إن الكلام حول ما تكتبه المرأة في العالم العربي في كثيره محفوف بالقيل والقال ومحروس بعين متلصصة تنبش "الخاص" في حياة الكاتبة والسريّ في سيرتها الذاتية. كلام يعكس حقيقة منزلة المرأة في مجتمعاتنا، التي لم تتخلص بعد من نظرتها للمرأة كوليمة من الشهوات والرغبات المحبوسة في جسد مثير. هذه النظرة الدونية بحكم محدودية المجتمعات المنتجة لها ،تجد تربة خصبة في مجال الأدب الذي تكتبه المرأة. فالكاتبة من منظور ما يسميه بيار بورديو بالحس المشترك، هي دائما تشكو من "إعاقة" حتى لو أكد كل أدباء العالم سلامتها وغالبا ما تكون متهمة وأداة الإدانة النص الذي تقترفه حتى أن الحديث عن الكتابة في مدار المرأة يقترن بمعجم مخصوص تدور مفاهيمه حول الخطيئة والذنب والاقتراف. لذلك فإن المرأة الكاتبة في المجتمعات العربية مطلوب منها أن تخوض أكثر من معركة في نفس الوقت : معركة إثبات الإبداع داخل النص ومعركة لجم المتلصصين رجالا ونساء والذين يتلذذون بهتك السيرة الذاتية للكاتبة جاعلين منها نصا موازيا وأحيانا النص المركزي . إن هذه الملاحظات الباعثة للشجن والأسف معا، قد أثارها بطريقة مختلفة كتاب الأستاذة الباحثة نجوى الرياحي القسنطيني الذي حمل عنوان "النسائية في محافل الغربة"، وتضمن بحثا ثريا ومثيرا للتبصر في مضامينه وفي كيفية إقبال الناقدة الرياحي على مراجعة الخطاب النقدي حول ما كتبت المرأة، باعتبار أن بعض النقاد قد نظر إلى ما كتبت المرأة من منطلق جنسها ولم ينظر إلى ما كتب الرجل باعتبار جنسه، باستثناء كتابات جورج طرابيشي وعبد الله محمد الغذامي. وتكمن قيمة هذا البحث الذي خاضت غماره صاحبة الدراسة في كونه ينشغل بخصائص الخطاب النقدي حول كتابات المرأة أي أنه يندرج في إطار ما يسمى بنقد النقد وهو مجال في غاية الأهمية لكونه يُساءل النقد ويشير إلى مطباته وقصوره وهو أمر من خصال الحداثة ومزاياها القائمة لا فقط على النقد بل على استمرار نقد العقل لذاته، كشرط لازم للمحافظة على سيرورة الحداثة وكينونتها. وربما من الأشياء المثلجة للصدر والتي تفيدنا أن المعالجة للمنظومة الفكرية والثقافية قابلة للتحقيق أن الخطاب النقدي يمثل أيضا مرآة تعكس لنا حقيقة المشهد وتبوح لنا بالمسكوت عنه في الرؤى وفي الوعي المعبر عنها. لذلك فإن الخطاب النقدي الخاص بكتابات المرأة عادة ما يُعبر عن نظرته الدونيّة أو الملغومة بالشك في كتابات المرأة وفي هذا السياق نضع تلك الإشاعات التي تحوم بعديد الإبداعات النسائية والتي تتجاوز تحقير قدرتها على الإبداع إلى نزع ملكيتها الأدبية عن طريق إشاعة أنها ليست كاتبة النص وأن الأديب الرجل فلان المالك الأصلي. وفي الحقيقة ظاهرة الإشاعات والتحقير من شأن إبداع المرأة هي خاصة اجتماعية ثقافية بالأساس لذلك أحيانا نفاجئ بأن المرأة الكاتبة الزميلة تسهم التحقير من شأن إبداع المرأة الكاتبة الأخرى وهي التي تحيك السيناريوهات الماكرة ضد المرأة الكاتبة قصد إحاطتها بسلة من الشكوك. وإذا كانت الباحثة الدكتورة نجوى الرياحي القسنطيني قد اكتفت بالأدوات المعرفية العلمية لإظهار عدم موضوعية الخطاب النقدي حول المرأة الكاتبة وكيف أن معركتها يجب أن تكون مع الناقد بصرف النظر عن جنسه وليس مع الرجل الكاتب أو القارئ، فإن مجرد الإطلالة على الخطاب المنطوق به خارج النص النقدي في الجلسات وفي حوار الناقد مع نفسه الذي كثيرا ما يكون مرتفع الصوت، يظهر لنا عمق المأزق وإلى أي حد هو يتجاوز مفاهيم "النسائية" و"المؤنث" و"النسوي" باعتبارها مفاهيم على شاكلة السجون، إلى مجال آخر يتحول فيه الناقد نفسه إلى وثيقة اجتماعية نقرأ من خلالها العلاقات الاجتماعية وعلاقة المرأة بالرجل والمجتمع بشكل عام. نقرأُ فيها حرج مجتمع مازالت مسألة المرأة المبدعة فيه تنزف عقدا أغلبها مركبة. إن التعمق في قضية الجنوسة في الأدب وفي النقد خصوصا عندما تتحول مهمة النقد من النظر في فنيات الكتابة إلى البحث في سيرة الكتابة واتهامها المسبق بدونيته التي هي والتعبير للأستاذ توفيق بكار كاتب مقدمة الكتاب" جبلة في كتابات المرأة"، جهد جدير بالتلبية وبالاهتمام وأغلب الظن أنه يندرج في إطار فهم عوائق تقدم مجتمعاتنا . ومتى تُعرف الأسباب نكون قد قطعنا نصف الطريق نحو التخلص من الأثقال القيمية الثقافية. لقد اقتفت الباحثة نجوى الرياحي القسطيني أثر المرأة الكاتبة في محافل الغربة، فكانت في ذات رحلة البحث ناقدة ومبدعة ومنتجة متميزة للتساؤلات وللأفكار.