في سابقة قلما تسجل في اروقة الاممالمتحدة تمسك ريتشارد فولك المقرر الاممي الخاص بحقوق الانسان في الاراضي الفلسطينية المحتلة بتقريره المثير بشان العدوان على غزة رافضا بذلك موقف كل من السفير الامريكي والاسرائيلي في الاممالمتحدة اعتبار ان اسرائيل ليست قوة احتلال في قطاع غزة مشددا في ذات الوقت على ضرورة فتح تحقيق كامل بشان العدوان على غزة ضمن اطار القانون الدولي . ولاشك ان في الموقف الذي سجله المسؤول الاممي وهواليهودي الامريكي والاخصائي في القانون الدولي ما يؤشر ان المعركة القانونية والانسانية والاخلاقية التي ارتبطت بالعدوان على غزة التي لا تزال في بدايتها لن تكون هينة لا سيما وان واشنطن ومعها تل ابيب اصرت ومنذ اللحظات الاولى لصدور تقرير فولك على استهجانه ورفضه واتهامه بالتحيز. وبعيدا عن العودة الى تقرير فولك الذي قد يرفع الستار عن مختلف صفحاته في الايام القليلة القادمة فان ما كشف منه حتى الان وما حمله في طياته من اتهامات للقوات الاسرائيلية بالاستهداف المتعمد للمدنيين ومن استغلال للاطفال كدروع لهم ومن هدم للبيوت والمنشآت الفلسطينية كان كفيلا يتحريك عجلة الدعاية الاسرائيلية والدعوة لنسفه والغائه وتكرار ما حدث مع تقارير سابقة لكشف جرائم الاحتلال... فليس سرا بالمرة ان فولك كان ولايزال احد الذين تسببوا في احراج اسرائيل اكثر من مرة وقد رفضت سلطات الاحتلال في مناسبات مختلفة السماح له بالعبور الى غزة وتعمدت ايقافه ساعات طويلة في مطار بن غوريون قبل ان تعود الى ترحيله مع فريقه الى جنيف , وفولك له تجربة طويلة مع الاسرائيليين وهو الذي لم يتردد في مقارنة ممارستهم بممارسات النازيين بل واطلاق تعبير المحرقة على الحرب في غزة وفولك يعد من اشد منتقدي الحرب على العراق واكثر المشككين في هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي اعتبر انها تمت بتواطؤ اطراف داخلية وهي المواقف التي جعلته عرضة للتشكيك في مصداقيته واتهامه بالتحيز... لقد تعددت منذ نهاية العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة التقارير الصادرة عن عدد من المنظمات الحقوقية الانسانية وغيرها من المنظمات الحكومية والدولية التي تحركت بعد عملية الرصاص المسكوب لرصد ونقل ما اقترفته آلة الحرب الاسرائيلية في القطاع لاستكمال الحصار الخانق الذي فرض على مليوني فلسطيني منذ اكثر من ثمانية عشر شهرا. ولعل من حاول احصاء تلك الدراسات والتقارير قد يجد صعوبة في ذلك دون العودة الى مصادرها نظرا لوفرتها واختلاف الاطر التي صدرت ضمنها بين ما يكتسي صبغة انسانية او صبغة قانونية او اقتصادية اوبين ما يجمع مختلف هذه الاطر وغيرها ايضا بما يجعلها تكتسي اهمية خاصة مستقبلا في الكشف عن الابعاد الحقيقية للحرب وهي ابعاد غير خفية لمن شاء توخي الموضوعية والعدالة في تقييمه لتلك الحرب. والحقيقة انه وباستثناء تلك الشهادات التي صدرت عن اطباء ومسعفين واعوان اغاثة ومتطوعين ونشطاء من النرويج وايطاليا وبريطانيا وغيرها من الدول الاوروبية ممن تواجدوا على عين المكان خلال العدوان الاسرائيلي على غزة والى جانب وفود الصحافيين الغربيين الذين سمحت لهم سلطات الاحتلال بالدخول الى غزة بعد العدوان وما نقلوه من روايات وشهادات وصور وقفوا على اهوالها ونقلوا اطوارها للعالم او ما امكن لعدد من الوفود البرلمانية الاوروبية التي اقدمت على زيارة غزة في اعقاب محنتها فان قائمة التقارير تبقى على درجة من الاهمية اذا ما اضفنا لها التقارير الصادرة عن منظمة هيومن رايتس واتش وغيرها من هيآت الدفاع عن حقوق الانسان والمنظمات الحقوقية في اسرائيل وفي اوروبا قبل غيرها من المنظمات الفلسطينية وحتى العربية الى جانب الاعترافات والشهادات المسجلة من جانب الجنود الاسرائيليين انفسهم ما يشكل وثيقة ادانة تاريخية في تلك الجريمة المقترفة في غزة... وهذه التقاريروان اختلفت في كلماتها ومحتوياتها وصور ضحاياها ودرجة معاناتهم تحت وقع القنابل الفوسفورية الحارقة الممنوعة دوليا فانها قد اجمعت على ان ما وقع في غزة يدخل في اطار جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية المرفوضة باستهدافها ابسط قواعد حقوق الانسان المتعارف عليها في حالات الحرب والسلم انما ستوجب استكمال التحقيقات وملاحقة المسؤولين عن تلك الجرائم. ولعل المهم اليوم وبعيدا عن الوقوع في لعبة الحسابات الخاسرة واللهث وراء جمع الشهادات المثيرة للعواطف والمدرة للدموع دون تحقيق الاهداف المطلوبة ان هناك في تلك النقارير اليوم واكثر من أي وقت مضى ما يتطلب فعلا الدراسة والمتابعة خاصة عندما يتعلق الامر بتقارير دولية اعتمدت في مقاربتها لحرب الثلاث والعشرين يوما على غزة على موقف القانون الدولية والشرعية الدولية من العدوان ومن نوعية السلاح المستعملة والاهداف التي تم التعرض لها، والمقصود هو التقرير الذي خلص اليه ريتشارد فولك المقرر الدولي لحالة حقوق الانسان في الاراضي الفلسطينية المحتلة وهو الذي شدد في تقريره الذي من المنتظر ان يرفعه امام لجنة حقوق الانسان بجنيف الاسبوع القادم على ان العمليات العسكرية التي شنتها القوات الاسرائيلية في غزة غير قانونية وتمثل جرائم حرب واسعة المدى طبقا للقانون الدولي وان القضية الاهم هي استخدام اسرائيل لاسلحة حديثة محرمة دوليا على نطاق واسع ضد شعب محتل وفي حالة حصار وهو ما يستوجب ايضا وضع الولاياتالمتحدة التي تقف وراء تمويل اسرائيل بتلك الاسلحة امام مسؤولياتها الانسانية والاخلاقية والقانونية وفقا لشروط العدالة...