بإصراره على حضور اشغال قمة شانغاي للتعاون المنعقدة في مدينة كيتنبرغ الروسية وظهوره الهادئ على عكس عاداته الى جانب الرئيس الروسي ميدفيديف يكون الرئيس الايراني احمدي نجاد اختار ان يوجه رسالة لا تخلو من اشارات متعددة وحسابات مدروسة وهي رسالة موجهة لاعدائه ومعارضيه في الداخل كما في الخارج قبل ان تكون موجهة لانصاره ومؤيديه وذلك في الوقت الذي يتجه فيه المشهد الايراني الداخلي الى المزيد من الصدامات والمواجهات الدموية التي اندلعت عقب الاعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية العاشرة في ايران.و لعل في تلك الرسالة الاولى التي لا تخفى على مراقب والتي اراد نجاد ترويجها من روسيا ما يعكس الحرص الايراني على تعزيز علاقاته مع الدب الروسي احد الاعضاء الدائمين في مجلس الامن بالاضافة الى عضويته في اللجنة السداسية المكلفة بالملف النووي الايراني الذي يظل احد هواجس الغرب طبعا دون ان يسقط نجاد من حساباته اهمية العملاق الصيني الذي تربطه بايران مصالح متعددة او كذلك بقية الدول الاعضاء في منظمة شانغاي والتي تشمل كازاخستان وطاجيكستان واوزباكستان وقرغزستان في مثل هذه المرحلة التي قد لا تخلو من التحديات والتعقيدات اقليما ودوليا بسبب ملف ايران النووي. وكما ان نجاد لم يكن ليترك زعماء وقادة العالم على الحياد كلما القى خطابا او اصدر تصريحا في المحافل الدولية اوالاقليمية لاسيما عندما يتعلق الامر بمواقفه من المحرقة اليهودية ومعاناة الشعب الفلسطيني فان اعادة انتخابه رئيسا لولاية ثانية لم يكن ايضا بالامر الذي يمكن ان يمر في صمت دون اثارة الكثير من المسؤولين في العواصمالغربية ممن لم يترددوا في التشكيك في مصداقية الانتخابات الايرانية كل ذلك في الوقت الذي بدا فيه النجل الاكبر لشاه ايران التعبير علنا عن حنينه الى استعادة الامبراطورية الفارسية وتوجيه دعواته للمجتمع الدولي بدعم حملة "العصيان المدني في ايران "اعتقادا منه بان أي تغيير في ايران لا يمكن ان يتحقق بدون دعم خارجي... ولعل ذلك ما نبه الرئيس الامريكي باراك اوباما ودفع به الى التذكير بان الشعب الايراني وحده من يختار قادته وانه لا يريد ان تتحول امريكا الى مشكلة في ايران بكل ما يعنيه ذلك من حساسية في المواقف بسبب العلاقات العدائية التي هيمنت على الاقل ظاهريا بين واشنطنوطهران منذ سقوط نظام الشاه قبل ان تغير الحرب على افغانستان والعراق لعبة المصالح بين الطرفين في المنطقة... و اذا كان نجاد وقف حتى الان على خط المواجهة مع خصومه من الخارج فان موسوي وكروبي ابرز منافسيه الاصلاحيين اختارا المواجهة من الداخل والانضمام الى صفوف مظاهرة المليون التي نزلت الى شوارع العاصمة طهران احتجاجا على نتائج الانتخابات الرئاسية بما يجعل المشهد الايراني مفتوحا على كل القراءات والسيناريوهات والاحتمالات من الابسط الى الاعقد بما في ذلك انتقال خطوط "التجربة اللبنانية " والانقسام الحاصل على الساحة اللبنانية بين المعارضة والموالاة الى مشهد موسع للصراع في ايران بين "الاصلاحيين" و"المتشددين" ممن احتكموا الى الشارع الايراني الذي يشهد اضخم المظاهر الاحتجاجية منذ الثورة الايرانية قبل ثلاثين عاما في انتظار زوال الغموض الذي افرزته الانتخابات الرئاسية الاكثر اثارة للجدل في ايران. على ان الحقيقة ايضا ان انضمام كروبي وموسوي للمتظاهرين الغاضبين لا يمكن ان يلغي باي حال من الاحوال افتقارهما لرؤية واضحة في هذه الانتخابات بما يحملهما جزءا من المسؤولية في النتائج التي انتهت اليها هذه الانتخابات فليس سرا بالمرة ان عدم اجماع الاصلاحيين حول مرشح واحد ضاعف فرص احمدي نجاد في الفوز وساهم بفضل الحسابات الخاطئة في تشتت اصوات الناخبين وتقليص فرص الاصلاحيين فجاءت النتائج اذا لم يثبت العكس مطابقة لما ذهبت اليه مختلف استطلاعات الراي خلال الحملة الانتخابية... وسواء نجحت المبادرة المعلنة من المجلس الدستوري في احتواء المشهد وتفادي الاسوا وتجنيب الايرانيين المزيد من الارواح والدماء بعد موافقته واعادة عملية الفرز في بعض المراكز المختلف بشانها او سواء ايضا استمر الوضع على حاله في الشارع الايراني ليتفاقم معه الانقسام الداخلي الحاصل بين تيار الاصلاحيين وتيار المتشددين فان السنوات الاربع المقبلة ستكون مصيرية في تحديد وجهة العلاقات الامريكيةالايرانية والارجح ان عودة النشاط الى التحركات الديبلوماسية الامريكية في منطقة الشرق الاوسط من سوريا الى لبنان وفلسطين المحتلة واسرائيل قد يمهد الى مد جسور للتفاوض خلف الكواليس بين طهرانوواشنطن بحثا عن ارضية للتفاهم بما يضمن مصالح الاطراف المعنية خاصة في ظل القناعة الحاصلة باهمية وموقع الدورالايراني على اكثر من جبهة من الجحيمين الافغاني والباكستاني الى المستنقع العراقي...