اعلان الرئيس الروسي ديمتري ميدفيدف بالامس تطوير القدرات القتالية للقوات الروسية وفي طليعتها القوات الاستراتيجية النووية والبدء في اعادة تسليح واسعة النطاق للجيش والبحرية الروسيين من شانه ان يحمل في طياته اكثر من رسالة لا تخلو من اشارات واضحة وهي وان كانت موجهة بالدرجة الاولى الى العملاق الامريكي والى الحلف الاطلسي الذي ما انفك يتوسع ليمتد إلى مشارف روسيا فهي ايضا تبقى موجهة الى عديد القوى الاقليمية الاخرى الصاعدة خارج اطار "الناتو" ومن بينها الهند والصين لا سيما ان اغلب الخبراء والملاحظين يجمعون على ان الاعلان الروسي وان كان لا ينذر بعودة للحرب الباردة التي امتدت لعقود طويلة فانه يبقى الاوسع من نوعه في تاريخ القوات الروسية منذ الحرب العالمية الثانية . ولا شك انه عندما ياتي قرار "الدب الروسي" بالاعلان عن هكذا خطوة بعد ايام فقط على انهاء القطيعة بين روسيا والحلف الاطلسي وقبل اسبوعين على موعد قمة "الناتو" المرتقبة مطلع الشهر القادم في سترازبورغ بالتزامن مع انقضاء ستين عاما على نشاة الحلف الذي اريد له ان يكون سدا منيعا امام حلف فرصوفيا، فان في ذلك ما يمكن ان يؤشر الى تحولات متسارعة على الساحة الدولية وعودة عجلة سباق التسلح النووي بين المتنافسين التقليديين الامريكي والروسي بما من شانها ان تؤكد ان لعبة المصالح التي يمكن ان يفرضها النظام العالمي لا تقبل الجمود والسكون وان روسيا وريثة الاتحاد السوفياتي السابق لا يمكن ان تقبل بتهديد مصالحها الامنية والاستراتيجية خاصة بعد اعتراف "الناتو" بانه لا غنى عن الدور الروسي في مواجهة المستنقع الافغاني المتفاقم وتوفير الممر المطلوب لايصال المعدات العسكرية الضرورية الى قوات التحالف بعد التدهور الحاصل في الحدود مع باكستان .. . ولعل المثير ان تاتي هذه التصريحات في الوقت الذي تعددت فيه الاشارات الايجابية بين واشنطن وموسكو بعد انتخاب الرئيس الامريكي الجديد باراك اوباما وما اثاره من توقعات بشان فتح صفحة جديدة في العلاقات بين امريكا وروسيا بعد التوترات الحاصلة خلال عهد الرئيس بوش بسبب مشروع نشر الدرع الصاروخي الامريكي في اوروبا الشرقية وتوسيع الحلف الاطلسي على مشارف الحدود الروسية الذي اغضب الكرملين في مناسبات عديدة ودفع به الى تعليق اعمال المجلس الروسي الاطلسي... واذا كانت روسيا تقر بان الحرب التي خاضتها قواتها ضد جورجيا الصيف الماضي وما كشفته من نقاط ضعف في عتادها العسكري والبشري تعد احد الاسباب المهمة وراء خطتها المعلنة لاعادة تسليح وتطوير قواتها برغم تداعيات الازمة الاقتصادية العالمية وتراجع عائدات النفط الروسي فانها لا تنكر في ذات الوقت بان تحليل الوضع السياسي العسكري في العالم ينذر باندلاع نزاعات خطيرة في عديد المناطق يمكن ان تغذيها ازمات محلية بما يعني بكل بساطة عودة متسارعة لسباق التسلح تتحكم في خيوطه القوى الكبرى المتنافسة ولكنه غالبا ما يستنزف الكثير من ميزانيات وثروات الدول الصغرى التي تنجرف بدورها في سباق خلفي من اجل التسلح وعقد الصفقات الباهظة مع مروجي ومهربي السلاح للحصول في اغلب الاحيان على ما استهلك من معدات عسكرية اصابها الصدء في مخازن صناعة الموت من اسلحة بالية ولكنها كفيلة بنشر الخوف والرعب والدمار في مختلف الصراعات العرقية والقبلية في افريقيا او غيرها من المناطق...