تونس الصباح تكتسي جرائم البورصة صبغة خاصة لاختلافها عن جرائم الحق العام من حيث طبيعتها ومن حيث إجراءات التتبعات الجرائية الخاصة بها. وتتميز هذه الجرائم خاصة بتقنيتها المعقدة لذا وجب وجود تجريم يراعي خصوصية الجرائم وطبيعة مرتكبيها. ولردع الإخلال بها وتجنب الآثار الضارة التي يمكن أن تترتب عن ذلك، نصّ الإطار القانوني على جملة من الأحكام لحماية الاستثمار في البورصة قصد ترسيخ ثقة المتداولين بنزاهة السوق المالية. ففيما تتمثل هذه الجرائم ؟ وماهي أصنافها وما هي الأحكام التي تنجر عنها ؟ تتكفل هيئة السوق المالية بمراقبة العمليات المالية حسب ما جاء له القانون 117 لسنة 1994 والذي يحرص على نشر معلومات موثوق فيها ،وواضحة تستجيب لمقومات المصداقية وتوفير المعلومة للمتدخلين في السوق المالية من مستثمرين ووسطاء. ويمكن تقسيم جرائم البورصة إلى أربعة أصناف، يتمثل الصنف الأول منها في جرائم تتعلق باستغلال معلومة داخلية والصنف الثاني جرائم تتعلق بالتلاعب في الاسوق من خلال المناورة أو ترويج معلومات مضللة وزائفة، أما الصنف الثالث فيتمثل في الجرائم المتعلقة بغسيل الأموال والصنف الرابع يرتبط بالجرائم التي يمكن أن يرتكبها المتدخلون بالسوق من وسطاء ومتصرفين في الصناديق ومنظوريهم. يتمثل الصنف الأول في انفراد شخص أو بعض الأشخاص دون غيرهم بمعلومة أو بجملة من المعلومات يقومون على أساسها بعمليات تداول تمكنهم من تحقيق أرباح غير مشروعة على حساب بقية المتدخلين في السوق باعتبارها لا تستدعي بذل أي مجهود من جانبهم وتجنبهم التعرض لمخاطر السوق. وقد انتهج المشروع سياسة حمائية لفائدة المستثمرين تقوم على ضمان تكافئ الفرص وإرساء مبدأ المساواة بين كل المتدخلين في السوق أمام المعلومة، وبالتالي فإن استغلال أي معلومة داخلية لم تصل للعموم تعتبر جريمة موجبة للعقاب كلما اجتمعت أركانها. وتتضمن السوق المالية بالنظر إلى طبيعتها عدم تكافئ في الحصول على المعلومة المالية ما يعبر عنه ب«Assymétrie d'information» بين صنفين من المستثمرين وهم المستثمرون غير المطلعين وهم عادة صغار المستثمرين، والمستثمرين المطلعين وهم مسيرو شركات المساهمة العامة ووسطاء البورصة وغيرهم من المهنيين بالسوق ممن يمكنهم الحصول بحكم الوظائف التي يشغلونها أو المهن التي يمارسونها على معلومات داخلية لا يمكن للمستثمرين غير المطلعين الحصول عليها. وقد يلجأ المطلعون إلى استعمال تلك المعلومات لحسابهم الخاص أو لتبليغها إلى من لهم صلة بذلك قصد تحقيق أرباح غير مشروعة دون التعرض إلى المخاطر المرتبطة بالعمليات في البورصة. يشمل الصنف الثاني لجرائم البورصة التلاعب في السوق من خلال ترويج معلومات زائفة أو مضللة أو إجراء مناورات إثر عمليات التداول المالي. وجرّم المشروع الممارسات التي من شأنها أن تحدث بلبلة أو اضطرابًا على العرض والطلب مما يؤثر على الأسعار بصفة مصطنعة وما يتضمنه ذلك من إخلال بالسير العادي للسوق والإيقاع بالغير في الخطإ. ويبق« من الصعب تحديد ما هو مفتعل وما هو طبيعي في تحديد سعر الأوراق المالية لا سيما أن المشروع لم يعرّف بصفة صريحة المناورات، مما حدا ببعض الأنظمة إلى تحديد جملة من الممارسات التي تعتبر من باب المناورات في حالة القيام بها مثل عمليات التداول التي لا تنطوي على انتقال حقيقي لملكية الأسهم المتداولة وذلك لزيادة حجم الكميات المتداولة بصفة وهمية قصد التحكم في تطور السعر صعودًا أو نزولاً لاستدراج متداولين آخرين. القيام بعمليات شراء متتابعة لكميات صغيرة ترفع السعر يعقبها بيع كمية كبيرة أو العكس أي بيع كميات صغيرة بصفة متتابعة تخفض السعر يعقبها شراء كمية كبيرة، التحكم بسعر الإغلاق من خلال إدخال أوامر بنظام التداول تتعلق بكميات كبيرة تؤدي إلى زيادة كبيرة في السعر قبل الإغلاق لإعطاء انطباع خاطئ بأن هناك اهتمامًا بهذا السهم، قيام وسيط بورصة أو محلل مالي ببث معلومات غير صحيحة أو التضخيم من أثر معلومات صحيحة لرفع السعر ثم البيع أو تخفيض السعر ثم الشراء، القيام بإدخال أوامر لبيع سهم معين مع العلم المسبق بأن هناك أوامر شراء مشابهة من حيث الحجم والسعر والتوقيت قد أدخلت أو ستدخل من قبل طرف أو أطراف أخرى مختلفة لنفس الورقة المالية وهو ما من شأنه أن يعطي انطباعًا بوجود حركية على الورقة المالية موضوع التداول. ويتعلق الصنف الثالث من جرائم البورصة بغسل الأموال، وتتمثل في إعطاء أموال مصدرها غير شرعي كتجارة المخدرات والسرقة والرشوة وغيرها من المصادر الأخرى غير المشروعة صبغة شرعية وذلك بإخفاء مصدرها الحقيقي. ويضاف إلى هذه الأصناف الثلاثة من الجرائم الصنف الرابع متمثلاً في الجرائم التي يمكن أن يرتكبها المتدخلون بالسوق من وسطاء ومتصرفين في الصناديق ومنظوريهم والتي تشمل التحيل والاستيلاء على أموال الحرفاء. السهر على حماية ادّخار الأسهم قامت هيئة السوق المالية في موفى 2008 خلال انعقاد مجلسها التأديبي ضد اثنين من موظفي وسطاء البورصة، بتسليط عقوبة تتمثل في الحرمان النهائي والكلي من ممارسة أي نشاط له علاقة بالسوق المالية، وهو آخر ما سجل من مخالفات في السوق. وقد أسند المشروع إلى هيئة السوق المالية مهمة السهر على حماية الادخار وعلى حسن سير أسواق الأوراق المالية ومنحها سلطة البحث وإجراء التحقيقات اللازمة في صورة حصول تجاوزات. وتتمتع الهيئة بصلاحيات في التتبع كما تحظى بالدعم القانوني أثناء أداء مهامها إذ يرخص القانون لأعوانها دخول المحلات المهنية أثناء ساعات العمل العادية والاطلاع على كل الوثائق والحجج والحصول على نسخ منها وحجز الوثائق والقيام بكل المعاينات اللازمة واستدعاء الأشخاص القادرين على الإفادة بمعلومات تهمّ البحث. تختتم هيئة السوق المالية أبحاثها بتقرير يحال إلى النيابة العمومية كل ما اتضح وجود قرائن تدل على احتمال وجود جرائم مالية. ويقتصر دور الهيئة على إعداد المحاضر واستنطاق الأشخاص المعنيين والقيام بتحقيقات لازمة ثم إحالة الملف إلى النيابة العمومية. ويمكن لهيئة السوق المالية أن تصدر ضد مرتكبي هذه الجرائم المخالفة للتراتيب التي تتخذها في ميدان اختصاصها قرارات بدفع خطايا مالية تصل إلى 20 ألف دينار ويمكن أن تصل إلى خمسة أضعاف الأرباح. وإلى جانب الخطايا المالية والتتبعات الجزائية، منح المشروع لهيئة السوق المالية إمكانية تتبعهم إداريًا من أجل نفس الأفعال المرتكبة.