تلميذ يعتدي على أستاذه بسكين..وزارة الأسرة تتدخل..    وزيرة التربية تتعهد بإنتداب الأساتذة النواب    رفعَ ارباحه ب 43%: بنك الوفاق الدولي يحقق أعلى مردود في القطاع المصرفي    معرض تونس الدولي للكتاب يفتح أبوابه اليوم    تجهيز كلية العلوم بهذه المعدات بدعم من البنك الألماني للتنمية    عاجل/ مسؤول إسرائيلي يؤكد استهداف قاعدة بأصفهان..ومهاجمة 9 أهداف تابعة للحرس الثوري الايراني..    الداخلية تعلن إلقاء القبض على عنصر إرهابي ثالث..#خبر_عاجل    الاحتلال يعتقل الأكاديمية نادرة شلهوب من القدس    كأس تونس لكرة السلة: إتحاد الانصار والملعب النابلي إلى ربع النهائي    كأس تونس لكرة القدم: تعيينات مقابلات اليوم من الدور السادس عشر    إصابة 23 سائحا في حادث إنزلاق حافلة سياحية.. التفاصيل    عاصفة مطريّة تؤثر على هذه الدول اعتباراً من هذه الليلة ويوم غد السبت    المنستير: ضبط شخص عمد إلى زراعة '' الماريخوانا '' للاتجار فيها    معرض تونس الدّولي للكتاب يفتح اليوم أبوابه    غوغل تسرح 28 موظفا احتجّوا على عقد مع الكيان الصهيوني    حراك 25 جويلية يناشد رئيس الجمهورية الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة    عاجل/ بعد منع عائلات الموقوفين من الوصول الى المرناقية: دليلة مصدق تفجرها..    طيران الإمارات تعلق إنجاز إجراءات السفر للرحلات عبر دبي..    في اجتماعات الربيع: وزيرة الاقتصاد تواصل سلسلة لقاءاتها مع خبراء ومسؤولي مؤسسات تمويل دولية    الوكالة الفنية للنقل البري تصدر هذا البلاغ    وزير السياحة يلتقي رئيس الغرفة الوطنية للنقل السياحي    بعد فيضانات الإمارات وعُمان.. خبيرة أرصاد تكشف سراً خطيراً لم يحدث منذ 75 عاما    التوقعات الجوية لهذا اليوم..سحب كثيفة مع الأمطار..    عاجل/ زلزال بقوة 5.6 درجات يضرب هذه الولاية التركية..    الأندية المتأهلة إلى نصف نهائي الدوري الأوروبي    فرنسا: إصابة فتاتين في عملية طعن أمام مدرسة شرقي البلاد    اللجان الدائمة بالبرلمان العربي تناقش جملة من المواضيع تحضيرا للجلسة العامة الثالثة للبرلمان    سلطنة عمان: ارتفاع عدد الوفيات جراء الطقس السيء إلى 21 حالة    منبر الجمعة .. الطفولة في الإسلام    خطبة الجمعة..الإسلام دين الرحمة والسماحة.. خيركم خيركم لأهله !    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    بورصة تونس: "توننداكس" يقفل حصة الخميس على استقرار    جوهر لعذار يؤكدّ : النادي الصفاقسي يستأنف قرار الرابطة بخصوص الويكلو    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    وزير الصحة يشدّد على ضرورة التسريع في تركيز الوكالة الوطنية للصحة العموميّة    أنس جابر خارج دورة شتوتغارت للتنس    عاجل: القبض على عنصر إرهابي ثان بجبل السيف بالقصرين    سيدي بوزيد.. تتويج اعدادية المزونة في الملتقى الجهوي للمسرح    توزر.. افتتاح الاحتفال الجهوي لشهر التراث بدار الثقافة حامة الجريد    سوسة: الاستعداد لتنظيم الدورة 61 لمهرجان استعراض أوسو    محمود قصيعة لإدارة مباراة الكأس بين النادي الصفاقسي ومستقبل المرسى    ارتفاع نوايا الاستثمار المصرح بها خلال الثلاثية الأولى من السنة الحالية ب6.9 %    بعد حلقة "الوحش بروماكس": مختار التليلي يواجه القضاء    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    انخفاض متوسط هطول الأمطار في تونس بنسبة 20 بالمائة خلال شهر فيفري 2024    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    عاجل/ تلميذ يطعن أستاذه من خلف أثناء الدرس..    عاجل : نفاد تذاكر مباراة الترجي وماميلودي صانداونز    هام/ تطوّرات حالة الطقس خلال الأيام القادمة..#خبر_عاجل    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    البنك المركزي : ضرورة مراجعة آليات التمويل المتاحة لدعم البلدان التي تتعرض لصعوبات اقتصادية    الحماية المدنية: 9 حالات وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    وزير الصحة يشدد في لقائه بمدير الوكالة المصرية للدواء على ضرورة العمل المشترك من أجل إنشاء مخابر لصناعة المواد الأولية    توزر: المؤسسات الاستشفائية بالجهة تسجّل حالات إسهال معوي فيروسي خلال الفترة الأخيرة (المدير الجهوي للصحة)    الكاف: تلقيح اكثر من 80 بالمائة من الأبقار و25 بالمائة من المجترات ضد الأمراض المعدية (دائرة الإنتاج الحيواني)    "سينما تدور": اطلاق أول تجربة للسينما المتجولة في تونس    جراحة فريدة في الأردن.. فتحوا رأسه وهو يهاتف عائلته    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدرع المضاد للصواريخ بين الحلم الأميركي والرفض الروسي الصيني
نشر في الوسط التونسية يوم 06 - 04 - 2007

ليس من شك أن الدرع المضاد للصواريخ التي تريد الولايات المتحدة الأميركية أن تتزود به يشكل أزمة جيوبوليتيكة كبيرة في بداية هذا القرن . وتشير كل الدلائل الآن أن الولايات المتحدة الأميركية ماضية في وضع خطط نشر نظام الدفاع المضاد للصواريخ المثير للجدل ، وفي تحديث وتطوير أنظمة عسكرية جديدة لتشمل الفضاء الخارجي بالحديث عن مخاطر تواجه الولايات المتحدة الأميركية في الفضاء .
وكانت الولايات المتحدة قد اعلنت رسميا يوم 20 كانون الثاني 2007، أنها بدأت مفاوضات مع الجمهورية التشيكية، لإقامة محطة رادارات على أراضيها، ومع بولندا لنصب عشرة صواريخ قادرة على اعتراض الصواريخ الباليستية، حيث تقول الولايات المتحدة ان نشر هذه المنظومة يستهدف حماية أراضيها وأراضي حلفائها من أي هجوم إيراني أو كوري شمالي محتمل .
وأعلنت الولايات المتحدة أن منظومة الدفاع الصاروخي التي تعتزم نشرها في شرق أوروبا، والتي تعارضها روسيا، ستشمل محطة رادار يمكن نصبها في منطقة القوقاز.و تحولت قضية الدرع الصاروخية الاميركية في اوروبا الى مادة سجالية بين واشنطن وموسكو، بعد إعلان رئيس الوكالة الاميركية للدفاع المضاد للصواريخ هنري اوبيرينغ الخميس الماضي في بروكسل أن رادار القوقاز سيكون "متنقلاً"،وان الدرع "تشمل راداراً محمولاً يمكن نصبه في أي منطقة، خلال أيام، وبسرعة كبيرة جداً".وسيلتقط هذا "الرادار المتنقل"، الذي سيتم نصبه في منطقة القوقاز، الاشارات الاولى لأي صاروخ "معادٍ"، ليبثها الى المحطة الاميركية الرئيسية للرادارات، التي تنوي واشنطن اقامتها في تشيكيا، للتصدي لأي هجمات محتملة من ايران، أو كوريا الشمالية.
في المقابل، قال قائد القوات الجوية الروسية فلاديمير يخايلوف ، إن نصب أنظمة رادار أميركية مضادة للصواريخ في القوقاز "لن يؤثر على قدرات روسيا الدفاعية"، لكنه أشار إلى أن بلاده "قادرة على تقديم رد مناسب على نشر درع الدفاع الصاروخي" الأميركي.
وتابع ميخايلوف إن الاميركيين "لديهم الكثير من الأموال، فلندعهم ينفقونها"، موضحاً أن أنظمة صواريخ "أس 400" الروسية، التي يزيد مداها على 400 كيلومتر، "تضمن الأمن، بما في ذلك من ناحية الدفاع الجوي الفضائي".بدوره، أعرب النائب الأول لرئيس لجنة مجلس الدوما لشؤون رابطة الدول المستقلة وأبناء الوطن في الخارج، أحمد بلالوف، عن اعتقاده بأن "تورط أوكرانيا وبلدان منطقة القوقاز في خطط إنشاء نظام الدرع الصاروخي المضاد للصواريخ قد يتمخض عن أزمة سياسية داخلية جديدة"في هذه الدول، مشيراً الى الاحتجاجات التي جرت العام الماضي في بعض المناطق الأوكرانية على إجراء المناورات العسكرية الأميركية لأوكرانية.
وفي برلين، قال وزير الدفاع الألماني فرانتس يونغ، على هامش اجتماع لوزراء دفاع دول الاتحاد الاوروبي في مدينة فيسبادن، إنه "ينبغي لنا أن نناقش تطوير إجراء دفاعي في إطار حلف شمالي الاطلسي"، مضيفاً أن مخاوف روسيا بشأن هذا الدرع "يمكن تهدئتها، من خلال إجراء محادثات داخل مجلس حلف الاطلسي وروسيا"، وهو منتدى لمناقشة القضايا الاستراتيجية والدفاعية بين خصوم الحرب الباردة السابقين.
وكانت وزيرة الخارجية الأميركية رايس رفضت ما يتردّد عن عدم قيام واشنطن بإبلاغ موسكو بالخطط الرامية لإقامة نظام مضادّ للصواريخ في بولندا وتشيكيا، مشدّدةً على أنّ الموضوع لا يمثّل تهديداً لروسيا. وأوضحت، عقب لقاء مع نظيرها الألماني فرانك شتاينماير في برلين، أنّ موسكو على علم بالاستراتيجية الأميركية في هذا الصدد منذ ربيع عام 2006، مشيرةً إلى أنّه تمّ إجراء 10 اتصالات على المستوى الرسمي بين الجانبين.
وقالت رايس إنّ بولندا وتشيكيا دولتان مستقلّتان، رافضةً، في الوقت نفسه، فكرة أن تكون واشنطن تهدف من وراء هذا البرنامج إلى السيطرة على هاتين الدولتين. وأوضحت أنّ الهدف الأساسي منه هو مكافحة التهديدات التي ظهرت عقب هجمات 11 أيلول 2001.
وتابعت رايس، التي وصفت تعليقات قائد القوّات الاستراتيجية الروسية الجنرال نيكولاي سولوفتسوف في شأن قدرة روسيا على تدمير الأنظمة الصاروخيّة الأميركيّة ب"المؤسفة"، إنّ الجميع يعلم "بتزايد التهديدات التي تمثلها إيران".
1- أميركا وتطوير برنامج الدفاع المضاد للصواريخ
يثيرالمحللون في الغرب التساؤلات حول المغزى الحقيقي لإدارة بوش من وراء إقامة نظام الدرع الصاروخي الأمريكي . فالفكرةليست جديدة، بل بدأت مع الرئيس الأسبق نيكسون وكذلك الرئيس ريجان أثناء فترة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي السابق، ثم أخذت في التبلور في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون، الذي تحمس لها لكنه واجه تحديات ومعارضة داخلية نتيجة للتكلفة الهائلة لهذا البرنامج والتكنولوجيا البدائية، وخارجية، خاصة من روسيا والصين وتحفظ الحلفاء الأوروبيين الذين اعتبروه تخليا من جانب واشنطن عن حمايتهم، لذا قرر إرجاء تنفيذ هذا البرنامج وتركه لخلفه الرئيس بوش الابن ليأخذ قرارا فيه. والبرنامج ببساطة يرتكز على إقامة درع من الصواريخ الدفاعية مضاد للصواريخ الباليستية طويلة المدى، وذلك على المستوى القومي، الذي يحمي الولايات المتحدة بكاملها، وكذلك على المستوى العملياتي أي حماية القواعد والقوات الأمريكية سواء داخل أمريكا أو خارجها، ويأخذ هذا النظام أشكالا عدة منها إقامة أنظمة صواريخ برية وكذلك بحرية على السفن الحربية، وكذلك استخدام الليزر، ويحتاج هذا البرنامج إلى تكلفة مالية باهظة وتقنيات تكنولوجية عالية، وقد تبنى الرئيس بوش هذا البرنامج وحصل على دعم مالي إضافي من الكونجرس لسد العجز في ميزانية الدفاع خصصه بالكامل لبرنامج الدفاع الصاروخي، ونجحت إدارة بوش بالفعل في إقامة جزء من هذا البرنامج في ولايتي ألاسكا وكاليفورنيا، وتحاول استكماله في أوروبا، غير أن اقامته في أوروبا وبالقرب.
بعد ثلاثة أشهر من وصوله إلى البيت الأبيض ، أعلن الرئيس جورج بوش الابن في خطابه الذي ألقاه أمام جامعة الدفاع القومي في واشنطن في أول أيار 2001، عن تصميم الإدارة الأميركية على تطوير ونشر النظام القومي للدفاع المضاد للصواريخ (NMD ) . ويتضمن هذا البرنامج التسليحي الضخم جداً ، الدفاع عن أراضي ومصالح الولايات المتحدة الأميركية ، ومهاجمة وتدمير الصواريخ البالستية عابرة القارات (ICBM) الاستراتيجية المعادية ، سواء كانت ذات رؤوس نووية أو جرموثية ، باختصار إنه " درع مضاد للصواريخ " .
ويتشكل هذا النظام الدفاعي الضخم من 100 صاروخ صممت للتعقيب ووضعت في قاعدة في منطقة ألاسكا يدعمها رادار خاص بعملها وخمسة رادارات للتحذير المبكر ، وتقرر إضافة مرحلة أخرى لهذا النظام من خلال زيادة 100 صاروخ تعقب آخر سيتم بالطبع ربط هذه الرادارات جميعها بمجسات وأجهزة التقاط حساسة تعمل في الفضاء على الأشعة ما تحت الحمراء. وأصبح هذا النظام جاهزاً للعمليات منذ عام 2005 ، وسوف يصل إلى المقدرة العملياتية الكاملة في عام 2008 .
ويقود الرئيس جورج بوش المتشدد والحريص على حماية المصالح الأميركية أينما وجدت والسائر على خطى والده ، الحملة الآن لإنجاز برنامج الدفاع المضاد للصواريخ ، الذي وصلت كلفة المرحلة الأولى منه إلى 29.5 مليار دولار ، في عام 2005 ، ثم إلى 60 مليار دولار في المرحلة التالية . ومن الطبيعي أن الشروع في إنجاز هذا النظام يتطلب زيادة في ميزانية وزارة الدفاع الأميركية ( البنتاغون ) ، التي ارتفعت من 290 مليار دولار العام 2000 إلى 356 مليار دولار خلال عام 2001. ومن المتوقع أن تبلغ 390 مليار دولار لتنفيذ هذا البرنامج ، الذي سيستأثر بحصة الأسد من الاهتمام والمال والتجهيزات التكنولوجية .
ليس من شك أن قرار الولايات المتحدة الأميركية المضي قدماً بنشر نظام الدفاع الصاروخي الآن سيكون له مضاعفات سياسية وعسكرية على العلاقات مع روسيا والصين والحلفاء الأوروبيين . ثم إن نشر هذا النظام الصاروخي يضرب صفحاً عن معاهدة حظر الصواريخ المضادة (ABM) لعام 1972 ، ويقلب رأساً على عقب العقيدة النووية للحرب الباردة التي تقوم على توازن الرعب بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي . وقد ندد الرئيس بوش بمعادة حظر الصواريخ المضادة للصواريخ (ABM) الموقعة بين ريتشارد نيكسون وليونيد برجنيف والتي استهدفت ضمان أن لا تؤدي أنظمة الدفاع الصاروخية المضادة إلى تقويض الردع النووي السوفياتي – الأميركي ، حيث قال بأن هذه المعاهدة " تجسد الماضي ونحن مطالبون بتجاوز إكراهات هذه المعاهدة القديمة منذ ثلاثين عاماً " . وأضاف بوش بأنها "تؤبد وضعاً قائماً على الحذر وعدم الثقة . وهي تقلل من شأن التقدم الأساسي في مجال الثورة التكنولوجية للعقود الثلاثة الأخيرة " . وهي تمنعنا من تفحص كل الخيارات . والحال هذه يجب استبدالها بإطار جديد يجسد القطيعة الواضحة والصريحة مع إرث العداء للحرب الباردة " .
وإذا ما تناولنا معاهدة النظام الدفاعي المضاد للصواريخ (ABM) والتي تدعو الحكومة الروسية إلى عدم تغيير مبادئها وبنودها المتفق عليها منذ حوالي ثلاثين عاماً ، فإننا بسهولة نتلمس بأن الحديث حولها يجري عن شيخوخة بعض مبادئها وبنودها ، علماً بأنها ما زالت حيوية وهامة جداً كأساس للأمن النووي العالمي . ولكن من خلال مهاجمتها وتغليب النظام القومي الأميركي الدفاعي المضاد للصواريخ ، فإن الإدارة الأميركية تسعى لرد الدين للمجمع الصناعي العسكري الأميركي الذي دعم الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة .
وكان الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان قد اتخذ إجراءات مشابهة عندما بادر إلى حرب النجوم قبل عشرين سنة ، وها هو الرئيس بوش الابن يحاول إحياءه وتعويمه ، للحفاظ على المرتبة الأولى التي بلغتها الولايات المتحدة الأميركية ، خصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ، المرشح الوحيد على المسرح العالمي لمنافسة الولايات المتحدة الأميركية في مد الهيمنة والنفوذ والمصالح في جميع أنحاء العالم .
ولم تبد واشنطن أي اهتمام لتلك المخاوف التي أبداها حلفاؤها في حلف شمال الأطلسي وبريطانيا وألمانيا وكندا من مسألة حرب النجوم الأميركية التي يمكنها أن تجعل هذه الدول أسيرة ما يسمى الأمن القومي الأميركي . وليس مصادفة أن يعلن نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني بأن الإدارة الأميركية الجديدة لن تسمح لأحد أن يملي على الولايات المتحدة الأميركية ما الذي يجب أن تفعله من اجل ضمان حجة المصالح الذاتية بهدف إملاء سياستها على العالم بأسره ابتداء بأميركا اللاتينية وصولاً إلى العالم العربي .
وينبع الخوف والمعارضة الروسية لتعديل معاهدة 1972 ، من خشيتها أن يؤدي أي تغيير أو إلغاء للمعاهدة إلى إفساد قدرة روسيا على توجيه الضربة الثانية الانتقامية ضد الولايات المتحدة الأميركية في حال نشوب حرب بين الدولتين ، فضلاً عن أن روسيا أصبحت عاجزة تكنولوجيا ومالياً على مجاراة الولايات المتحدة الأميركية في سباق تسلح في الفضاء ، جراء
ما تغزوها من حروب ونزاعات وفقر .
وبالمقابل ينبع الخوف الأميركي من أية هجمات صاروخية مفاجئة سواء كنت نووية أو جرثومية تستهدف الأراضي الأميركية ، من تنامي القدرات الصاروخية البالستية عند دول أخرى ، تصفها بالمتمردة على النظام الدولي الجديد ، أو الخارجة على القانون. وكان أول إنذار نبه الولايات المتحدة الأميركية إلى الخطر الجديد من كوريا الشمالية التي أطلقت صاروخاً بالستياً بعيد المدى في 31 آب 1998 .
وفي الوقت الحاضر لا يوجد نظام صاروخي بالستي كبير إلا عند كوريا الشمالية هو ( تايبو دونج ) القادر على الوصول إلى أراضي الولايات المتحدة الأميركية . و الحال هذه تريدواشنطن حماية أراضي الولايات المتحدة وحلفائها من أية هجمات صاروخية، لا سيما من جانب الدول التي يسميها بوش ب"المارقة" مثل كوريا الشمالية وإيران. وتبرر واشنطن مزاعمها هذه بتطوير بيونج يانج لصاروخ "تايبو دونج 2" الذي يصل مداه إلى 3500 كيلومتر بما يهدد الأراضي الأمريكية، وكذلك تطوير إيران للصاروخ "شهاب 3" الذي يصل مداه إلى 2500 كيلومتر، وتزداد خطورة هذا التهديد مع امتلاك كوريا الشمالية للقنبلة النووية بعد تجربتها النووية الأخيرة، كذلك مساعي طهران لامتلاك أسلحة نووية، غير أن هذا المبرر يمكن الرد عليه، فمن ناحية فقد وافقت كوريا الشمالية بعد محادثات اللجنة السداسية مؤخرا على بدء تفكيك برنامجها النووي مقابل معونات ومساعدات دولية، كما أنه لم يثبت حتى الآن أن إيران تمتلك السلاح النووي .أما إيران فستتمكن من امتلاك نظام كهذا،في عامي 2010 و 2015 ستكون قد حصلت تماماً على أنظمة صاروخية بعيدة المدى . وبالنسبة للدول الأخرى مثل الهند وباكستان و الكيان الصهيوني التي تملك الآن صواريخ متوسطة المدى (1000 – 5000 ) كلم من أنظمة الصواريخ البالستية فربما ستتمكن من تطوير أو شراء صواريخ عابرة للقارات يزيد مداها على 5500 كلم .
ويقدر الخبراء الاستراتيجيون الأميركيون بأنه إضافة إلى الصين وروسيا ، يمكن لكوريا الشمالية وربما لإيران أن تمتلك القدرة على مهاجمة الولايات المتحدة الأميركية بالصواريخ عابرة القارات قبل عام 2015 .
وجاءت حادثة التصادم الجوي الأميركي – الصيني داخل المجال الجوي الصيني لتعطي وقعاً قوياً لدعاة متابعة تنفيذ مشروع الدرع المضاد للصواريخ ، وعلى رأسهم الرئيس جورج بوش الابن ، بعد سنوات من توقفه . فأزمة طائرة التجسس نبهت الأميركيين إلى أن الصين هي القوة العظمى التي بدأت تأخذ دور الاتحاد السوفياتي السابق ، وهي مصدر التهديد للمصالح الأميركية على امتداد العقود المقبلة بدل روسيا الغارقة في المعاناة الاقتصادية و السياسية والأمنية . ولقد جاء في تقرير رامسيفلد وزير الدفاع السابق في البنتاغون بأن " هناك تهديدات كبيرة موجهة إلى الأمن والمصالح الأميركية وهي تستدعي رداً بمستوى حجمها وضخامتها ، حتى لا تتعرض الولايات المتحدة الأميركية إلى خسارة الكثير من نفوذها وموقعها كقوة عظمى في العالم " .
وجاء في أحد التقارير الأميركية حول هذا الموضوع إن " السلاح النووي لم يعد محصوراً بين الدول الخمس الكبرى وهي ( الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وفرنسا والصين وبريطانيا ، بل هناك 30 دولة تملك صواريخ بالستية قصيرة ومتوسطة . . المدى هي مصدر تهديد جدي في المستقبل للأمن العالمي " .
وهكذا ، فإن الولايات المتحدة الأميركية الذاهبة قدماً في تنفيذ برنامج تسليحي غاية في الضخامة تفسح في المجال من جديد نحو سباق تسلح عالمي شامل ، لأن روسيا والصين لا يمكنهما تحمل اختلال التوازن القائم على امتلاك الولايات المتحدة الأميركية وحدها صواريخ مضادة للصواريخ ضمن تحقيق برنامج الدرع المضاد للصواريخ أو الترسي الفضائي .
وقد بدأت الولايات المتحدة الأميركية في دراسة الصواريخ التي ستعوض صواريخ مينوتيمان 3 في سلاج الجو ، وصواريخ تريدينت 2D -5 التي تحملها الغواصات النووية . وهي تبحث الآن في تحسين وتنويع ترسانتها الحالية من الصواريخ العابرة للقرارات من نوع توما هوك، والى صنع صاروخ أسرع من الصوت من نوع كروز ، يلقب منذ الآن بفاستاوك من قبل البحرية .
اما روسيا ، فعلى الرغم من مصاعبها المالية ، التي تجعلها تؤجل مشروع راك للصاروخ المبحر ، إلا انها مستمرة في نشر صواريخها العابرة للقارات من نوع كروز ذي الرأس الكلاسيكي ( ك ه –101 ) أو ذي الرأس النووي ( ك ه – 102 ) . وانطلقت فرنسا في تحقيق ثلاثة برامج : الصواريخ أم 51 المحمول من قبل الغواصة النووية بعد 2008 ، والصاروخ المحمول جواً ( أس م ب ASMP Plus ) بالنسبة للمهمات النووية التي تقوم بها طائرة رافال ، وصاروخ كروز من نوع سكالب الذي تنتجه بالتعاون مع بريطانيا تحت اسم ستورم شادوي .
وتستعد الصين إلى تطوير جيل جديد من الصواريخ العابرة للقارات أو الصواريخ التكتيكية ذات القدرة الإقليمية في آسيا. وهناك عدة دول أخرى لم تظل مكتوفة الأيدي ، مثل الباكستان التي طورت نظاميها من الأسلحة اللذين يحملان اسم غوري المصمم بمساعدة كوريا الشمالية ، وشاهين المصمم بمساعدة الصين ، أو الهند التي تسعى إلى تطوير برنامج للصواريخ أجيني بوساطة التعاون مع موسكو .
ويخلص المحللون الاستراتيجيون إلى نتيجة أن توجهات السياسة الأميركية للسنوات الأربع القادمة ستركز بشكل رئيسي حول الحفاظ على مكانة القطب الواحد ، وبالتالي تدخل قوة أميركا الضاربة أينما كان وكيفما شاء البنتاغون . ومن هنا أفاد هؤلاء المحللون الدوليون بتسريع عمليات تطوير نظام الدفاع الصاروخي الأميركي ، وتحقيق سباق للتسلح من نوع جديد يقطع الطريق أمام تبوؤ الاتحاد الأوروبي أو الصين مكانة الصدارة عالمياً على الصعد الدبلوماسية والتجارية وحتى الثقافية . وقد التزم مستشارو بوش الابن بالدعوة إلى عسكرة الفضاء ، وتؤيد القوات الجوية الأميركية استراتيجية تطوير السبل الكفيلة بالردع والدفاع ضد ما تسميه الأعمال العدائية في الفضاء والتي تشن منه مبينة أن ذلك يحتاج قدرات متفوقة في الفضاء ، وكذلك أيضاً نشر نظام الدفاع المضاد للصواريخ .
والحال هذه ، فإن سعي واشنطن لاحياء مشاريع عسكرية فضائية وتطويرها ، سيؤدي إلى مزيد من التوتر في العلاقات الدولية ، المتوترة أصلاً بسبب الخلاف مع روسيا والصين وحتى مع أوروبا بشأن مشروع الدرع الصاروخي الأميركي ، والذي أعلنت موسكو أنه بإمكانها المساعدة في بناء ونشر درع صاروخي مضاد بمساهمة أوروبية مؤكدة أن باستطاعتها من الناحية التقنية بناء مثل هذه المنظومة الدفاعية الصاروخية .
المفارقة الآن في الولايات المتحدة الأميركية في نظرتها وطرحها لمشروع متعالٍ لنظام مضاد للصواريخ ، هي أنها تعطي الأولوية المطلقة للسياسة الداخلية ، ذلك أن إدارة جورج بوش الابن ترّد الدين للمجمع الصناعي العسكري الذي دعم الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وكان الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغن ، وهو جمهوري ، قد قام بمثل هذه الخطوة ليدعم المجمع الصناعي الحربي عندما أعلن برنامج حرب النجوم ، الذي غذى بالمال السهل مئات الصناعيين الصغار في مجال المعلوماتية والالكترونيك .
ومع أن هذا المشروع فشل ، إلا أن منتجي الأسلحة جمعوا مليارات الدولارات على حساب دافعي الضرائب الأمريكيين ، والهدف الرئيس من المشروع يكمن في مساع الولايات المتحدة الأميركية نحو إنتاج جيل جديد من أحدث الأسلحة ، وإلى امتلاك التفوق العسكري المطلق دون الاكتراث بتعهداتها الدولية . ويبدو أن واشنطن غير معنية أبدأً بمخاوف كندا وألمانيا وبريطانيا والعديد من الدول الأخرى حليفتها في حلف الناتو من أن العاب النجوم الأميركية يمكن ان تجعلها رهينة ما يسمى مشروع الأمن القومي الأميركي . وقد جاء مشروع حرب النجوم في سياق ثورة إحياء إنتاجية المشروع الرأسمالي الفردي ، المرتبط عضوياً بثورة الاتصالات ، والثورة المحافظة الملقبة بالليبرالية الجديدة بقيادة ريغن التي استهدفت القضاء على الدولة الكينيزية، لمصلحة المقاول الصناعي النيوريكاردي ، المتمركز في ولاية كليفورنيا ، قلب الثورة التكنولوجية والصناعية الثالثة في العالم .
إن انخراط الجمهوريين في هذا المسار المتسارع ، هو الذي جعل الولايات المتحدة الأميركية تعيد النظر في أساس الوفاق الدولي الذي تحقق بين النخب الأميركية والنخب الروسية في عقدي الستينات والسبعينات ، والذي تمخضت عنه اتفاقيتي سالت اللتين وقعتا في السبعينات . ويأتي الهجوم الأميركي على الاتفاقية السوفياتية – الأميركية حول الدفاع المضاد للصواريخ (ABM) الموقع في موسكو عام 1972 ، ضمن هذا السياق الجديد للسياسة الأميركية . فإدارة بوش تعتبر هذه المعاهدة قديمة ، وليست بحاجة إلى تجديد . وهنا يتساءل المرء لماذا تصر واشنطن على الاستمرار في انتهاج سياسة الكيل بمكيالين ، أي أن الولايات المتحدة الأميركية تعتبر الاتفاقية الآنفة الذكر قديمة وبحاجة إلى تغيير ، لكنها لا ترى ان العقوبات المفروضة على كوبا والعراق منذ سنوات طويلة بحاجة إلى إعادة نظر ؟ .
إن موضوعاً أساسياً وهاماً يلحظ من خلال السياسة الازدواجية التي تنتهجها واشنطن أي سياسة الكيل بمكيالين ، هو القديم كل ما هو غير مفيد لأميركا ، والحيوي جداً هو كل ما يخدم مساعيها السياسية . وبناء على هذه السياسة ، فإن إدارة بوش تنوي الاستمرار بمحاولات سابقيها لحل المسائل الإقليمية والدولية إنطلاقاً من مصالح أميركا فقط دون الالتفات أو الاكتراث بباقي الدول.
وإذا كانت العلاقات الأميركية الروسية سوف لن تخرج من المرحلة الصعبة التي تمر بها منذ عشر سنوات بسبب اصرار واشنطن على فرض إملاءاتها على موسكو ، سواء لجهة الضغط المكشوف على موسكو بهدف إجبارها على التخلي عن تعاونها مع إيران في المجال العسكري – التكنولوجي ، وفي مجال القدرة النووية لأهداف سلمية ، أو الضغط على مواقف روسيا من مسائل إقليمية أخرى ، فإن المستهدف من نشر نظام الدفاع الصاروخي الأميركي هو الصين وحدها .
وينبع القرار الاستراتيجي من تحديد الصين المستقبلية العدو الرئيسي للولايات المتحدة من إرادة فريق عمل إدارة بوش ، الذي يريد إحياء العلاقات القائمة مع حلفاء واشنطن التقليديين ، خاصة اليابان ، ودفعها إلى الأمام بحيث تنشط أكثر من ذي قبل على حساب الروابط الأطلسية الأوروبية والأميركية. وتستهدف واشنطن من خلال لعب ورقة اليابان هذا الشريك الاستراتيجي الوفي محاصرة الصين ، هذه القوة العظمى الصاعدة . علماً أن الولايات المتحدة الأميركية ملتزمة بسياسة كسينجر المنظر لأهم نظرية استراتيجية حديثة والقائمة على أن لا يجوز السماح لموسكو وبيكين من إقامة تحالف استراتيجي بينهما .
وسوف تعمل إدارة بوش على الوقوف في وجه التهديدات العسكرية الصينية الموجهة لتايوان ( خصوصاً أن أزمة 1996 لا زالت ماثلة للعيان ) . وتعتبر تلك القضية من اخطر القضايا التي ستترك إنعكاسات سلبية على مصالح الولايات المتحدة الأميركية الأمنية . وكانت الصين قد عارضت بشدة خطة واشنطن الرامية إلى إنشاء مظلة الدفاع الصاروخي خشية أن تشمل تايوان ، وتأمين حماية أميركية لها .
2-الشراكة الاستراتيجية الروسية – الصينية في مواجهة الهيمنة الأميركية
هناك عدة تحولات مهمة طرأت على مفهوم قوة الدولة بالمعنى المعاصر , يعبر عنه بالانفصال التدريجي بين القوة العسكرية والقوة الاقتصادية , وعلى مفهوم توازن القوى في ظل تحديات نظام القطب الواحد بزعامة الولايات المتحدة الأميركية , حيث أصبحت توجهات الدبلوماسية الأميركية للسنوات الأربع القادمة تركز بشكل رئيسي حول الحفاظ على مكانة القطب الواحد , وبالتالي تدخل قوة أميركا العسكرية الضاربة أينما كان وكيفما يشاء البنتاغون , وتسريع عمليات تطوير نظام الدفاع الصاروخي الأميركي , وتحقيق سباق للتسلح من نوع جديد يقطع الطريق أمام تبوؤ الاتحاد الأوروبي أو روسيا أو الصين مكانة الصدارة عالمياً على الصعد الدبلوماسية والتجارية وحتى الثقافية .
في إطار هذه المتغيرات الجديدة التي أدت إلى اختلال التوازن الاقليمي والدولي نتناول موضوع الشراكة الاستراتيجية الروسية – الصينية , خصوصاً أن مخططات إدارة الرئيس بوش المتعلقة بنشر نظامها المضاد للصواريخ , وإعادة النظر في معاهدة الحد من الصواريخ الباليستيه الموقعة مع السوفيات عام 1972 , وإعلان عن نيتها بعسكرة الفضاء وتجميد العلاقات العسكرية الثنائية مع الصين , هي التي دفعت إلى بروز علاقات حوار جيدة جداً بين موسكو وبكين , حيث عززت زيارة الرئيس الصيني جيانغ زيمين إلى موسكو في عام 2001، توجه التحالف بين الصين وروسيا , وترجمته إلى أرض الواقع عبر المعاهدة الروسية الصينية لاحتواء البرنامج الأميركي .
ويشير المحللون الاستراتيجيون إلى أن معاهدة التحالف التي وقعها الرئيسان الروسي والصيني ربما تكون رسمت خطوطها العريضة منذ أيام الاتحاد السوفياتي , وما جرى في موسكو لم يكن سوى إحياء لهذه الخطوة ودمجها في معاهدة تحالف وحسن جوار , وبالتالي فإن المعاهدة الموقعة بين روسيا والصين هي ثمرة روابط حارة بين الجانبين تطورت خلال السنوات الأخيرة كرد فعل على سياسة الهيمنة الأميركية على العالم , والقرار الدولي ومؤسساته . وبذلك , طوت روسيا والصين صفحة الماضي للمضي في تشكيل جبهة موحدة ضد واشنطن ودرعها الصاروخي , والتمسك بمعاهدة " أي بي أم" للحد من انتشار الصواريخ المبرمة عام 1972 , بوصفها تشكل حجر الزاوية في الاستقرار الاستراتيجي وخفض الأسلحة الاستراتيجية . وتشكل المعاهدة قاعدة انطلاق قوية نحو بناء ركيزة لإعادة التوازن للنظام الدولي الذي تحتل فيه واشنطن القوة العظمى الوحيدة , وتمتد على 20 سنة , وهي أول وثيقة من نوعها يجري توقيعها منذ عام 1950 .
وفي رسالة واضحة الدلالة والإشارة قبيل ساعات من انعقاد القمة الروسية الصينية التاريخية , أعلنت واشنطن عن الإطلاق الفعلي لتطبيق برنامج الدرع الصاروخي عبر تجربة ناجحة لإعتراض صاروخ عابر للقارات بصاروخ آخر أطلق من جنوب المحيط الهادي , كجزء من استراتيجية عرض العضلات وابراز القوة التي تنتهجها واشنطن , التي أصرّت على أن تذكر بها بوتين وزيمين من خلال تجربة إطلاق صاروخ عابر للقارات عند بدء اجتماعاتهما , ولتثبت للجميع أن أذرعها الطويلة قابلة للتحريك في أي وقت . وكانت الولايات المتحدة أعلنت في 10 تموز 2001أنها تنوي توسيع حقل برنامج تجارب نظام الدفاع المضاد للصواريخ , ليشمل مناطق واسعة في ألاسكا , ويتضمن المشروع إقامة منشئات جديدة للتجارب وسيتم تطويرها العام القادم إلى أن يتم العمل بها في عام 2003 .
. وعلى الرغم أن روسيا تحاول جاهدة مغالبة المشاكل الداخلية المعروفة للجميع , إلا أنها في الوقت عينه تتلمس بالاحتفاظ بالمجالات التي تمكنها من استعادة بعض صورتها القديمة كقطب عالمي كما كان في عصر الحرب الباردة , خاصة وأنه على مقربة منها دولة بازغة عملاقة , يفوق سكانها المليار نسمة , ويثور التساؤل بشأنها حيث من المحتمل أن تكون إحدى القوى العالمية المهيمنة في غضون القرن الحادي والعشرين . ومن هنا جاءت إحدى الدوائر الرئيسية في سياسة روسيا الخارجية وهي البحث عن صيغة جديدة للتوازن مما دفعها للتحرك استراتيجياً نحو الشرق وبصفة خاصة نحو الصين , التي تشهد نهضة اقتصادية جبارة , وثورة صناعية حقيقية , وقوة عسكرية نووية متنامية .
لقد أصبح التقارب الروسي مع الصين الذي دشنه رئيس الوزراء الروسي الأسبق يفغيني بريما كوف أحد الأعمدة الأساسية للسياسة الخارجية الروسية في عهد بوتين , الذي عاش تجربة أضعاف روسيا المريرة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي , ووعى جيداً أن السياسة الأميركية ترمي بشكل أساسي إلى الحيلولة دون انبثاق قوة منافسة مماثلة لقوة الاتحاد السوفياتي سابقاً , ولم تتردد في الاجهاز أنها تبحث في إبقاء روسيا على وضعها الراهن من الضعف بل واضعافها أكثر . والحال هذه , أبدت روسيا والصين اهتمامات مشتركة إزاء الولايات المتحدة ومسألة تفوقها التي خلقت أجواء من عدم التوازن على الصعيد العالمي , وكذلك إزاء اليابان التي تشكل امتداداً للسياسة الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأقصى .
هذا التوجه الصيني – الروسي صعدته الحكومة الأميركية بإجراء مناقشات مع السلطات التايوانية الرامية إلى تعزيز القدرات العسكرية لتايوان بتخصيص مبلغ 50 مليار دولار لعشر سنوات مقبلة . وكان الرد الصيني على قضية الدعم الأميركي لتايوان بأن توجهت إلى روسيا بكافة صنوف الأسلحة ذات التقنية العالمية , لا سيما السلاح الجوي والصواريخ الباليستية طويلة ومتوسطة المدى والدبابات . وقد أنتجت الصين سابقاً بامتياز روسي طائرات من نوع سوخوي , ويمكنها لاحقاً إنتاج جيل جديد من الدبابات الروسية ت 90 المزودة بصواريخ أرض أرض موجهة بأشعة الليزر . وليس مبالغاً القول أن روسيا سوف تصبح مستقبلاً " ترسانة " الصين .
وتدرك الولايات المتحدة الأميركية جيداً بأن الصين تمتلك أحد أقوى الجيوش في العالم والذي يصل تعداده حوالي 2,6مليون مقاتل وهو مزود بأحدث أنواع الأسلحة البرية والبحرية والجوية بجانبها الصواريخ النووية والعابرة للقارات . وبدأت الصين منذ سنوات قليلة سياسة إصلاح في الجيش تهدف إلى تحويله إلى جيش حديث من حيث التجهيز والكفاءة العملياتية . وتمضي الصين في سياستها هذه في وقت تتمسك فيه الإدارة الأميركية الجديدة بنظام الدفاع الصاروخي الذي يلقى معارضة عالمية وحتى من الحلفاء الأوروبيين في الناتو . وتعتبر الصين هذا المشروع ذو آثار مدمرة خشية أن يمتد ليشمل تايوان وتأمين حماية أميركية لها .
وكان قيام الصين في 11 يناير/كانون الثاني الحالي بتجربة تدمير قمر صناعي بواسطة صاروخ، قد ترك صدى كبيرا في واشنطن، التي اعتبرت العملية بمنزلة تجربة وتحذير، في اللحظة التي تمر فيها الولايات المتحدة بحال من الضعف والتراجع، بسبب الإخفاق العسكري والسياسي في العراق والشرق الاوسط بصورة عامة. واعتبرت العملية من جانب أمريكا تجاوز الجيش الصيني لعتبة مهمة، على مستوى قدرته على شطب عامل التفوق الأمريكي، في حال حصول مواجهة بشأن تايوان.
واذا كانت الاستخبارات الأمريكية تتابع عن كثب، ومنذ وقت طويل المساعي التي يقوم بها الجيش الصيني على مستوى تطوير انظمة اسلحته المضادة للاقمار الصناعية، فهي لم تستطع ان تعرف او تخمن المدى الذي قطعه الصينيون في هذا الميدان، وها هو التقرير السنوي الاخير الذي صدر عن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) في مايو/ايار الماضي، يقدم تقييما لايحيط بما وصلت اليه الصين على مستوى تطوير قدراتها الفضائية. يقول التقرير "تستطيع الصين اليوم ان تدمر او تلحق الضرر بقمر صناعي، فقط عن طريق اطلاق صاروخ بالستي، او مركبة فضائية مزودة بسلاح نووي". إن هذا يختلف كليا عن التجربة الاخيرة، التي برهنت خلالها بكين انها قادرة على اصابة قمر صناعي يحلق على ارتفاع 850 كلم، وهو مدى يتجاوز ارتفاع كافة الاقمار الصناعية الأمريكية العسكرية.
لقد توقف سباق التسلح الفضائي في نهاية الحرب الباردة، وهاهو يبدأ من جديد. وحسب مصادر أمريكية فإن الصين أرسلت في سبتمبر/ايلول الماضي، اشعاعات "لايزر" من الارض في اتجاه قمر صناعي أمريكي. وبالنسبة لوزارة الدفاع الأمريكية ان تدمير الصين لاقمار المراقبة الأمريكية، سوف يكون المرحلة الاولى في هجوم صيني، تحتفظ فيه بكين بموقع افضل لتواجه اسطولا أمريكيا أعمى. ووفقا لهذا السيناريو، فإن الصين سوف تستخدم فريقا معلوماتيا لاختراق شبكات كومبيوترات الدفاع الأمريكية وشلها، ونشر كمية كبيرة من صواريخ ارض - بحر، لمنع حاملات الطائرات الأمريكية من الاقتراب من السواحل الصينية.
تعتمد القوة العسكرية الأمريكية الى حد كبير على التكنولوجيا، وخصوصا الفضائية. وفي مناورات مشتركة بين سلاحي الجو الأمريكي والهندي، تمكنت الطائرة المقاتلة “سوخوي” المصنعة في روسيا من السيطرة على طائرة إف 15 الحربية الأمريكية، حين انقطعت عن نظام القيادة عبر الاقمار الصناعية، والرادارات الموجهة من خلال طائرت الاواكس.
وفي مقال نشرته في صحيفة "واشنطن بوست" في 25 يناير ،2007 الاختصاصية الأمريكية في الشؤون الآسيوية في مجلس العلاقات الأمريكية الخارجية "اليزابيت ايكونومي"، قالت محذرة بأن "صعود القوة الصينية سوف يصبح أكثر صعوبة وإثارة للاضطراب، أكثر من أي قوى دولية أخرى". ويقول خبراء اوروبيون انه ليس مصادفة ان تطلب الولايات المتحدة، في هذا الوقت بالذات من تشيكيا وبولونيا، السماح لها بإقامة قواعد عسكرية في اطار برنامج "الدرع الصاروخي" الأمريكي المضاد للصواريخ.
ويرى المحللون أن هيكل القوة النووية في أسيا سيشهد تغيرات هائلة خلال السنوات القادمة , مما سيؤثر على صيغة التوازن الاستراتيجي في قارة أسيا , ويأتي في مقدمة العناصر المؤثرة في ذلك اتجاه الصين على وجه التحديد لتعزيز قدراتها النووية لردع الولايات المتحدة من ناحية وتعزيز مكانتها الدولية من ناحية أخرى . وتبرز الآن مصلحة مشتركة روسية – صينية في مواجهة سياسة الهيمنة الأميركية . فروسيا تحتاج إلى مساندة الصين في موقفها ضد توسعات حلف شمال الأطلسي وسياسات الولايات المتحدة المتعنتة والمهيمنة على الحلف , ونظام الدفاع الصاروخي الأميركي , والصين تحتاج إلى تأييد لموقفها تجاه تايوان حيث تخشى الصين تطور العلاقات التايوانية الأميركية في إطار اتساع دائرة النفوذ الأميركية بعد انتهاء الحرب الباردة .
وأمام هذا الاتجاه العام للسياسة الأميركية نحو نشر نظام الدفاع الصاروخي, والزيادة الضخمة في انفاقها العسكري خلال السنوات الخمس القادمة ,حيث وصلت الميزانية إلى 380 مليار دولار في عام 2005 , ونظرة واشنطن إلى العالم كله باعتباره ساحة حرب محتملة ومسرحاً يجب أن تكون قادرة على التحرك فوقه , وتأكيد واشنطن بأن الفضاء سيحتل من الآن فصاعداً مكاناً بارزاً في التخطيط الاستراتيجي الأميركي , جاء الرد الروسي – الصيني على الهيمنة الأميركية بطريقتين , الأولى هي الاستمرار في تطوير قدراتهما العسكرية واستخدام أحدث الوسائل التكنولوجية خاصة في مجال الصواريخ بعيدة المدى , والطريق الثاني هو إبرام المعاهدة الروسية – الصينية لإقامة تحالف استراتيجي قادر على الوقوف بالمرصاد في وجه الهيمنة الأميركية على المسرح الدولي .
فهل سيشهد العالم حرباً باردة جديدة ؟
أظهرت أحداث الأعوام الأخيرة أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تستطيع بشكل انفرادي الهيمنة على العالم. ففشل الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط وعدم التمكن من معالجة وفرة من المشكلات في أفغانستان والعراق، ووصول السياسة الأمريكية المتوجهة لعزل إيران وسوريا إلى مأزق، وممارسة ضغط شديد على كوريا الشمالية وصلت إلى طريق مسدود، كل هذه العوامل اقتضت المجاهرة بالحالة التي أصبح عليها العالم في ظل السعي الأمريكي لإقامة امبراطورية عالمية جديدة.
وهذا ما جعل الرئيس الروسي بوتين في مؤتمر الأمن بميونيخ يجاهربرأيه، وهو الأمر الذي أمكن للكثيرين من قادة أوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا أن يدلوا بتصريحات مماثلة، ولكنهم لم يصلوا إلى المدى الذي وصل إليه بوتين لأسباب متعددة، ولكن بوتين استطاع بصفته رئيسا لدولة وحيدة تملك القدرة العسكرية النووية الضرورية لمواجهة الولايات المتحدة إفهام الطبقة السياسية الأمريكية بأن هناك وجهة نظر مغايرة وعلى قادة الولايات المتحدة أن يأخذوا في الاعتبار الرأي البديل لكنه لم يدع إلى بدء حرب باردة جديدة، وإن ما قاله يعبر عن رؤيته للنظام العالمي القائم وأعمال الدولة التي تطمح للسيطرة على العالم.
وتحمّل روسيا أمريكا التصعيد الحالي بشأن الدرع المضاد للصواريخ .وهي ترى أن واشنطن تعتمد على معايير مزدوجة في التعامل معها ،لاسيما في الاتفاقيات الموقعة بينهما، وتشدد على أن واشنطن هي التي تخرق هذه الاتفاقيات، ومثال على ذلك نيتها في نصب منظومات صواريخ في أوروبا الشرقية والتي تعتبر خرقا فاضحا لاتفاقية تقليص الأسلحة الموقعة بين البلدين والتي تهدد روسيا بالانسحاب منها لعدم مصادقة واشنطن عليها حتى الآن.
و تسخر روسيا من الذرائع الأمريكية المقدمة بشأن نصب صواريخها في تشيكيا وبولندا مؤكدة في الوقت نفسه أن لا إيران أو كوريا الشمالية لديهما من الصواريخ التي يمكنها الوصول الى المناطق الأمريكية، وان مواقع عناصر منظومة الدفاع المضاد للصواريخ لا يتطلب وجودها هناك، محذرة في الوقت نفسه من ان مثل هذا السباق في التسلح سيخلق حالة خطيرة في إشاعة عدم الاستقرار في العالم.
-تم ارسال المادة من قبل الكاتب توفيق المديني بتاريخ 6 أفريل 2007


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.