أجواء فنزويلا خالية من حركة الطيران وسط مخاوف من التصعيد العسكري    ترامب يتهم الديمقراطيين بالخيانة    الشرطة البرازيلية تعتقل بولسونارو    البرلمان: عرض ومناقشة مقترح ميزانية هيئة الانتخابات في جلسة عامة    بوعسكر: هيئة الانتخابات جاهزة لتنظيم البلديات خلال 3 أشهر.. وإجراء الاستحقاق لا يجب أن يتجاوز 2026    ميزانية 2026 : وزير الشؤون الاجتماعية يستعرض أبرز التدخلات الاجتماعية ومشاريع الوزارة    استشهاد 24 فلسطينيا في ضربات إسرائيلية متواصلة على قطاع غزة    عقب خلافها مع ترامب.. مارغوري غرين تعتزم الترشح للرئاسة الأمريكية    ارتباك حركة الطيران في مطار أيندهوفن بعد رصد طائرات مسيّرة    نواب مجلس الجهات والاقاليم ينتقدون تعطل صناديق الحماية الاجتماعية    مجلس وزاري ينظر في مراجعة منظومة الصفقات العمومية..    عاجل/ تحذير من مخدر أعصاب يستغل في اغتصاب الفتيات..    القبض على المتّهم وتحقيق لكشف الأسباب .. يحرق سيّارات ويحاول احراق بيت بساكنيه!    فندق الجديد .. وفاة أب إثر سقوطه من درج منزله ونجاة طفله    ذبحه وقطع عضوه الذكري.. خليجي يرتكب جريمة مروعة في مصر    افتتاح الدورة 26 لأيام قرطاج المسرحية    فنون القص وعجائبية الاحداث في رواية "مواسم الريح" للأمين السعيدي    أولا وأخيرا .. خيمة لتقبل التهنئة و العزاء معا    رغم توفّر بقية المواد الأساسية...لماذا تختفي «الزبدة» من أسواقنا؟    تالة هي أبرد منطقة في تونس اليوم...علاش؟    بطولة افريقيا للرماية بالقوس والسهم: ميداليتان برونزيتان لتونس    قبلي - استعدادات مكثفة لتنظيم العاب المنظمة الوطنية للثقافة والرياضة والعمل    كاس رابطة ابطال افريقيا: الترجي يكتفي بالتعادل مع الملعب المالي    رابطة الأبطال الافريقية ..الجيش الملكي المغربي ينهزم أمام مضيفه يانغ أفريكانز التنزاني (1-0)    عاجل/ حماس تفتح النار على اسرائيل وتتهم..    نحو ابرام اتفاقية شراكة في القطاع الفلاحي مع الباكستان    خبير يُحذّر من تخفيض أسعار زيت الزيتون في تونس    بطولة الرابطة الاولى (الجولة15-الدفعة1): النتائج والترتيب    ليفربول ضد نوتنغهام فورست اليوم..وقتاش والقنوات اللي باش تبثّ اللقاء    العاب التضامن الاسلامي: تونس تنهي مشاركتها في المركز 15    شكوني خنساء مجاهد اللي قتلوها بالزاوية في ليبيا بالرصاص؟    أبرد بلاصة في تونس اليوم السبت... الرصد الجوي يكشف    في بالك في كوجينتك عندك : سر طبيعي يرفع المزاج ويقوّي الصحة    جندوبة: تساقط الثلوج في عين دراهم (صور)    عاجل/ اطلاق سراح هذا النائب السابق بالبرلمان..    عاجل : صراع علني لشيرين عبد الوهاب يكشف لأول مرة    لأول مرة في تونس: إجراء 3 عمليات دقيقة بالليزر الثوليوم..    الوكالة الوطنية للدواء ومواد الصحة تنظم سلسلة من الجلسات التوعوية عبر الانترنات لدعم جهود مكافحة المضادات الحيوية    مهرجان القاهرة السينمائي : عفاف بن محمود تفوز بجائزة أفضل ممثلة في مسابقة &1649;فاق السينما عن دورها في "الجولة 13"    الدورة الثالثة للصالون الدولي للانتقال الطاقي تحت شعار "الانتقال الطاقي ... نحو تنمية مستدامة" من 26 الى 28 نوفمبر الجاري    افتتاح معرض والإعلان عن نتائج مشروع ضمن مبادرة جديدة لإحياء المدينة العتيقة بسوسة عبر دعم الحرف التقليدية وتطوير الاقتصاد المحلي    مرصد سلامة المرور يدعو مستعملي الطريق إلى التقيّد بجملة من الاجراءات في ظل التقلبات الجوية    اليوم السبت فاتح الشهر الهجري الجديد    العاصمة: الاحتفاظ بصاحب دراجة"'تاكسي" بعد طعنه عون أمن داخل مركز    الشتاء يطرق الأبواب: كميات أمطار قياسية وثلوج بالمرتفعات...شوف قداش    عاجل: الترجي اليوم ضد الملعب المالي: التشكيلة المتوقعة وهذه هي الغيابات    عاجل: إيقاف الدروس بعين دراهم بسبب الثلوج    وزير الاقتصاد: الوضع الاقتصادي في تونس يعدّ جيّداً والحديث عن "أعمق أزمة" غير صحيح    أيام قرطاج المسرحية: افتتاح بطعم العمالقة    وزيرة الصناعة: صادرات تونس من منتجات النسيج ستتجاوز 7.5 مليون دينار    اتفاقية تمويل بقيمة 1333 مليون دينار لفائدة الستاغ..#خبر_عاجل    عاجل/ تراجع الثروة السمكية بنسبة 60% في هذه الولاية..    عاجل/ نشرة متابعة للوضع الجوي..أمطار بهذه المناطق..    رغم فوائده الصحية.. 6 مخاطر محتملة للشاي الأخضر..    وزيرة الشؤون الثقافية تكشف ملامح الإصلاح الشامل للقطاع    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    خطبة الجمعة: الإحسان إلى ذوي القربى    السبت مفتتح شهر جمادي الثانية 1447 هجري..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آرابيسك الأدب العربي في واشنطن
قهوة الخميس
نشر في الصباح يوم 12 - 03 - 2009

رغم أن رحلة الوصول من تونس إلى واشنطن مضنية جدا إضافة إلى فارق التوقيت (ست ساعات) الذي يُهلك الجسد، فإن كل ذلك سرعان ما يصبح أمرا ثانويا لا قيمة له مقارنة بثراء التجربة ذاتها ودلالة الحدث وتوقيته وآفاقه المشرعة.
ومن حسن الحظ فقد استقبلتنا ولاية واشنطن الأمريكية بالجو المنعش والدفء الربيعي المحبب إلى النفس والجسد، فزادت قناعتنا شعراء وروائيين بأن شروط المصالحة مع هذا البلد ربما تكون في طور التحقق.فكل واحد منا كان يحمل أسئلة وقلقا بل وحتى حواجز نفسية:كيف سيكون اللقاء مع الجمهور الأمريكي وإلى أي حد يمتلك الاستعداد لتجاوز أحداث 11سبتمبر والتعاطي معنا كعرب مبدعين لهم مقولاتهم في الفن والحب والحياة والخير والجمال والحس الإنساني العميق؟
طُرحت هذه الأسئلة جهرا وسرا ولكن بقلق خافت، باعتبار أن إقامة مهرجان ضخم خاص بالفن والأدب العربيين قد تزامن مع تسلم باراك أوباما الحكم وهو الرجل الذي زرع في العالم بذور التفاؤل من أجل عهد جديد مع الولايات المتحدة.ذلك العهد الذي تلمسه خصوصا في سلوك السود الذين يبدون في غاية الابتهاج والشموخ وهي حالات تلقطها في المطاعم وفي الشوارع وأينما تجدهم وكأن أوباما أهدى إلى كل واحد فيهم رئة جديدة يتنفسون بها ثقة وطموحا. إذن ليس من باب الصدفة أن يقرر مركز جون كينيدي الثقافي إقامة مهرجان ضخم حول العالم في هذا التوقيت وهو المركز الأكثر شهرة في الولايات المتحدة وفي العالم ويعقد كل سنتين مهرجانا كبيرا خاصا بحضارة معينة. في السنوات الأربع الأخيرة اهتم بحضارتي الصين واليابان وفي هذا العام وقع الاختيار على الحضارة العربية فكانت في الموعد موسيقى وشعرا وسينما ومسرحا وأدبا ونقاشات. ولعله من المهم أن نشير إلى أن مركز جون كينيدي يحظى بقيمة خاصة لدى الأمريكيين، بل إن أي عمل فني وثقافي يتبناه هذا المركز هو ضمان جودة مسبقة بالنسبة إليهم.
وفي الحقيقة ما إن تقع العين على هذا المركز الضخم والفسيح جدا حتى تستشعر أهمية الفضاء الذي تم افتتاحه عام 1971يتصدره عند المدخل نصب تذكاري لجون كينيدي المعروف بإيمانه أن الإنجازات الثقافية هي جزء لا يتجزأ من الخبرة البشرية. إن مركز جون كينيدي الذي يستضيف سنويا ثلاثة ملايين زائر ويقدم أكثر من ألفي عمل في عام، اختار أن تهيمن النقاشات على الفعاليات الأدبية للمهرجان فكان حضورنا للقراءات الشعرية والسردية ولكن في المقام الأول للتحاور والنقاش والخوض في مواضيع شتى على غرار مفهوم الهوية لدى الأديب العربي وكيفية توظيف الخيال والفانتازيا في الكتابة وأيضا كيف تكتب المبدعة الرجل وصورة المرأة في كتابات الأديب العربي ومدى تصوير أدبنا لواقع المجتمعات العربية وحال القراءة والنشر في ربوعنا.
والمدهش أن الحضور الأمريكي كان غفيرا وفي جميع الجلسات دون استثناء، فكانوا ينصتون بعطش إلى ما نقوله ثم يقتصرون على بعض الأسئلة والتعليقات المليئة بالاعتراف بأنهم بصدد اكتشاف جوانب جديدة بل إن شدة تعطشهم للتعرف إلينا وفضولهم للاستماع إلى أفكارنا وكيف نُقارب الأسئلة الفنية والوجودية والثقافية وربما هذا السبب الذي جعل المنظمين لا يقتصرون فقط على القراءات الشعرية والإبداعية، وإنما كان التركيز الأكبر على الشهادات الإبداعية والمداخلات التي كان جميعها يجمع بين العام في الأدب العربي والخاص في تجربة كل مبدع متحدث. وإلى جانب اكتشاف إلى أي حد يبدو الأمريكيين اليوم معنيين بالتعرف إلى العالم العربي من خلال أدبائه ومبدعيه،فإن ما شكل بالنسبة إلينا إضافة خاصة خصوصا بالنسبة إلى الكتاب الذين يزورون مثلي الولايات المتحدة لأول مرة ، هي تلك اللهفة لمعرفة الثقافة العربية قديما وحديثا واحترامهم للمختلف ولما هو مغاير فتراهم بعد انقضاء كل جلسة أدبية صباحية أو مسائية يتهافتون علينا للتعبير عن إعجابهم بما استمعوا إليه من مداخلات وقراءات ويسألون أين يمكن أن يجدوا مجموعاتنا ورواياتنا .
من جهة أخرى سجل الأدباء الأمريكيون من أصل عربي حضورا لافتا فكانوا بالفعل همزة وصل وجبهة ثقافية هامة تقوم بدور كبير في ترجمة أعمال عربية وفي التعريف بها وهم في أغلبهم يُدّرسون الأدب العربي في جامعات أمريكية.
وبعد هذه التجربة القصيرة والغنية في آن، عدت مجددة قناعتي بالدور الذي يمكن أن تقوم به الثقافة من أجل تقديم الصورة اللائقة بالحضارة العربية الموغلة في القدم والراسخة في التاريخ.ولكن من المهم أن نتحلى بالوعي وأن يبذل النظام العربي الرسمي الجهود اللازمة في الترجمة وفي فتح قنوات نحو الآخر حتى يتعرف إلى حقيقتنا وهي نقية من كل الشوائب. فالواضح أن الشعب الأمريكي متعطش إلينا وإلى فنوننا وهو ما يبرر الحضور الغفير في الجلسات الأدبية العشر التي نظمها مركز جون كينيدي في مسارحه الكبيرة والأنيقة والكثيرة ( مسرح الأسرة ومسرح أيزنهاور ومسرح الألفية ومسرح الشرفة...) ونحن في المقابل كأصحاب حضارة عريقة لديها ما تقول وما تبلغه للإنسانية جمعاء من جمال ومن مساهمة قديمة ومتجددة ومعاصرة في رفعة الروح الإنسانية من الذكاء أن نستثمر هذه الفرص المهمة وتوظيفها لصالح الأمة العربية.
أقول هذا الكلام لأن مهرجان العالم العربي في مركز كينيدي بواشنطن ليس أكثر من بداية وشمعة مضيئة في ظلام دامس من الجهل الثقافي والإنساني المتبادل بين العرب والأمريكيين.فالحل سياسي بالأساس أو لنقل الانفراج السياسي في القضية الفلسطينية مكمن العقدة هو المفتاح الأول لإزالة الحواجز نفسية كانت أم سياسية. وإلى ذلك الحين الذي يسترد الطفل الفلسطيني (الذي لم يكن غائبا في نقاشاتنا) ابتسامته المفقودة منذ عام 1948 فإن المنطق يستدعي منا العمل والايجابية المدروسة والواعية بمختلف الأبعاد وأن نراهن على الروابط الثقافية في تقديم حقيقتنا إلى المجتمع الأمريكي وغيره من خلال الفن والأدب والفكر. وإذا ما تراكم تأثيرنا الثقافي في بلد الشعب فيه هو الحاكم الفعلي، فإن الانفراج آت لا محالة حتى ولو تأخر كثيرا ورغم أنف مكر السياسة وبطشها وميزان المصالح الذي يمكن أن ينقلب لو عرفنا كيف نفعل ذلك وكيف ننتصر لحضارتنا العريقة ولقيم ديننا التي تلحظها في كل شعب متحضر مما يقوي القناعة بأن قيم الدين الإسلامي هي جوهر مقولات التحضر والتقدم والحرية وهدفها الأول والأخير رفعة الروح الإنسانية التي أعتقد أنها سبب الوجود وعلته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.