وزير البيئة: تونس تنطلق في إنجاز 'الحزام الأخضر' سنة 2026    الشرع يصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية في زيارة رسمية    عاجل : فرنسا تُعلّق منصة ''شي إن''    دربي العاصمة: تشكيلتي الفريقين    ممرض ألماني أنهى حياة 10 مرضى... ليخفف عبء العمل عليه    تونس تطلق أول دليل الممارسات الطبية حول طيف التوحد للأطفال والمراهقين    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    5 أخطاء يومية لكبار السن قد تهدد صحتهم    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    حريق بحافلة تقل مشجعي النادي الإفريقي قبل الدربي    مدير ديوان رئيسة الحكومة: قريباً عرض حزمة من مشاريع القوانين على البرلمان    أعلاها 60 مم: كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    المنتخب التونسي تحت 23 عاما يلاقي وديا السعودية وقطر والامارات من 12 الى 18 نوفمبر الجاري    الديربي التونسي اليوم: البث المباشر على هذه القنوات    ظافر العابدين في الشارقة للكتاب: يجب أن نحس بالآخرين وأن نكتب حكايات قادرة على تجاوز المحلية والظرفية لتحلق عاليا في أقصى بلدان العالم    مونديال أقل من 17 سنة: تونس تواجه بلجيكا اليوم...شوف الوقت والقناة الناقلة    المنتخب التونسي للبايسبول 5 يتوج ببطولة إفريقيا    خطير: النوم بعد الحادية عشرة ليلاََ يزيد خطر النوبات القلبية بنسبة 60٪    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    هام: مرض خطير يصيب القطط...ما يجب معرفته للحفاظ على صحة صغار القطط    تحذير من تسونامي في اليابان بعد زلزال بقوة 6.7 درجة    خروج قطار عن السكة يُسلّط الضوء على تدهور البنية التحتية للسكك الحديدية    الجزائر.. الجيش يحذر من "مخططات خبيثة" تستهدف أمن واستقرار البلاد    اختتام الدورة الثالثة للمهرجان الوطني للمسرح التونسي "مواسم الإبداع": مسرحية "الهاربات" لوفاء الطبوبي تُتوّج بجائزة أفضل عمل متكامل    النواب يناقشو مهمة رئاسة الحكومة: مشاريع معطّلة، إصلاح إداري، ومكافحة الفساد    شوف وين تتفرّج: الدربي ومواجهات الجولة 14 اليوم    الأربعاء المقبل / إطلاق تحدّي " تحدّ ذكاءك الاصطناعي" بالمدرسة العليا للتجارة    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    تركيا: 6 قتلى في حريق بمستودع للعطور والسلطات تحقق    مالي: اختطاف 3 مصريين .. ومطلوب فدية 5 ملايين دولار    تشيلسي يصعد لوصافة الدوري الإنجليزي بالفوز على وولفرهامبتون    منخفض جوي وحالة عدم استقرار بهذه المناطق    زيادة في ميزانية رئاسة الحكومة    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    بطولة القسم الوطني أ للكرة الطائرة: نتائج الدفعة الثانية من مقابلات الجولة الرابعة    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    دعوة الى رؤية بيئية جديدة    الدورة 44 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب: 10أجنحة تمثل قطاع النشر التونسي    من كلمات الجليدي العويني وألحان منير الغضاب: «خطوات» فيديو كليب جديد للمطربة عفيفة العويني    عماد الأمن الغذائي والمنظومة الإنتاجية .. الدعم لإنعاش الفلاّح وإنقاذ الفلاحة    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    عاجل: من مساء السبت والى الأحد أمطار رعدية غزيرة ورياح تتجاوز 90 كلم/س بهذه المناطق    البنك المركزي: نشاط القطاع المصرفي يتركز على البنوك المقيمة    الدورة الاولى لمهرجان بذرتنا يومي 22 و23 نوفمبر بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس    هام/ الهيئة الوطنيّة للوقاية من التعذيب تنتدب..#خبر_عاجل    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    جلسة عمل بوزارة الصحة لتقييم مدى تقدم الخطة الوطنية لمقاومة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية    أمطار بهذه المناطق خلال الليلة المقبلة    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هواجس جنبلاط.. إعصار أم زوبعة في فنجان؟
نشر في الفجر نيوز يوم 07 - 08 - 2009

لبنان«إعصار أم زوبعة في فنجان؟»، هذا السؤال أثاره إعلان رئيس اللقاء الديمقراطي والحزب التقدمي الاشتراكي الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط، الأحد الماضي خلال مؤتمر الحزب، أن «تحالفه في مرحلة معينة تحت شعار 14 آذار مع مجموعة من الأحزاب والشخصيات، كان بحكم الضرورة الموضوعية التي حكمت البلاد آنذاك، لكن هذا لا يمكن أن يستمر، فعلينا
إعادة التفكير بتشكيلة جديدة أولا داخل الحزب وثانيا على الصعيد الوطني».
الإعصار أمنية «زغردت» لها قوى «8 آذار» التي اعتبرت أن هذا الإعلان شكل انتصارا يسجل في خانتها، وبمفعول رجعي، ودفن إلى غير رجعة تجمع «14 آذار» وأطاح نتائج الانتخابات التي منحته أكثريته النيابية وأضعف رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري. وبالطبع نشطت الماكينة الإعلامية لهذا الفريق وصورت الواقع السياسي الجديد على طريقتها وبشرت بقرب الزيارة الجنبلاطية إلى دمشق مع وساطات معروفة المصادر، وبالعودة إلى نقطة الصفر في مسألة تشكيل الحكومة. إلا أن موقف «المتضرر الأول» من الإعلان الجنبلاطي، أي سعد الحريري، سدد «الصدمة الإيجابية» التي ساهمت بقطع الطريق على «زغردة» فريق «8 آذار». فقد اعتبر أن هذا الإعلان يصيب جهوده الرامية إلى تأليف الحكومة إصابات بالغة كونه صدر عن حليف ورفيق درب، فتصرف وكأن رفيقه قد غرر به وانتفض وأعلن رفضه التعامل مع وجهين لجنبلاط. الأول المتحالف مع سعد الحريري في الملف الداخلي لحفظ حصته في التركيبة الحكومية والثاني على الصعيد الإقليمي للإعلان عن انتقاله إلى حيث أمان الدروز. وكان بيان تيار المستقبل القاسي اللهجة الذي أشار من دون تسميات مباشرة إلى «التاريخ المعيب الذي كان فيه كثيرون شركاء في إعلاء مصالحهم الخاصة على مصلحة الوطن».
أكثر من ذلك، أدى الإعلان إلى قرار ب«ترحيل» التشكيلة الحكومية مع سفر الحريري صباح الثلاثاء الماضي إلى فرنسا في «إجازة خاصة» تاركا علامات استفهام يحاول كل فريق أن يقرأها في كتابه. لم يكن جنبلاط يتوقع كل هذا الغضب الحريري. لذا كان تأكيده أنه لم ولن يتخلى عن الحريري، كما أنه لا يزال يعتبر الأحزاب والشخصيات في فريق «14 آذار» حلفاءه، لتتبلور المسألة بالتأكيد على خصوصية «المجتمع الدرزي» في هذه المرحلة وحاجة «14 آذار» إلى شعارات جديدة، وذلك بعد الزيارة «الإنقاذية» لوزير الإعلام السعودي عبد العزيز الخوجة لبيروت لتحل «بردا وسلاما» على المواقف المتشنجة. وهكذا تحول إعلان الأحد إلى «زوبعة في فنجان» وعادت الأمور إلى ما كانت عليه مساء السبت الذي سبق «إعلان الأحد الانفصالي»، كما قال مصدر مقرب من جنبلاط ل«الشرق الأوسط»، وأضاف: «الضجة التي رافقت مواقف جنبلاط مبالغ فيها. فالرجل لم يعلن انسحابه ولم يتراجع بشأن الأولويات المتعلقة بسلاح حزب الله وضرورة استيعابه في إطار الجيش اللبناني والتوافق الداخلي وفي مسألة الذهاب إلى سورية على طريقته، (أي بعد زيارة سعد الحريري لها كرئيس للحكومة بعد تشكيلها في ظل وفاق وطني وأولويات واضحة يعلمها السوري واللبناني.. ويرتبها السعودي)، ومن دون أن يعير اهتمامه إلى ما يتردد عن وساطات يقول بها فلان أو علان لفتح طريق دمشق أمامه. فالأكيد أن لا رسائل جوالة بين جنبلاط والجانب السوري. وأي كلام مغير لا أساس له من الصحة».
يوافق النائب في كتلة التنمية والتحرير (التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري) عبد المجيد صالح، فيقول: «جنبلاط أكد أنه سوف يحل مسألة زيارته إلى سورية على طريقته. همه الآن استعادة وحدة الطائفة الدرزية وامتدادها العربي. في ظل أجواء المصالحة والدور السعودي، سيزور الحريري دمشق بعد تشكيل الحكومة». يبقى أن توقيت الكلام الجنبلاطي وأسلوبه يحمل إشارات سلبية، يوافق المصدر المقرب، إلا أنه يؤكد على «صوابية المضمون القاضي بأن خوف جنبلاط على السلم الأهلي في محله. ويجب تفهم خطواته الاستباقية في هذا الإطار». ويفتح هذا الكلام أبوابه على المفصل الضعيف في القلق الجنبلاطي. فهو يعتبر أن المستفيدين من أي فتنة شيعية سنية هم كثر في لبنان. كما يعتبر أن الدروز خاصرة رخوة تمهد لهذه الفتنة إذا لم يتم نسج علاقات وطنية بين اللبنانيين، وتحديدا الدروز والسنة والشيعة، وبالتعاون مع الحريري وحزب الله. لكن الوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون (مستقل) يحدد مكمن العلة، فيقول: «أحداث السابع من مايو (أيار) 2008 كانت في جزء منها تهدف إلى إعادة الطائفة الدرزية في لبنان إلى بيت الطاعة الإقليمي في سورية بقوة السلاح». هذا الهدف، إذا كان حقيقة، يعني أن «التكتيك» هدف منذ انطلاقة مسيرة «ثورة الأرز» إلى شل إيقاع جنبلاط الذي كان يسير قوى «14 آذار»، ويأخذها إلى أقصى التطرف. وهو كان قد بدأ بحدة مع شعارات لم يسبقه إليها أي من حلفائه. ولم ينس اللبنانيون أن جنبلاط، وليس أي من حلفائه، قال إنه يريد أن يعمل «زبالا في نيويورك، لأنها مدينة تحترم نفسها وليست كما هي طهران أو دمشق». وهو صاحب عبارة «بدنا الثار، بدنا الثار من لحود ومن بشار». كما وصف الرئيس السوري بشار الأسد بأشنع النعوت غير المسبوقة في الأدبيات السياسية. حتى أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله علق على الأمر بقوله إن جنبلاط يستخدم تعابيره من كتاب «كليلة ودمنة». كذلك لم ينسوا عباراته عن «سلاح الغدر» و«المجوس والفرس» و«طرد السفير الإيراني» و«إحراق الأخضر واليابس»، وموقفه المتشدد وضغطه على رئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة عشية أحداث السابع من مايو (أيار) 2008 لإصدار القرارين القاضيين بإقالة رئيس جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير والتحقيق في شبكة الاتصالات الخاصة بحزب الله، مما دفع نصر الله في غمرة تلك الأحداث إلى نعت حكومة السنيورة بأنها «حكومة وليد جنبلاط». ربما لم يكن يتوقع جنبلاط أن تقود مواقفه هذه إلى ما حصل. كأنه كان يراهن على أن حزب الله لن يستخدم سلاحه في الداخل، معتمدا على تأكيد نصر الله ذلك في إحدى كلماته، حيث قال: «لو قتلوا منا مليون شخص لن نستخدم سلاحنا في الداخل». لكنه خسر الرهان وخسر الأمان بعد محطة السابع من مايو (أيار)، لذا بدأ بالانعطاف لأنه رأى ما يهدد «الجبل» المحاصر والأعزل جغرافيا وطائفيا. يقول بيضون: «كل حركة جنبلاط بعد السابع من مايو (أيار) 2008 كانت باتجاه مصالحة سورية التي تمسك بالأمن في لبنان. حزب الله رحب إقليميا بهذا الاتجاه من دون اهتمام فعلي بانعكاسه على الصعيد الداخلي اللبناني. الوزير السابق وئام وهاب لعب دور فتح الأبواب». ويضيف: «كان معروفا أن جنبلاط سيترك فريق 14 آذار بعد الانتخابات. الخطوة متوقعة، إلا أنها شكلت صدمة لرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري». مسؤولو حزب الله اتخذوا قرارهم بعدم التعليق على مواقف جنبلاط، انطلاقا من أن هذه المواقف هي خلاصة تجربة الرجل بعدما تبين له أن العداء لسورية وإيران غير نافع وأن المجتمع الدولي الذي كان يستقوي به خيبه، فعاد إلى قواعده سالما مع سعيه إلى الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع سعد الحريري. لكن مواقف جنبلاط مع الاستثمار الإعلامي لها، أظهرت الرجل وكأنه يريد مصالحة مع سورية باسم الدروز. يقول بيضون: «دور جنبلاط في 14 آذار انتهى في السابع من مايو (أيار) 2008. وتحت وطأة السلاح نقل طائفته إلى خيمة سورية الإقليمية ليحميها، في حين يريد سعد الحريري أن ينظم علاقته مع سورية بقوة السياسة من خلال تفاهم سوري سعودي. لذا شعر أن سلوك جنبلاط في هذه المرحلة هو طعنة إقليمية وداخليه له. فهو قدم تنازلات في الدوحة لكنه لم يقبل أن يغير موقفه الإقليمي بقوة السلاح إنما من خلال تفاهم عربي».
ويرفض النائب عبد المجيد صالح ما يقال عن أن مواقف جنبلاط هي نتيجة خوفه على الطائفة الدرزية في لبنان. يقول: «لا أعتقد أن الداعي هو الخوف على الدروز في لبنان دون غيرهم من الطوائف. كل الطوائف خائفة بعد تصاعد الخطاب السياسي والطائفي. لم يكن خوفه خوفا مصيريا على طائفته وإنما عودة إلى الجذور وإلى تاريخ والده المناضل كمال جنبلاط. وموقفه يهدف إلى صهر 8 و14 آذار في بوتقة وطنية واحدة انطلاقا من دخول لبنان مرحلة الحلول بعد انتخاب سليمان رئيسا وتسمية الحريري لتشكيل الحكومة. المطلوب فك اشتباك على المستوى السياسي. فجنبلاط ليس ذاهبا للتموضع في صفوف المعارضة». واعتبر صالح أن «الساحة اللبنانية محكومة بتوافق اللبنانيين في إطار علاقات طبيعية لا علاقة لها بالأكثرية والأقلية والأعداد، إنما بالواقع السياسي والأزمات الاقتصادية التي يجب البحث عن مخارج لها والأخطار التي تنتج عن التهديدات الإسرائيلية المستمرة».
لكن هل يمكن القول إن مواقف جنبلاط المتعاقبة هي لمصلحة الدروز في لبنان؟
يقول بيضون: «كمصلحة درزية من المفروض أن يضمن جنبلاط بخطوته هذه عدم الاعتداء على الدروز أو تهجيرهم، إذا ما تولى حزب الله هذه المهمة. المعادلة اللبنانية الحالية تقوم على أن كل طائفة تحمي مواطنيها في غياب الدولة. وانطلاقا من هذا الخوف غلب جنبلاط نظرية الطائفة على نظرية الدولة». إلا أن جنبلاط، كما يشير المقربون منه، لم يكن يفكر في الطائفة دون سواها، لتتجاوز هواجسه الطائفة إلى السلم الأهلي برمته، وتحديدا بين السنة والشيعة. كان يقول لحلفائه: «أنتم تبحثون عن كرسي نيابي وحقيبة وزارية وأنا أرى أبعد من ذلك. أرى أن خطرا سوف يطيح بالسلم الأهلي. وقد يدفع الدروز ثمنه باهظا لأن لا دولة تحميهم». ويرى البعض من خلال موقفه هذا أنه يقرأ في المعطيات الإقليمية عودة سورية إلى الواجهة على حساب لبنان، كما أن الواقع في الساحة الداخلية اللبنانية يرسي معادلة «السلم الأهلي مقابل العدالة»، وذلك مع ترقب القرار الوطني للمحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بعد أن أرسى ولفترة طويلة معادلة أخرى هي السلم الأهلي مقابل السيادة في عهد الوصاية السورية.
إلا أن هناك من يقرأ هذه المعطيات من زاوية مختلفة مفادها أن الهم الاقتصادي العالمي يحتاج إلى الدعم العربي الذي يبدي استعداده لتقديمه مقابل تعهد هذا المجتمع بترتيب أوضاع المنطقة وعلى رأس أولوياتها القضية الفلسطينية، وبالتالي لا لزوم لجنوحه في هذه المرحلة تحديدا إلى حيث تشير مواقفه. ويقول صالح: «وليد جنبلاط وحده يعلم أين يضع نفسه. الساحة السياسية منشغلة بما قاله مع أنه قدم له في خطابه السياسي قبل الانتخابات النيابية وعلى أثر أحداث السابع من مايو (أيار). في كل حزب أو منظمة يقوم المسؤولون بنقد ذاتي. ربما كان التموضع الجديد لجنبلاط جزءا من النقد الذاتي لإعادة الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يرأسه إلى ينابيعه التي انطلق منها وهي أقرب إلى اليسار منها إلى أي موقع آخر. فهو يتموضع انطلاقا من تطلعات قومية ووطنية، لا سيما في ظل المطبات الأمنية والسياسية في لبنان. وما حصل في غزة جعل جنبلاط يعيد حساباته بمواجهة الوحشية الإسرائيلية، إضافة إلى أنه أعلن قبل الانتخابات أنه يسعى إلى وسطية ليصبح أقرب إلى رئيس الجمهورية ميشال سليمان على طاولة الحوار». وينتفض بعض «صقور» مسيحيي «14 آذار» ويعتبرون أن «لا لزوم للمبالغة في التشاؤم لخروج جنبلاط. فجمهور 14 آذار لا يستهان به. وسلوك الرجل دليل على ارتباكه. وخوفه على حياته هو سبب تحولاته. ويستشهدون بأنه استدعى ابنه تيمور من باريس وبدأ يحضِّره ليتولى زعامة الطائفة». إلا أن المصدر المقرب يؤكد أن «جنبلاط لم يعد يعير اهتماما لمسألة الأمن هذه. ولا يتخذ أي إجراءات تدل على هذا الخوف. هو يتحرك بحرية ويؤمن بالقدر. وأن ابنه تيمور عاد إلى لبنان بعد إنهائه دراسته وبشكل طبيعي ولا لزوم لكل هذه الأقاويل». وإذ بات واضحا أن جنبلاط لن يذهب إلى سورية قبل ذهاب الحريري إليها، يطيب لحلفاء النظام السوري في لبنان التأكيد على عكس ذلك. ويفسر عضو الأمانة العامة في «14 آذار» النائب السابق فارس سعيد الأمر فيقول: «النظام السوري يريد أن يثبت للأميركيين أن لبنان ليس سوى مجموعة طوائف يجب ضبطها وإدارتها. وبالتالي هو الأقدر على تولي هذه المهمة. وخطوة جنبلاط تعزز هذه المقولة. كذلك يريد هذا النظام أن يقدم للمجتمع الدولي أكبر مجموعة من الصور مع قادة 14 آذار، وتحديدا جنبلاط، ومن ثم الرئيس السابق أمين الجميل والرئيس المكلف سعد الحريري وكأنه بذلك يريد تقرير براءة ذمة من التهم التي صدرت بحقه بعد جرائم الاغتيال في لبنان».
وفي حين يكرر جنبلاط تمنياته أن تأتي المحكمة بالحقيقة وأن تكون عنوانا للاستقرار، وليس عنوانا للفوضى، يرى النائب عبد المجيد صالح أن «اللبنانيين فقدوا القدرة على الاستقرار والارتكاز بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وبعد أن أصبحت المحكمة الدولية تحصيل حاصل وانسحب الجيش السوري يجب أن نبدأ باستعادة التوازن. فالاستحقاقات ثقيلة».
وردا على سؤال عن اعتبار فريق من اللبنانيين المحكمة مسيسة، قال: «نحن نعتقد اعتقادا راسخا أن انتقال جريمة اغتيال الحريري إلى محكمة دولية أزاحت عن اللبنانيين ملفا خطيرا. ولا داعي للبحث عن أمور قبل حصولها. فالمحكمة ليست مفخخة وهي تسير بشكل طبيعي ومتزن وتقني. واللبنانيون يريدون الحقيقة».
وبما أن الحكومة تبقى بيت القصيد، ماذا عن التطورات المتعلقة بالتشكيلة الحكومية بعد «الصدمة الجنبلاطية»؟ في ظل التحرك السعودي «الإنقاذي» يبدو أن الآثار السلبية في طريقها إلى الزوال. ويقول صالح: «لا أرى سببا لإعاقة تشكيل الحكومة. فالرجل يذهب إلى تموضع وطني شامل وليس باتجاه موقع أو زاوية ضيقة. هو يعرف أن المنحى الوسطي هو الأسلم في لبنان. ونأمل أن تنعكس مواقف جنبلاط إيجابا على الحوار بين القوى اللبنانية».
إلا أن هذا الطرح يدفع إلى الرهان على ما إذا كان سعد الحريري يستطيع تغليب مفهوم الدولة على مفهوم الطائفة بعد ما حصل ليستفيد منه في سبيل تحصين خطواته باتجاه تأليف الحكومة؟ يجيب الوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون، فيقول: «الحريري فشل حتى حينه في إخراج التشكيلة الحكومية من المحاصصة الطائفية. لم يتمكن من التلويح بتأليف فريق حكومي يضع مصلحة الدولة قبل مصلحة الطوائف». ويسأل: «لكن هل تدفع صدمة جنبلاط سعد الحريري إلى تغيير مسار تجميع حصص الطوائف في تشكيلته الحكومية؟» ويضيف: «ذهابه إلى باريس انتفاضة على الجميع من دون استثناء. كأنه يريد أن يقول لجميع القوى التي تطالب بحصصها، ومن دون استثناء، إنه لن يقبل الابتزاز والضغط. تبقى العبرة في نتيجة الانتفاضة. فإن هي أدت إلى عودة المحاصصة الطائفية ستكون الأمور وبالا على الرئيس المكلف وسيدخل الحكومة مكبل اليدين، أما إذا غلبت حصة الدولة التي ستمكن الفريق الحكومي من الإمساك بالأمن والقضاء من دون ضغط الطوائف، حينها يكون الحريري قد انطلق في بداية صحيحة». وتوقع بيضون أن «يحدد موقف الحريري طبيعة التشكيلة الحكومة، فإذا قبل بالمحاصصة المفروضة عليه حاليا تتشكل الحكومة في فترة قريبة. أما إذا رفض، فالأمور سوف تستغرق وقتا أطول إلا أنها تأتي أشد صلابة لا سيما أن الوقت لا يزال طبيعيا ومتاحا ليؤلف حكومة وليس ليبقى شاهد زور على القوى الطائفية المتحكمة بالبلاد». إذا حصل ما تمناه بيضون يكون جنبلاط بموقفه وقلقه قد مهد لخطوة انتقالية كبرى تقود إلى أمان طائفته وأمان اللبنانيين برعاية إقليمية، فتتحول «الزوبعة في فنجان» «إعصارا حميدا».
بيروت: سناء الجاك
الشرق الأوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.