هناك بعض المفكرين هوايتهم خلق زوبعة وإحداث ضجة وأن يكونوا محل اهتمام من خلال التركيز على مواقف صادمة تخترق السائد. ومن غير الممكن الاستهانة بدورهم في بعث الفوضى الفكرية وتعميق الخلافات، خصوصا عندما يتصل مدار الاثارة بالمسألة الدينيّة المعروفة بدقتها وبحساسيتها، إضافة إلى ما يشهده عالم اليوم من تصدعات وصراعات وحروب شرارتها الاولى والاخيرة دينية محضة. وعوض أن يكون دور المثقف الانتصار للمبادئ الكبرى وتجذير ثقافة احترام الاديان كافة وإشاعة قيم الحوار والتسامح، فإن البعض يسعى إلى إهدار كل الجهود المبذولة من طرف نخب فكرية ودينية وسياسية. ومن هؤلاء المفكرين الذين يستخدمون الفكر" المثير" نذكر الامريكي روبرت سبنسر الذي يُكرس جهده وكتبه ومقالاته والمداخلات التي يقدمها في شتى أنحاء العالم لتشويه الاسلام وتوظيف الآيات القرآنية طبقا لهواه. فهو لا يفرط فرصة إلا ويذكي نار الحقد على الاسلام ورموزه وعلى رأسها النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وهنا يتضح لنا مدى أهمية أن يتحلى المفكر بالمسؤولية تجاه الانسانية جمعاء والاديان والثقافات والحضارات كافة وأيضا مدى العبث الذي يُمارسه مفكر يُصبح مختصا في معاداة الاسلام أو في أي دين من الاديان. ومن حسن الحظ أن صفته كخبير في كراهية الدين الاسلامي بقدر ما فتحت له أبواب الشهرة وأجلسته محاضرا متميزا في مؤتمرات دولية، بقدر ما سدت أمامه بعض المنابر ومنها المؤتمر السنوي الذي تنظمه جمعية ائتلاف المكتبات الامريكية بولاية شيكاغو ويختتم أشغاله اليوم. ذلك أن العديد من مديري المنظمات والجامعيين والباحثين احتجوا على دعوته للمشاركة في المؤتمر الشيء الذي جعل هيئة المؤتمر تُلغي مشاركته حيث كان سيقدم مداخلة حول وجهات نظر عن الاسلام بعيدا عن الصور النمطية مع العلم أن أشغال المؤتمر تُعالج الصور النمطية السلبية الشائعة عن الاسلام في الولاياتالمتحدة. وكما هو واضح، فإن روبرت سبنسر كان ينوي المناورة الخبيثة من خلال نيته المبيتة لتأكيد ما يسعى المؤتمر برمته إلى تفنيده. وفي الحقيقة، فإن المؤسف في الموضوع أن يتحول المفكر من معالج للتطرف ومن مناضل في فضاء القيم الانسانية الكبرى إلى مصدر قلق على الفكر والحضارة الانسانيين. ومما يُؤكد اختصاص روبرت سبنسر في كراهية الاسلام أنه مؤسس لموقع معادي للدين الاسلامي اسمه "جهاد ووتش"، دون أن ننسى كتابه الشهير "الحقيقة عن محمد مؤسس أكثر أديان العالم تعصبا" وهو كتاب مليء بالاحكام المطلقة والتجني والهجوم المفرط ويتقاطع مع المنهجية العلمية النسبية. ولا نستطيع أن نضع مقاربة روبرت سبنسر في إطار حرية التفكير وعلوية النقد الذي لا يعترف بالممنوعات وذلك لان أطروحة سبنسر نفسها متطرفة ونتاج تفكير متعصب وهو ما يتعارض مع رسالة الفكر الحر الذي يُجاهد من بناء عالم قليل القبح لا كثيره.