لم يجد الزعيم الدرزي رئيس اللقاء الديموقراطي والنائب وليد جنبلاط المعروف بتقلباته السياسية، صعوبة في اعلان طلاقه السياسي مع فريق 14 آذار الذي كان يعتبر أحد أهم أركانه السياسية وأقوى اللاعبين المحرضين على كتلة المعارضة المقربة من سوريا. هكذا بكل بساطة يطوي جنبلاط صفحة سياسية من تاريخه المليء بمعارك النزاعات السياسية ضد خصومه في فريق 8 آذار.. ويبدأ برسم تكتلاته الجديدة.. قديماً شرع الفيلسوف السياسي ميكافيلي تأمين المصالح بشتى السبل قائلاً "الغاية تبرر الوسيلة" وجنبلاط يمثل في تاريخنا الحديث أهم قدوة لهذه السياسية الميكافيلية فيبرر غاياته السياسية ومصالحه حتى لو أدى به الامر الى إلقاء كل تعهداته والتزاماته جانباً وجعل حلفاءه يواجهون زوابعه السياسية العاتية.. ويحفل التاريخ الجنبلاطي بالمواقف والتحالفات المتقلبة، فتارة يهتف لشعارات العروبة حليفاً أساسياً لسوريا وتارة في الطرف الاخر يهاجم بلذاعة أركانه.. والآن يقلب الزعيم الدرزي الطاولة ويقول لحلفاء الامس "لا يمكن لتحالفنا ان يستمر". نعم لا يمكن ان يستمر هذا التحالف الذي قام عقب اغتيال رئيس الحكومة اللبناني الاسبق رفيق الحريري، لجملة معطيات استراتيجية وتاريخية هامة قرأها جيداً الزعيم الدرزي.. ليتحالف مع الكفة الاقوى في ميزان القوى السياسية الاقليمية والعالمية.. خاصة مع ما تشهده من تبدلات سريعة وجذرية بعد ذهاب زمرة المحافظين الجدد في البيت الابيض (وعلى رأسهم جورج بوش) التي كانت مسيطرة بنهمها لصنع الحروب والدمار على مشهد الاحداث العالمية.. ومع الادارة الامريكيةالجديدة تبدلت جملة معطيات، فقد فرضت الازمة الاقتصادية العالمية التي تركها بوش وراءه آثارها على نمط السياسة العالمية فكان لا بد من المضي في تيار التهدئة الذي بدوره فرض تحالفات جديدة.. فها هي واشنطن تمد يدها لايران.. وتعقد صفقات مع سوريا وترسم المعادلات الجديدة في اروقة السياسة العالمية التي تقوم على تعهد دمشق بحفظ الحدود مع العراق عن طريق تعزيز قواتها العسكرية لمنع تسلل المقاتلين عبر الحدود..مقابل رفع العقوبات عن سوريا ورفع سيف محكمة الحريري المسلط على رقبتها واعطائها ضمانات في هذا المجال.. وقد بدأت بالفعل واشنطن برفع الحظر الجوي على الطيران السوري.. فضلاً عن التقارب السوري السعودي الاخير الذي كسر سنوات الجمود والجفاء السياسي بينهما.. والحقيقة ان رواسب الموقف الجنبلاطي بدأت تتراكم منذ أحداث 7 ماي 2008 حينما نزل أنصار المعارضة بأسلحتهم الى شوارع بيروت..مهددين جنبلاط رداً على تحريضه لنزع سلاح الاتصالات التابع "لحزب الله".. وقاموا بحصاره في مقر اقامته الى ان تدخل النائب الدرزي طلال ارسلان (من فريق المعارضة) ليفكوا أسره.. فمّثل هذا التاريخ صفعة قوية لجنبلاط هزت برجه السياسي وجعلته يبدو ضعيفاً أمام جمهوره الدرزي.. الذي يريد ان يرى أمامه زعيماً قوياً قادراً على حماية مصالحه ضمن هذا الكيان اللبناني القائم على صراع الاقليات لحماية مصالحها ووجودها.. ويبدو ان الزعيم الدرزي ارسلان هو من يقوم اليوم بتحضير الطبخة السياسية الجديدة ممهد اً الطريق أمام جنبلاط لزيارة دمشق.. ولكن السؤال.. هل يمكن للطرف الاخر ان يمد يده للتحالف مع من غدر بحلفائه في اللحظة التاريخية الصعبة، وهل يمكن لدمشق ان تنسى ملف الشتائم الجنبلاطية بحقها؟ والسؤال الاهم.. أي مصير للحكومة بعد الزلزال الجنبلاطي الذي أعاد خلط الاوراق مجدداً؟ وهل ينتقل جنبلاط مع كتلته النيابية المشكلة من 11 نائباً الى صفوف المعارضة للتتحول هذه الاخيرة الى أكثرية جديدة.. خاصة بعد ان رفض الرئيس ميشال سليمان عرضه بضم نوابه الى كتلته الوسطية.. وهل سيتخلى سعد الحريري عن تأليف الحكومة بعد "اعتكافه" وذهابه لقضاء فترة تأمل في فرنسا، فيقوم فريق المعارضة بتكليف أحد المقربين من سوريا بتشكيل الحكومة على غرار عمر كرامي او اختيار نجيب ميقاتي المعروف بمواقفه المحايدة.. واذا كنا اليوم أمام مرحلة جديدة قوامها التحالف الشيعي الدرزي والسني في حال انضمام تيار المستقبل الى حلفاء دمشق.. فكيف سيكون المشهد المسيحي في لبنان والمتمثل بحزبي القوات والكتائب.. هل سيصبح الورقة الضائعة في لعبة التكتلات الجديدة.. ليكون الخاسر الاكبر في زمن التهدئة والتسويات السياسية؟..