأن الموعد بعيد جدا، لذلك حملتها إلى مؤسسة استشفائية خاصة ولحسن حظها انها لم تجر العملية بل اكتفت بالادوية وكان الله في عونها فشفيت من مرضها اللعين قبل حلول موعد سبتمبر. بين الاستعجالي والعادي تحدثنا في الموضوع مع مسؤول في احد المستشفيات فقال: «خلافا لما يعتقد الناس فليست كل الحالات استعجالية، فنحن نفرق بين الحالة التي تتطلب تدخلا طبيا فوريا وبين حالة تحتمل الانتظار إلى وقت لاحق دون خوف من اخطارها على المريض وهذا يحدده الطبيب طبعا، ولهذا السبب يتم تفضيل الحالات التي تكون اكيدة أكثر من غيرها. اما الحالات الأخرى فهي عادية رغم أن المواطن يرى انها عكس ذلك، هذا لا ينفي طبعا وقوع بعض الاجتهادات الخاطئة من قبل بعض المسؤولين عن اعطاء المواعيد مما أدى إلى وقوع مشاكل لبعض المرضى القلائل» «كونجيات» بالجملة: لماذا؟ بقطع النظر عن الحالات العادية التي يرى فيها المواطن أن المواعيد البعيدة لا شيء يبررها الا قلة التنظيم فان ما يلاحظ أن اغلب المستشفيات تشهد خلال شهري جويلية واوت «هجرة» جماعية للأطباء أو لنقل اغلبهم بالتحديد، فكل الأقسام تشهد غياب عدد هام من الأطباء نحن لسنا ضد الحرية الشخصية للطبيب. فهو بشر مثلنا يعمل ويتعب ومن حقه أن يتمتع براحته السنوية مثل سائر الناس، لكن ما لا نفهمه هو أن يخرج الجميع في اجازاتهم في وقت واحد، ففي أغلب المؤسسات عمومية كانت أم خاصة، تقتضي مصلحة العمل ومصالح الناس أن يتمتع العاملون بها باجازاتهم السنوية في أوقات مختلفة فلماذا تشذ المستشفيات عن هذه القاعدة؟ واذا كان بالامكان تعويض موظف بموظف آخر يقوم بعمله اثناء راحته السنوية فهل سنأتي بعمال وعاملات التنظيف مثلا لتعويض الأطباء والطبيبات ألم يكن من الأفضل تقسيم الاجازات بحيث لايشتكي الطبيب ولا «يجوع» المريض!؟ أن الحلول موجودة بكل تأكيد لكن لابد من الاجتهاد ومن القرار الشجاع الذي يراعي مصالح الاف المرضى حتى لو كان ذلك على حساب مصالح مئات الأطباء