يصدر البريد التونسي اليوم 24 فيفري طابعا بريديا بمناسبة احياء بلادنا هذه السنة للذكرى المئوية لميلاد شاعر تونس الكبير أبو القاسم الشابي، تخليدا لتراثه الشعري والأدبي والفكري المتميز، ووفاء لرموز تونس واعترافا بالجميل لكل من اسهم في بناء نهضة بلادنا وفي ارساء حداثتها واشاعة القيم الوطنية النبيلة في ربوعها.
«الخيال» بين الشابي والخضر حسين إذا كان «الخيال الذي يتحدث عنه محمد الخضر حسين قرين هذه «المخيلة» التي قد ينتهي جموحها - في التراث الفلسفي الذي يعتمد عليه - إلي الجنون والهلوسة - فإنّ «الخيال» الذي يتحدث عنه الشابي قرين هذه الطاقة الخلاّبة التي تحدث عنها الشعراء الرومنسيون، والتي رأوا فيها السبيل الوحيد إلى اكتشاف الحقائق الروحية للإنسان والحقيقة المطلقة للعالم، ولذلك يتباعد «خيال» الشابي كل البعد عن السياق الذي يدور فيه «خيال» محمد الخضر حسين وحافظ ابراهيم وأقرانهما «خيال» الأول بصفة «الشعري» وتقترن الصفة نفسها بسياق آخر، هو نقيض للسياق الإحيائي ونفي له على السواء». د.جابر عصفور
اليوم في توزر تنطلق الاحتفالات أبو القاسم الشابي: عندما أراد الشعر الحياة... اليوم ... في توزر تورق الأشجار... وتصدح الأطيار بأحلى الأنغام... وتنساب المياه بين الجداول أكثر صفاء... ورقة... لتعلن في رومنسية حالمة عن ذكرى ميلاد رائد الصباحات الجميلة ... والحلم الإنساني الكبير في الطموح وصنع الحياة. أبو القاسم الشابي الشاعر الذي لازالت كلماته، تنبض في الذاكرة ولن تنطفئ. ** هذا الصباح في توزر... يعزف الناي وديانا وشواطئ... وقرى وأريافا، روابي وفيافي... أنغاما تشدو للحياة بالكلمة المعطّرة برحيق الحبّ والصفاء والبهاء... أنغاما تتعانق فيها قسوة الحاضر وقدرته مع أشواق المستقبل وإشراقه. ** هذا الصباح في توزر... تشرق الشمس أكثر دفئا... وانتصارا لمعاني الجمال في الوجود... وهذا الصباح.. تعود الذاكرة إلى قرن من الزمن بأيامه ولياليه للوقوف عند ميلاد شاعر أراد أن يكتب الإنسان في أجل معانيه... بصدق وصفاء روحي وزخم إبداعي... ** هذا الصباح ترتدي توزر حلّة الشعر الذي أراد الحياة... وتمتطي صهوة الكلمة التي تبني وتؤسس للفعل الجاد... وهذا الصباح تعلن انتصار الطموح في الإنسان. هذا الصباح... في توزر... سيعلن رسميا عن انطلاق التظاهرات احتفاء بمرور قرن على ميلاد شاعر الحياة والإنسان... شاعر كل الفصول العربية وكل العصور العربية... ** في هذا الملف،،، سعينا إلى أن يكون له طابعه الخصوصي حيث كان العمل من أجل البحث وتقديم بعض التفاصيل التي نزعم أنها لم تأخذ حظها من التعريف لدى القرّاء... وسعينا الى تشريك نخبة من الأسماء في الحقل الأدبي التونسي في محاولة لاستقراء شعر الشابي... حاضرا... ** يقول الشاعر الكبير أحمد اللغماني. لنا موعد - يا أبا قاسم - ها هنا وهناك لدى جدول يترقرق عبر بساط من العشب أخضر وفي ظل باسقة فرعها يتأوّد إذا عبرت نسمة في صفوف النخيل وتخطر. توزر... جوهرة الصحراء توزر... التي شهدت تربتها يوم الأربعاء 24 فيفري 1909 ميلاد الشاعر الخالد أبو القاسم الشابي... هي أيضا (Tusurus) أو توزروس كما سماها الرومان مدينة الأحلام، جوهرة الصحراء، باب الجنة، تقع في الجنوب الغربي من تونس، على الحدود الجزائرية والحد الشمالي الشرقي للصحراء يحدها شرقا شط الجريد.إنها إحدى الواحات الأكثر شهرةً في العالم وأجملها لا سيما أنها ترتوي من مائتي نبع ماء وغابة نخيل رائعة تعد أكثر من مليون نخلة فوق مساحة تزيد على الألف هكتار. وأهم ما يميز واحة "توزر" أن ماءها يتدفق من منطقة راس العين عند سفح ربوة تشكل ينابيعها واديا حقيقيا مازالت عليه آثار سدود قديمة قسمها العلامة ابن الشباط تقسيما وُصِفَ بأنه معجزة هندسية، كما استطاعت أن تحافظ على تقاليدها وأصالتها ولغتها العربية القريبة من الفصحى. كما تضم أطراف مدينة توزر أطرف حديقة حيوان في العالم، حيث جمعت في مكان واحد كل نماذج الحيوانات الصحراوية من الغزال الجميل إلى العقرب الخطير. ونجد بها أيضا متحف دار شريط ويعتبر من أروع المتاحف المجسدة لأكثر من 3000 سنة من الحضارة. زين العابدين السنوسي يتحدث عن الشابي الروائي أشار الأديب زين العابدين السنوسي في كتابه «الأدب التونسي في القرن الرابع الهجري» عند حديثه عن مسيرة الشابي إلى العثور على رواية عنوانها «المقبرة» لصاحب «إرادة الحياة» قائلا: «... والشابي كثير المطالعة، حاد الذهن وله باع طويل في النثر الشعري، قرأنا له فيه رواية حسنة بديعة، ناهيك أنها من نوع «الاعترافات» يقصّ فيها على لسان بطلها حوادثه وتأثراته النفسية، وهو نوع عزيز حتى عند الأمم المختمرة في نفسها الروح الروائية، لما يستوجبه من تقمّص أشخاص الرواية في قلم الكاتب، الذي يضطر إلى وصف انفعالاتهم واضطرابهم النفسي الشاذ، خصوصا وعلم النفس لم يصبح بعد عالما معلوما مضبوطا». الشابي ومجلة «أبولو» الشعرية مدرسة أبولو الشعرية هي إحدى المدارس الأدبية الهامة في الأدب العربي الحديث.مؤسسها هو الشاعر الكبير أحمد زكي أبو شادي الذي ولد في عام 1892 التي ضمت شعراء الوجدان في مصر والعالم العربي، ومن روادها إبراهيم ناجي، وعلي محمود طه، وعلي العناني، وكامل كيلاني، ومحمود عماد، وجميلة العلايلي. وتسمية جماعة أبولو بهذا الاسم يوحي من زاويه خفيفه باتساع مجالات ثقافتهم وابداعهم كما اتسمت بوظائف (الاله الاغريقيه أبولو ) التي تتصل بالتنمية الحضارية ومحبة الفلسفه وإقرار المبادئ الدينيه والخلقية. وقد وجد هؤلاء الرومنسيون على اختلاف ابداعاتهم في صورة الحب الحزين والمحروم الذي ينتهي اما بفراق واما بموت معادلا موضوعيا ليأسهم في الحياة وعجزهم الاقتصادي وعجزهم عن التصدي للواقع. وكانت صورة الانسان في أدبهم فرد سلبي حزين نجد واضحا في أشعار إبراهيم ناجي وعلي محمود طه وروايات محمد عبد الحليم عبد الله ومحمد فريد أبو حديد ويوسف السباعي وازدهار المسرح والرواية في هذه المرحلة يدل دلالة واضحة وأكيدة على الرغبة الواعية في الهروب من الواقع. وأهم ما تعاونت فيه مجال النشر وهو يكاد ينحصر في مجلة (أبولو) فقد أفسحت صدرها لكل شاعر أياً كان حظه من القدرة والشهرة ولهذا اسهم فيها كثير من الشبان فذاع صيتهم فكان صالح جودت، ومحمود حسن اسماعيل والهمشري والسيدة جميلة العلايلي في مصر وأبو القاسم الشابي في تونس والزمخشري في الحجاز.. وهناك غيرهم اسهموا بنشر قصائدهم في المجلة لم يكونوا من هذه لجماعة في قريب أو بعيد غير انهم شعراء.. زغوان قبلة المشاهير زغوان بماحباها الله من فتنة وسحر وجمال... كانت على امتداد التاريخ قبلة أبرز الشخصيات التاريخية والثقافية كالمؤرخ العربي البكري والجغرافي الكبير الإدريسي والشاعر الفذ حازم القرطاجني والرحالة المغربي الوزّاني والقس الإسباني والرحالة خيمنار كما تغنّى بها الشاعران الفرنسيان أندري جيد وفلوبار والكاتب السويسري دونان مؤسس المنظمة غير الحكومية للصليب الأحمر الدولي. زغوان مدينة الخضرة اليانعة والمياه الطبيعية العذبة استقر بها أيضا شاعر تونس الخالد أبو القاسم الشابي صحبة والده بدار القاضي بنهج الشواشية وكان ذلك في ثلاثينات القرن الماضي. الشابي في عيون الغرب آنا ماريا سكونيا ( باحثة ايطالية): «... لقد اهتممنا بالشابي أديبا وناقدا لنسطّر أنّ له نصيبا معتبرا في تنشيط الحركة الأدبية التونسية وقتئذ بقطع النظر عن نشاطه الشعري، فإنه ليس شاعرا منعزلا عن المجتمع بل شارك مشاركة نشيطة في ما حدث من التجدّد والتغيير فيه. و م.ج.ل يونغ ( باحث ألماني): «إنّه من بين أهم عناصر شعر الشابي نظرته الأخلاقية إلى العالم التي تعكس دوما الصرّاع الأساسي في العالم بين الخير والشرّ وهو ما يسميه ويليام ديكسون الفيلسوف الأنقليزي في كتابه (الموقف الإنساني) بالتناقضات العظيمة ويقصد بتلك التناقضات الخلاف العميق الذي يبدو أنه يتخلل جوهر الكون ككلّ». 3 سنوات وحيدا في «المشروحة» مضى الشابي حياته يجوب صيفا وشتاء مناطق تونس الجبلية ذات المصائف الفاتنة... وكان أن حلّ بمدينة المشروحة (قرية تقع في ولاية قسنطينة في الجزائر»... وعاش هناك وحيدا بين أحضان طبيعتها الغناء بأشجارها ومياه أنهارها الرقراقة يتحاور ويتناجى مع الأطيار يتسامر مع النجوم ويحنو على الازهار والورود، ويتغنّى بحفيف الأشجار... ثلاث سنوات ألهمت الشابي أجمل قصائده في حواره ومناجاته للطبيعة وجمال الوجود وسحره.