مكتب سياسي جديد يهيمن عليه المستقلون محمد علي الحلواني.. رئيس المجلس الوطني المتخلي يعلن انسلاخه من الحركة تونس - الصباح: تمخض المجلس المركزي لحركة التجديد الذي التأم أول أمس (الأحد) بأحد الفنادق في العاصمة، عن انتخاب السيد أحمد إبراهيم «أمينا أول» للحركة، خلفا للسيد محمد حرمل، الأمين العام المتخلي الذي كانت أسندت له الرئاسة الشرفية للحركة، بعد أكثر من 26 عاما قضاها على رأس الحزب. ويأتي انتخاب السيد أحمد إبراهيم، إثر مفاوضات ماراطونية شاقة بين المجموعة المحسوبة على السيد محمد حرمل، والمستقلين الذين انضموا للحزب قبل فترة، في سياق جهد توحيدي لتيارات اليسار ضمن أفق تشكيل قطب ديموقراطي تقدمي في البلاد. واستغرقت هذه المفاوضات حوالي الأسبوع، أي منذ اختتام المؤتمر التوحيدي في نهاية شهر جويلية المنقضي، حيث استوجب الأمر بعض الوساطات من داخل الحزب ومن الشخصيات الفاعلة صلب اليسار، داخل حركة التجديد وخارجها، من أجل التوصل إلى صيغة وفاقية أثمرت «الأمين الأول»، وتشكيلة جديدة للهيئة السياسية (مكتب سياسي)، بالإضافة إلى انتخاب أربعة أمناء مساعدين، ورئيسين لكل من لجنة «الضمانات الديموقراطية» و«لجنة المراقبة المالية»، وهما هيكلان من إفرازات المؤتمر وحصيلته التنظيمية والسياسية... قراءة في هيكل القيادة ويبدو من خلال تشكيلة الهيئة السياسية الجديدة للحركة، أن المستقلين هيمنوا - وان بدرجة نسبية - على المكتب السياسي وعلى الأمانة العامة للحركة. إذ من مجموع الاثني عشر عضوا الذين يشكلون الهيئة السياسية، نجد نحو 7 أشخاص محسوبين على التيار الجديد (المستقلين)، وهم السادة: أنور بن نوة، ومحمود بن رمضان وسليم بن عرفة والمكي الجزيري وتوفيق حويج وسمير الطيب، بالإضافة إلى السيد جنيدي عبد الجواد، الذي يبدو منحازا لتيار المستقلين، والذي لعب دورا كبيرا خلال المؤتمر، خصوصا على صعيد التحالفات وإنجاح العملية الوفاقية..الى جانب السيد عبد العزيز المسعودي. وإذا أضفنا إلى هؤلاء السيد أحمد إبراهيم الأمين الأول الجديد، الذي اضطلع بمهمة إنجاح عملية الانتقال من حركة التجديد بصبغتها القديمة، إلى الحزب الموحد، يكون المكتب السياسي من لونين غير متكافئين: لون مهيمن ينتمي للمستقلين (من الشيوعيين المستقلين ومن مكوّنات الحزب الشيوعي سابقا)، ولون ثان ضمن أقلية ملحوظة، ينتمي أعضاؤها إلى حركة التجديد (ما قبل المؤتمر التوحيدي)، وهم السادة: عادل الشاوش وحاتم الشعبوني وطارق الشعبوني ومحمد لخضر لالة. وبالطبع انعكست هذه الهيمنة التنظيمية على مكونات الأمناء العامين، الذين نجد أغلبهم من التيار الجديد صلب الحركة.. وهم السادة: محمود بن رمضان وجنيدي عبد الجواد وسمير الطيب، فيما يبدو السيد حاتم الشعبوني، الأمين العام المساعد الوحيد مما بات يوصف ب«التيار القديم» صلب الحركة أو من المجموعة المحسوبة على الأمين العام السابق.. ملاحظات.. واستنتاجات ويرى محللون ومراقبون، أن تركيبة المكتب السياسي الجديد للحركة، تترجم جملة من الملاحظات الأساسية أهمها: * حصول تغيّر هيكلي (تنظيمي) في مكوّنات حركة التجديد، بات المستقلون يمثلون الأغلبية ضمنها، مقابل تراجع «التجديديين القدامى».. * أن هذا التغير الهيكلي، تثوي خلفه تغيرات في مستوى المواقف والمقاربات، بما يجعل الحزب مقبلا على خطاب جديد سينكشف مضمونه خلال الأسابيع المقبلة.. * أن عملية التوحيد والوفاق، ستكون على المحك خلال الفترة القادمة، فإذا نجحت تماما، فسينعكس ذلك على مواقف الحركة، وإذا ما كانت عملية الدمج هذه تخفي خلافات ظلت طي الكتمان، فإن التناقضات ستكون هي العنصر المهيمن على الحزب في قادم الأيام والأسابيع.. * يشير المراقبون، إلى أن تركيبة المكتب السياسي، وشخصية الأمين العام الجديد، توحي بوجود مؤشر لشبه قطيعة مع ما يوصف ب«الحرملية» صلب الحزب.. لكن هذه القطيعة تحتاج - في الواقع - إلى كثير من الوقت لكي تتكرس عمليا بعد نحو ثلاثة عقود، كان خلالها «خط السيد محمد حرمل» ونهجه هو المهيمن، رغم وجود خلافات وتباينات عميقة بين الرجل وبعض الشخصيات التاريخية الفاعلة، على غرار أحمد إبراهيم بالذات، وعدد من كوادر الحزب الشابة التي اضطرت للانسحاب من الحزب في فترة ما، مثل السيدين فتحي قديش ومحمد الخلايفي والعديد من الكوادر الأخرى. * أن هذه المرة الثانية التي يشهد فيها الحزب منعرجا تاريخيا، بعد تحوله من الحزب الشيوعي إلى حركة التجديد العام 1993، وهو ما يعني أن هذا المنعرج الثاني، سيظل تحت المجهر، في انتظار ما يمكن أن يحصل داخله من تقلبات ممكنة (رغم وجود مؤشرات تستبعدها)، أو تأكيدات للنهج التوحيدي، مثلما يصر على ذلك السيد أحمد إبراهيم الذي يقول في تصريح خاطف ل«الصباح» بأن المؤتمر واجتماع المجلس المركزي، أثمرا «حزبا موحدا، ليس فيه قديم وجديد، ومستقل وتجديدي»... وكان البيان الصادر عن المجلس المركزي، الذي تلقت «الصباح» نسخة منه، عكس هذا الهاجس التوحيدي بوضوح، حيث جاء في نصه الذي وقعته السيدة سناء بن عاشور، رئيسة المؤتمر عبارات مثل «تمثيل مختلف الحساسيات والطاقات التي ساهمت في مسار البناء والتوحيد».. وأن المؤتمر «جسّم إجمالا مبدأ الشراكة والتنوع بوصفه أحد أسس المؤتمر التوحيدي».. تطورات هامة لكن البيان ذاته، ألمح ضمنيا إلى وجود «شيء ما» صلب الحركة، من خلال الإشارة إلى «بعض النواقص في اتجاه تشريك كافة المناضلين الديموقراطيين والتقدميين»، ودعوته الجميع «التحلي بروح المسؤولية وإلى التمسك بالوحدة والالتفاف حول المجلس المركزي وهيئتها السياسية وأمينها الأول»، وهي إشارات ذات دلالة، على أن المسار التوحيدي، يحتاج إلى جهود إضافية، ربما كانت أشد وطأ من مهام المؤتمر ذاته، وهو ما تبدو الحركة - بصيغتها الجديدة - مقبلة عليه.. ولعل من بين التطورات التي تؤكد بأن مسار التوحيد يشكو «بعض النواقص» - كما جاء في نص البيان -، إعلان السيد محمد علي الحلواني، رئيس المجلس الوطني المتخلي للحركة، انسلاخه من حركة التجديد. ويبرر السيد الحلواني، الذي كان مرشح الحركة وما يعرف ب«المبادرة الديموقراطية» في الانتخابات الرئاسية لسنة 2004، هذه الإستقالة بجملة من الأسباب أهمها، «انكشاف الدور التخريبي الذي قامت به أقلية داخل قيادة التجديد منذ مؤتمر الحركة الأول في العام 2001»، و«التنكر التام لخط حركة التجديد البراغماتي أو الميداني»، ضمن سياق «إحياء الحزب الشيوعي التونسي وإيديولوجيته الماركسية اللينينية» على حد تعبيره. واعتبر الحلواني، أن المؤتمر التوحيدي الأخير، «فشل فشلا تاما، محتوى وتنظيما»، ووصفه بكونه «موتمر التآمر والمخادعة والانتهازية».. و«التحالفات المشبوهة»، معبّرا عن رفضه لنتائج هذا المؤتمر و«قيادته المزعومة» حسب قوله.. ولا شك أن هذا الانسلاخ يطرح أكثر من سؤال حول حقيقة المسار التوحيدي لحركة التجديد، وما إذا كانت عملية انسلاخ الحلواني، تعبيرا عن تيار كامل صلب الحركة، أم ترجمة لوجهة نظر شخصية، وهل تستتبع هذا الانسلاخ، انسلاخات أخرى قادمة، أم يتوقف الأمر عند هذا الحد..؟ من المؤكد، أن نتائج مؤتمر حركة التجديد، أغضبت كثيرين صلب الحزب وخارجه، مثلما شكلت علامة مضيئة - والحق يقال - ضمن المشهد السياسي الوطني. فإلى أي مدى يمكن القول أن حركة التجديد - بصيغتها وتركيبتها الجديدة - ستقطع مع ماضيها، تنظيميا وسياسيا وعلى مستوى أسلوب إدارة الحزب وتحالفاته السياسية القادمة؟ سؤال ستجيب عنه الأسابيع المقبلة..