ما من شكّ أنّ الشّرطيّ اليونانيّ الذي قام بتمزيق المصحف الشريف الذي وجده في حوزة شابّ مُسْلم مهاجر استوقفته دوريّة شرطة في أحد أحياء العاصمة اليونانيّة أثينا، إنّما كان يصدر في تصرّفه البغيض ذاك عن خلفية عنصريّة جاهلة وحاقدة وليس عن موقف دينيّ أو عقديّ.. ذلك أنّه لا يمكن - في رأينا - لأيّ إنسان مؤمن (Croyant) - في المطلق - مهما كانت ديانته أن يتجرأ على الكتاب المقدّس لإحدى الديانات السماويّة الأخرى لأنّ تجرّؤه على أيّ من هذه الكتب السماويّة ومحاولة تدنيسها بأيّ شكل من الأشكال (إنّما) هو فعل مناقض لمبدإ الإيمان ذاته.. نقول هذا الكلام لأنّنا لا نريد - من جهة - أن نُحمّل واقعة تدنيس المصحف الشّريف من طرف الشرطيّ اليونانيّ والتي لا تزال تثير ردود فعل احتجاجيّة مختلفة في أوساط الجالية المسلمة باليونان أكثر ممّا تحتمل... ولأنّنا - من جهة أخرى - نريد أن نُفَوّت على دُعاة «المواجهة الدينيّة» بين الثقافات والحضارات سواء كانوا من مجموعات اليمين المتطرّف داخل التنظيمات والأحزاب السياسيّة في أوروبا أو من جماعات التشدّد والتطرّف والغلوّ في صفوف الجاليات المسلمة داخل هذه المجتمعات ذاتها - نُفَوّت عليهم - فُرْصة الدّخول «على خطّ» الحدث واستغلاله من أجل تعميق مشاعر العداء والترويج لخطاب الإقصاء والكراهيّة بين الأجناس والأديان... ولعلّ منظمات مناهضة العنصريّة في اليونان وهي تنضم إلى تحرّكات التنديد بالممارسة البغيضة التي أتاها الشرطيّ اليونانيّ في حقّ المصحف الشّريف إنّما ترمي إلى تحقيق نفس الهدف... ولكن، لا بدّ أيضا - وبالمقابل - لكلّ متتبّع أن يُسَجّل بكلّ استنكار تواتر وتصاعد ظاهرة ممارسات التجرّؤ على المصحف الشّريف على امتداد السنوات القليلة الأخيرة... فمن حوادث تدنيس المصحف في معتقل غوانتنامو سيّء الذكر الى عمليات تدنيسه وتمزيقه في أقبية سجن أبوغريب ببغداد في ظلّ الاحتلال الأمريكي للعراق... مرورا بحوادث تدنيسه - المسكوت عنها غالبا - في سجون الاحتلال الإسرائيلي... كلّها ممارسات تبدو - على الأقلّ من حيث تواترها وارتفاع عددها خلال السنوات القليلة الأخيرة - بمثابة الظاهرة البغيضة الطارئة على ساحة التعايش الإنساني خاصة في ظلّ المشهد الدولي الذي أعقب الغزو الأمريكي للعراق... لذلك لا بدّ للقائمين على شأن الحياة الروحيّة داخل المجتمعات الإنسانيّة عامّة سواء كانوا رجال دين أو دعاة أو أيمّة أو رموز ومرجعيات روحيّة عُليا من مختلف الديانات أن ينتبهوا لمثل هذه الظاهرة المهينة. ولكن، هل يمكن للمجتمع الإنسانيّ أن يأمل فعلا - في موقف شجاع وحضاريّ كهذا وبعض الرموز الدينيّة والمرجعيّات الروحية العليا لبعض الأديان نجدها لا تتورّع - أحيانا - في التصريح ب«أشياء» تبدو بدورها بغيضة ومستفزّة دينيّا وحضاريّا!