مع اقتراب موعد الاحتفالات الدينية اليهودية بمعبد الغريبة (9 10 ماي الجاري) تواترت التصريحات من عدّة جهات وأطراف تحذّر اليهود من خطر التوجّه إلى جزيرة جربه مشيرة إلى «وجود استعدادات باستهداف مواقع يهودية بتونس»، وتأتي هذه التحذيرات على إثر الشعارات المعادية لليهود التي رفعتها بعض المجموعات المتطرّفة، بدأت مع زيارة رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة إسماعيل هنية لتونس خلال شهر جانفي الفارط بدعوة من حركة «النهضة» التي نفت أيّة علاقة لها بمثل هذه الشعارات واصفة رافعيها «بالمجموعة الهامشية التي تريد المزايدة على حركة «النهضة» والتشويش على نشاطها». ولكن «هذه المزايدة» لم تقف عند هذا الحدّ حيث أنّ بعض الأئمّة المحسوبين على التيّار السلفي الذي استولى على ما لا يقل عن 400 مسجد بعد أحداث الثورة، نادوا في خطب الجمعة «بتدمير اليهود» دون رادع من طرف سلطة الإشراف كما أنّ أفرادا من منتسبي نفس التيار دعوا خلال تظاهرة أقيمت يوم الأحد 25 مارس للتنديد بالاعتداء على المقدّسات على إثر تدنيس المصحف الشريف إلى «قتل اليهود» وهي نفس التظاهرة التي نادى أثناءها أحد الوعّاظ بوزارة الشؤون الدينية «بالموت للسبسي وجماعته». وتتالت مثل هذه الدعوات المستهجنة التي لاقت التنديد من عديد الأطراف السياسية والحقوقية لتصل إلى قبّة المجلس الوطني التأسيسي، حيث حذّرت إحدى النائبات من خطر تزايد بيع أراضي جزيرة جربة لليهود، وتكرار مأساة فلسطين في تونس، الأمر الذي أثار انزعاج الجالية اليهودية التونسية البالغ عددها حوالي 1.500 وردود فعل متباينة في الأوساط الإعلامية والسياسية. وممّا يثير الانتباه هو الطلب الذي يعتزم ممثلو الجالية اليهودية تقديمه إلى المجلس الوطني التأسيسي لإدراج بعض الفصول التي تضمّنها عهد الأمان صلب الدستور الجديد»(التونسية عدد 132 بتاريخ 6 ماي 2012 صفحة 6) وهي مسألة يجب أخذها مأخذ الجدّ نظرا لما تنطوي عليه من مقاصد قد تبدو في ظاهرها عفوية الهدف منها تأكيد الأمن و الأمان للطائفة اليهودية و لكن في باطنها ضرب في الصميم للثورة التونسية التي قامت على جملة من المبادئ منها بالخصوص الحرية والعدالة والمساواة للجميع، ولعلّ في التطرّق إلى الفصول التي تنصّ صراحة على «تأكيد الأمان» لسائر التونسيين» على اختلاف الأديان والألسن والألوان» ما يشير إلى الانحياد على هذه المبادئ والقيم النبيلة. فالوثيقة الأساسية لعهد الأمان التي أعلنها محمد باي يوم 9 سبتمبر 1857 هي أوّل نصّ يمنح السكان التونسيين حقوقهم الأساسية في الأمن على أرواحهم وأملاكهم وأعراضهم وتتكوّن من مقدمة و11 مادّة أو فصلا وتتّجه إلى جميع سكان تونس «مهما كانت دياناتهم وأجناسهم وجنسياتهم، بما يعنيه ذلك من مسلمين ويهود، تونسيين وأجانب». كما يقرّ «الحرية في ممارسة الأنشطة التجارية والتملّك شريطة الالتزام بالقوانين العامة».ويجدر التذكير أن هذه الوثيقة شكّلت منطلقا لإصدار دستور 1861 على يد المنصف باي والذي يعتبر أوّل دستور عربي كرّس عديد المبادئ وينظم الحياة السياسية ويفصل بين السلط الثلاث. فهل أنّ تونس سنة 1857 كانت أكثر تسامحا و حماية للأقليّات من تونس 2012 ?وهل أنّ القوانين المعمول بها حاليا لا تكفل الحقوق للجميع مهما كانت دياناتهم و لا تضمن حريّة المعتقد? وهل أنّ في التصريحات الصادرة عن بعض الأطراف الخارجية دعوة غير مباشرة للضغط على الحكومة التونسية والمجلس التأسيسي لإدراج مسألة حماية الأقليات و حريّة المعتقد صلب الدستور الجديد? في اعتقادي يجب أخذ المسألة مأخذ الجدّ وإيلائها الأهمّية التي تستحق باعتبار ما يمكن أن تشكّله من أخطار على الوحدة الوطنية أوّلا ومن ضرب للقيم التي ناضل التونسيون من أجلها سواء إبّان الاستعمار أو أثناء الثورة ثانيا ومن انتكاس لصورة البلاد في الخارج وانعكاسها على مصالحها ثالثا، وربّما هذا ما تفطّنت إليه الحكومة التي بادر رئيسها حمادي الجبالي بطمأنة الحجاج اليهود، وأكّد أن تونس ستبقى دائما بلد التفتح والتسامح، ومن جهتها نفت وزارة الداخلية المزاعم الإسرائلية بوجود مخطط لتنفيذ عمليات إرهابية ضدّ اليهود وفي هذا أكثر من رسالة رغم أنّه لا يوجد بلد في العالم بمنأى عن أيّ عمل إرهابي لأنّ الإرهاب لا دين و لا وطن له وأحداث سبتمبر 2001 بنيورك كما حادثة جربة في افريل 2002 أكبر دليل على ذلك. وحريّ بالحكومة في هذا الظّرف بالذات أن تكون أكثر حزما تجاه الدعوات إلى التكفير و القتل وتدمير اليهود إذ أنّ بلاغات الاستنكار وحدها لا تكفي ما لم تعمل وزارة الشؤون الدينية على معاقبة أصحاب هذه الدعوات من الائمة و مالا لم تبادر النيابة العمومية بفتح تحقيق من تلقاء نفسها ضدّ الداعين إلى القتل، وما لم يقم الأمن بملاحقة هؤلاء طبقا لما تنصّ عليه القوانين الداخلية والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها تونس حتّى لا يقال إنّ البلاد سائرة في اتجاه التطرّف فالحريق بدايته شرارة والشرارة التي انطلقت من سيدي بوزيد ذات يوم 17 ديسمبر 2010 لتشعل البلاد طلبا للحرية و العدالة والمساواة يجب أن تظل كذلك لا أن تحيد عن أهدافها لتشعل نار الفتنة والفرقة وتضرب في الصميم وحدة الوطن.