اختتم السيد البشير التكاري وزير العدل وحقوق الانسان مساء اول امس الجمعة اشغال الملتقى الوطني التي نظمته كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس بالتعاون مع وحدة البحث «قانون مدني» حول الاحتفال بمرور «خمسون عاما من فقه القضاء المدني 2009/1959» وذلك بنزل الشيراتون بالعاصمة. وبين الوزير في مستهل الكلمة التي القاها بالمناسبة اهمية الموضوع المطروح في هذا الملتقى مبينا انه اختيار يعكس التواصل الايجابي بين المؤسستين الجامعية والقضائية. وتتزامن هذه الخمسينية مع احتفال تونس هذه السنة بخمسينية الدستور التونسي الذي عرف ابرز محطة اصلاحية في تاريخه سنة 2002، وهو تعديل جوهري اراده سيادة الرئيس زين العابدين بن علي مكرسا لنظام سياسي متطور يصون الجمهورية ويدعم قيمها ومؤسساتها ويؤكد الضمانات القضائية المتوفرة للافراد. وتحدث مطولا عن العلاقة الوطيدة بين الفقه وفقه القضاء، وهي علاقة تجسم التناغم المتواصل بين السلطتين القضائية والتشريعية والتي حرصت السلطة التنفيذية من ناحيتها على تكريسه في مشاريع قوانين ساهمت في تطوير المنظومة التشريعية الوطنية وتأكيد حداثتها واصالتها. وقد توطدت العلاقة بين الفقه وفقه القضاء بصفة ملحوظة منذ التحول بعد احداث مؤسستين هامتين حرص رئيس الدولة على تدعيمهما وتكريس اشعاعهما باستمرار وهما المعهد الاعلى للقضاء الذي انشىء سنة 1985 ومركز الدراسات القانونية والقضائية الذي انشئ سنة 1993. وتمثلت مساهمة مركز الدراسات في مزيد التعريف باجتهادات فقه القضاء التونسي من خلال الحرص على اصدار مجلة القضاء والتشريع التي واكبت اخر المستجدات في مجال فقه القضاء. وسعت الوزارة في المدة الاخيرة الى ان يتولى هذا المركز اعادة اصدار نشرية محكمة التعقيب كاملة باجزائها المدنية والجزائية انطلاقا من ان الاطلاع على القرارات الصادرة عن محكمة التعقيب هو حق لكل باحث وواجب على القاضي وعلى المحامي، كما سعت الوزارة ايضا الى جمع معظم القرارات الصادرة عن الدوائر المجتمعة في مؤلفات مخصصة للغرض ايمانا بدور هذه الهيئة القضائية في تطوير وتوحيد فقه القضاء. فقه القضاء ومحيطه الاجتماعي واوضح الوزير ان فقه القضاء التونسي ثري وسباق وغير منعزل عن محيطه الاجتماعي ووثيق الصلة بمحيطه الاكاديمي. وفي هذا السياق يجمع فقهاء القانون على ان دور القاضي لا يقتصر على فهم القانون وتأويله فحسب بل يمتد الى اتمام التشريع ايضا في صورة وجود فراغ في النص مرده في بعض الحالات صمت واضع القانون عن التعرض لمسألة معينة، ويتمم القاضي كذلك عمل المشرع حين يقوم بتأويل قاعدة قانونية تكتسي شيئا من الغموض حتى جاز لبعضهم ان يعتبر ان القاعدة القانونية تولد مرتين: مرة عند سن المشرع لها ومرة عند تطبيقها من قبل القضاة. ويمكن للباحث في تاريخ فقه القضاء التونسي ان يلاحظ ان روح الاجتهاد والتجديد والتحديث التي تحلى بها القضاة في قراءتهم للقاعدة القانونية تميزت بالجرأة والشجاعة، فانتهج فقه القضاء، وما يزال، اسلوبا يعتمد المنهج الحداثي في فهم القاعدة القانونية واستقرائها واستنباطها وفق متطلبات الواقع والمصلحة العامة وعاضد بذلك مجهود المشرع وظل فقه القضاء الى اليوم مادة ثرية لتطوير التشريع. ومثل فقه القضاء من ناحية اخرى خير حافز للمشرع للتدخل في اتجاه مزيد احكام بعض القواعد القانونية والشواهد على ذلك عديدة وتقيم الدليل على قيام القضاة التونسيين على احسن وجه بالدور الموكول لهم من حيث تقصي القاعدة القانونية وفهم ما كان غامضا من احكامها ورفع اللبس الذي قد يشوب النص من خلال استقراء مقاصد المشرع واستجلاء نواياه وارساء نظرة جديدة ارتقت الى مرتبة العمل الخلاق. ولعل ابرز تجليات هذا العمل الخلاق للقضاة ما انتجوه من قرارات تعقيبية، حيث وجدت اذانا صاغية لدى المشرع فكانت فيما بعد احدى دوافع تعديل نصوص قانونية كثيرة من بينها القانون المتعلق بزيارة الاجداد في صورة وفاة احد والدي المحضون ضمن الفصل 66 مكرر من مجلة الاحوال الشخصية واقرار نظام متكامل للتحليل الجيني في اثبات الابوة او الامومة بموجب قانون 20 اكتوبر 1998 المتعلق باسناد لقب عائلي للاطفال المهملين او مجهولي النسب.