تونس -الصباح وكالات الأسفار: ملجأ اختاره كل من عقد العزم على حزم أمتعة السفر ونوى أداء عمرة أو حج أو قضاء شهر عسل أو السفر لمهمة ما. لكن مخاوف اعترت العالم بأسره، وليس البلاد التونسية بمفردها، حالت دون إتمام ما نواه المسافر حجا أو عمرة أو سفرا. مرد ذلك الرهبة من مرض قاتل مصدره فيروس A/H1N1. قاعة فسيحة الأرجاء، حواسيب انتشرت فوق مكاتب خلت من موظفيها، ما عدى البعض الذين انكبوا على الحديث مع أحد المسافرين الذين ناهز عمره الستين عاما. اتجه بخطوات متثاقلة، يحمل وثائق بيد مرتعشة، صوب الكاتبة التي لم تهجر عملها: "...كانت قاعة الاستقبال تعج بعشرات الحرفاء يوميا...". تقول ذلك وقد أشارت بيدها إلى الكراسي اليتيمة التي لم تجد من يؤمها فشاطرت هذه الكراسي مقاعد الطائرات هجرة الحرفاء المعتمرين وافتقادهم. وتواصل الكاتبة حديثها، مطلقة تنهدا عميقا لخصت أسبابه في أن "...حرفاء الوكالة أصبحوا قلة سيما من المعتمرين بالمقارنة مع نفس الفترة من السنة الفارطة والسبب في ذلك هذه الانفلونزا اللعينة...". ما تعيشه هذه الوكالة من وضعية "صعبة" عينة من ما ينتظر أن تواجهه وكالات أخرى كانت ستنقل مجتمعة 30 ألف معتمر لموسم هذا العام، خلال شهر شعبان وشهر رمضان 1430 هجري الموافق لسنة 2009 ميلادي، مقابل مبلغ ألفي دينار عن كل معتمر. لكن هذه الوكالات لم تنقل سوى 10 ألاف معتمر فقط قد اعتمروا منذ المولد النبوي الشريف حسب ما أكده السيد الطاهر السايحي رئيس الجامعة التونسية لوكالات الأسفار. يذكر أن نظام التأشيرة لأداء مناسك العمرة بمناسبة المولد النبوي الشريف قد تم فتحه بتاريخ السبت 28 فيفري المنقضي وانتفع به ثلث العدد المبرمج أن يؤدوا العمرة. خسائر يصعب رأبها وعن الخسائر الحاصلة، أشار رئيس الجامعة التونسية لوكالات الأسفار أن الخسائر التي سجلتها 500 وكالة أسفار، موزعة على كامل الجمهورية بصنفيها "أ" و"ب"، ناهزت 4 مليارات من مليماتنا. خسارة تكبدتها وكالات مصدر تمويلها الأساسي العمرة ولا غير. وقد زاد في حدة هذا الإشكال عدم برمجة رحلات إضافية للمعتمرين خلال شهر جويلية. من جهته أكد السيد عزيز صاحب وكالة أسفار أن "الخسائر لم تطل... ولله الحمد... بقية الرحلات العادية... غير أن العجز الحاصل في المداخيل ما فتئ يتزايد في غياب بديل...". وعن حل بديل لتراجع المداخيل المتأتية من المسجلين في قوائم المعتمرين، أكد السيد الطاهر السايحي ضرورة توفير قسط يقع اقتطاعه من المبالغ الموضفة على الحج بنسبة تتراوح بين 9 بالمائة و10 بالمائة كدعم لوكالات الأسفار...". وأشار إلى أن ما يسعى إليه بعض وكالات الأسفار، التي ترغب أساسا في الحصول على قروض بفوائض منخفضة لمواجهة ما تكبدته من خسائر ما هو إلا حل مؤقت ومسكن للمرض وليس جذريا، بما أنه سيزيد الوضع تعقيدا مستقبلا، بتفاقم تبعات تلك القروض. ومن الحلول المقترحة أيضا التخفيض في نفقات الضمان الاجتماعي التي أثقلت كاهل أصحاب وكالات الأسفار والإعفاء منها أو على الأقل من قسم منها، خاصة أمام تراجع المداخيل وغياب برنامج مساندة أو ميزانية لتأهيل وكالات الاسفار في هذا الظرف الحرج محليا وعالميا. ضرر فادح ولا ريب، مرده غياب من سيقبل على أداء العمرة بعد أن تقرر رسميا تعليقها، لكن الغاية حماية النفس البشرية من شر الهلاك هو الداعي وراء هذا التعليق المؤقت. "...جاء هذا القرار بعد دراسة العوامل بصفة مستفيضة وجماعية، من قبل لجنة فنية مهمتها رصد الواقع الوبائي في العالم..." حسب ما أكده وزير الشؤون الدينية أول أمس في لقاء إعلامي. رب ضارة نافعة ومن جهتها لم تنف الخطوط التونسية انعكاسات الضرر الحاصل على مستوى رحلاتها ومرابيحها المتأتية من مبيعات الشركة. لكنها اعتبرت في المقابل أن هذا الموسم يبشر بارتفاع عدد المعتمرين للسنة المقبلة، سيما في شهر رمضان الذي يشهد ذروة الإقبال على العمرة، وهو تأثير إيجابي لكن نتائجه مؤجلة. وفسرت الخطوط التونسية ذلك بأن عدد المعتمرين والحجيج الذين لم تتسن لهم فرصة إتمام ما بدؤوا فيه هذه السنة سيجددون رغبتهم في ذلك الموسم القادم، 1431 هجري، بالإضافة إلى الحجيج والمعتمرين الجدد. الإقبال على الحج ينتظر أن يشهد تراجعا هذه السنة، حسب ما أوضحته الناقلة الوطنية. فموسم السنة الحالية لن يكون كالمعتاد: ففي حين تراوح عدد الحجيج بين 8000 و7500 خلال السنوات الماضية، ينتظر أن يشهد هذا الرقم تراجعا ليتراوح بين 3000 و3500 حاج لسنة 1430 هجري، لاسيما أنه وقع تحديد سن الحج بين 12 و62 سنة باعتبار البقية الفئة الأكثر تأثرا بفيروس أنفلونزا الخنازير. كما فرضت المملكة العربية السعودية على الحجاج والمعتمرين إجراء فحص طبي ثان. عملية نقل الحجيج ذهابا وإيابا هي عملية غير مربحة بالأساس، مثلما أكدت الخطوط التونسية ذلك، فالطائرات التي تسافر إلى البقاع المقدسة محملة بحجيجنا تعود فارغة. في حين تسافر فارغة للعودة بمن أدوا مناسك طالما تشوقوا لأدائها ولإتمام فريضة ادخروا من أجلها طويلا وانتظروها بفارغ الصبر. لكن لا سبيل لبلوغ ذلك، على الأقل في الوقت الحالي. حرص بعض المعتمرين والحجيج على الحفاظ على صحتهم وخشيتهم على سلامة من يعيشون معهم هو المبرر الذي دفع بهم إلى الاحتياط من السفر بل وجعلهم يتفادونه أيضا. لكن مازال التعويل على تفهم الجميع سيما المعتمرين على حسابهم الخاص والتونسيين العائدين إلى أرض الوطن في فترة الذروة، أوت وسبتمبر، التحدي الأكبر.