عندما يحين موعد التصويت المرتقب في مجلس الامن الدولي على مشروع القرار الامريكي البريطاني بهدف توسيع دور الاممالمتحدة في العراق خلال الايام القليلة القادمة فان الاكيد ان نتيجة التصويت لن تحمل معها حلا سحريا من شانه ان يضع حدا لمعاناة الشعب العراقي التي استمرت اكثر مما ينبغي لها الاستمرار. واذا كان من المرجح ان يتبنى المجلس القرار بالاجماع كخطوة اولى باتجاه اعادة الاممالمتحدة المغيبة عن الساحة العراقية فانه لا شيء من شانه ان يؤشر الى انه بامكان المنظمة الدولية ان تضطلع بدور يذكر في المرحلة الراهنة سواء باتجاه تخفيف حدة الاقتتال اليومي او تغليب المصالحة الوطنية العراقية او حتى باتجاه دعم المساعدات الانسانية وعمليات الاغاثة وحماية المدنيين وتوفير الماء والكهرباء المفقود لدى السواد الاعظم من البيوت العراقية. كما ان شبح التفجيرات التي استهدفت مقر الاممالمتحدة وادت الى مقتل اثنين وعشرين من موظّفيها بينهم الممثل الخاص البرازيلي سيرجيو فيرا دي ميلو سنة 2003 لا تزال حاضرة في الاذهان وستبقى كذلك طالما ان الاسباب التي ادت الى وقوعها لا تزال قائمة... فليس سرا بالمرة ان الاممالمتحدة التي خذلت الراي العام الدولي واعلنت عجزها منذ بداية الازمة العراقية في منع واشنطن احد اكثر اعضائها النافذين في مجلس الامن الدولي من اعلان الحرب على العراق بدون قرار اممي قد فقدت مصداقيتها واضاعت هيبتها ومكانتها وهي بذلك ليست في موضع يؤهلها اليوم للاضطلاع بدور اوسع على الساحة العراقية... لقد جاء مشروع قرار عودة الاممالمتحدة الى العراق بعد اللقاء الذي جمع الرئيس الامريكي جورج بوش برئيس الوزراء البريطاني غولدون براون وشكل اعترافا ضمنيا بفشل الخيارات العسكرية الامريكية على مدى السنوات الاربع الماضية في اعادة الامن والاستقرار للعراق، بل ان نص مشروع القرار كان اشبه باستغاثة الغريق من مستنقع لا قرار له بعد ان استنفدت الادارة الامريكية كل الحلول التي راهنت عليها... فالاخبار الماساوية المرتبطة بالمشهد العراقي لا تعرف المهادنة وكل يوم بل كل ساعة تحمل في طياتها المزيد من الاحصائيات حول قوافل الضحايا الجدد واليتامى والثكالى والمهجرين واللاجئين المشتتين دون اعتبار للذين يعانون من الجروح النفسية والجسدية العميقة التي قد لا يكتب لها ان تندمل. بالامس فقط وفي مشهد بات اكثر من امر مالوف في العراق جاء خبر العثور على طفل في الخامسة من العمر يبكي بالقرب من جثث اشقائه الخمسة الذين قتلوا برصاص في الراس ليعكس واقعا لم يعد الصمت والتجاهل او الحياد السلبي ازاءه بالامر المقبول... قد لا يكون في الخبر ما يمكن ان يدعو للغرابة بعد ان تحول العراق الى حلبة مفتوحة للاقتتال اليومي ومقبرة للجثث المجهولة وباتت معه مشاهد الموت والدم العملة السائدة في بلاد الرافدين. مرة اخرى اذا كان مشروع قرار عودة الاممالمتحدة الى العراق يهدف الى انقاذ الولاياتالمتحدة من تبعات مغامرة غير محسوبة في العراق على حساب الشرعية الدولية فهو بالتاكيد لن يكون اكثر من محاولة للهروب الى الامام واللهث وراء السراب، اما اذا كان مشروع القانون يسعى الى انقاذ العراق فلا مجال من توفير الشروط الكفيلة بدعم دور الاممالمتحدة واولها تحديد جدول لانهاء الاحتلال واعادة الشرعية الدولية لترقى الى المكانة التي يمكن ان تحظى معها بثقة ومساندة الشعوب المعنية حتى تستعيد حقها في تحديد مصيرها مستقبلا...