"أمامكم 24 ساعة فقط".. كبرى الشركات الأمريكية توجه تحذيرا لموظفيها الأجانب    مسرحية "على وجه الخطأ تحرز ثلاث جوائز في مهرجان صيف الزرقاء المسرحي العربي    جندوبة: حملة نظافة بالمستشفى الجهوى    تحذير هام: تناول الباراسيتامول باستمرار يعرّضك لهذه الأمراض القاتلة    عاجل: وفاة عامل بمحطة تحلية المياه تابعة للصوناد في حادث مرور أليم    بعد اجتياح غزة.. حماس تنشر "صورة وداعية" للرهائن الإسرائيليين    عاجل/ وزير ألماني أسبق يدعو لحوار مع تونس والمغرب بشأن هذا الملف    هذا ما تقرّر ضد فتاة أوهمت شبّانا بتأشيرات سفر إلى الخارج.. #خبر_عاجل    حوادث المرور في تونس: السهو والسرعة يبقيان الأكثر تهديدًا للأرواح    سوسة: اليوم العلمي الأول حول صحة المرأة    معاناة صامتة : نصف معيني مرضى الزهايمر في تونس يعانون من هذه الامراض    بنزرت "بين الجسرين" .. "المتحرك" معاناة و"الثابت" أمل    رابطة الأبطال الافريقية: الترجي الرياضي والاتحاد المنستيري من أجل قطع خطوة هامة نحو الدور الثاني    سليانة: وضع 8 ألاف و400 قنطار من البذور منذ بداية شهر سبتمبر    الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة ستتولى ابرام ملاحق لعقود برنامج "بروسول الاك الاقتصادي" بصفة استثنائية    زغوان: غلق مصنع المنسوجات التقنية "سيون" بالجهة وإحالة 250 عاملا وعاملة على البطالة    أبرز الأحداث السياسية في تونس بين 13 و20 سبتمبر 2025    اليوم العالمي للزهايمر: التأكيد على أهمية حماية المُعين من العائلة ومن الإطار شبه الطبي للمصابين بالزهايمر من الانهيار النفسي    غدا الأحد: هذه المناطق من العالم على موعد مع كسوف جزئي للشمس    جمعية المرسى الرياضية تنظم النسخة الرابعة من ماراطون مقاومة الانقطاع المبكر عن الدارسة    الاحتلال الإسرائيلي يغتال عائلة مدير مجمع الشفاء في غزة    عاجل/ بشائر الأمطار بداية من هذا الموعد..    عاجل/ حملة أمنية في أسواق الجُملة تُسفر عن إيقافات وقرارات بالإحتفاظ    بنزرت: حجز أطنان من اللحوم والمواد الغذائية المخزّنة في ظروف غير صحية    تكريم درة زروق في مهرجان بورسعيد السينمائي    من بينها تونس: 8 دول عربية تستقبل الخريف    صرف الدفعة الأولى من المساعدات المالية بمناسبة العودة المدرسية في هذا الموعد    عاجل/ ترامب يُمهل السوريين 60 يوما لمغادرة أمريكا    لكلّ من فهم بالغالط: المغرب فرضت ''الفيزا'' على هؤلاء التوانسة فقط    الكاف: قافلة صحية تحت شعار "صحتك في قلبك"    أكثر من 100 ألف تونسي مصاب بالزهايمر ومئات الآلاف من العائلات تعاني    الرابطة الأولى: برنامج مباريات اليوم و النقل التلفزي    الفيفا يتلقى 4.5 مليون طلب لشراء تذاكر مباريات كأس العالم 2026    "يوتيوب" يحظر حساب مادورو    عاجل/ عقوبة سجنية ضد الشاب الذي صوّب سلاحا مزيّفا تجاه أعوان أمن    اليوم: استقرار حراري وأمطار محدودة بهذه المناطق    عاجل: تأخير وإلغاء رحلات جوية بسبب هجوم إلكتروني    لماذا يضعف الدينار رغم نموّ 3.2 بالمائة؟ قراءة معمّقة في تحليل العربي بن بوهالي    بعد موجة من الانتقادات.. إيناس الدغيدي تلغي حفل زفافها وتكتفي بالاحتفال العائلي    القيروان.. 7 مصابين في حادث مرور    أمين عام الأمم المتحدة.. العالم يجب ألاّ يخشى ردود أفعال إسرائيل    استراحة «الويكاند»    تتويج مسرحي تونسي جديد: «على وجه الخطأ» تحصد 3 جوائز في الأردن    في عرض سمفوني بالمسرح البلدي...كاميليا مزاح وأشرف بطيبي يتداولان على العزف والقيادة    وزارة الدفاع تنتدب    رابطة أبطال إفريقيا: الترجي يتجه إلى النيجر لمواجهة القوات المسلحة بغياب البلايلي    تراجع عائدات زيت الزيتون المصدّر ب29,5 % إلى موفى أوت 2025    أكثر من 400 فنان عالمي يطالبون بإزالة أغانيهم من المنصات في إسرائيل    البنك التونسي للتضامن يقر اجراءات جديدة لفائدة صغار مزارعي الحبوب    مهذّب الرميلي يشارك في السباق الرمضاني من خلال هذا العمل..    قريبا القمح والشعير يركبوا في ''train''؟ تعرف على خطة النقل الجديدة    ما تفوتهاش: فضائل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة!    أغنية محمد الجبالي "إلا وأنا معاكو" تثير عاصفة من ردود الأفعال بين التنويه والسخرية    بطولة العالم للكرة الطائرة رجال الفلبين: تونس تواجه منتخب التشيك في هذا الموعد    كيف سيكون طقس الجمعة 19 سبتمبر؟    الرابطة المحترفة الاولى : حكام مباريات الجولة السابعة    وخالق الناس بخلق حسن    يا توانسة: آخر أيام الصيف قُربت.. تعرف على الموعد بالضبط!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هواجس جنبلاط.. إعصار أم زوبعة في فنجان؟
نشر في الفجر نيوز يوم 07 - 08 - 2009

لبنان«إعصار أم زوبعة في فنجان؟»، هذا السؤال أثاره إعلان رئيس اللقاء الديمقراطي والحزب التقدمي الاشتراكي الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط، الأحد الماضي خلال مؤتمر الحزب، أن «تحالفه في مرحلة معينة تحت شعار 14 آذار مع مجموعة من الأحزاب والشخصيات، كان بحكم الضرورة الموضوعية التي حكمت البلاد آنذاك، لكن هذا لا يمكن أن يستمر، فعلينا
إعادة التفكير بتشكيلة جديدة أولا داخل الحزب وثانيا على الصعيد الوطني».
الإعصار أمنية «زغردت» لها قوى «8 آذار» التي اعتبرت أن هذا الإعلان شكل انتصارا يسجل في خانتها، وبمفعول رجعي، ودفن إلى غير رجعة تجمع «14 آذار» وأطاح نتائج الانتخابات التي منحته أكثريته النيابية وأضعف رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري. وبالطبع نشطت الماكينة الإعلامية لهذا الفريق وصورت الواقع السياسي الجديد على طريقتها وبشرت بقرب الزيارة الجنبلاطية إلى دمشق مع وساطات معروفة المصادر، وبالعودة إلى نقطة الصفر في مسألة تشكيل الحكومة. إلا أن موقف «المتضرر الأول» من الإعلان الجنبلاطي، أي سعد الحريري، سدد «الصدمة الإيجابية» التي ساهمت بقطع الطريق على «زغردة» فريق «8 آذار». فقد اعتبر أن هذا الإعلان يصيب جهوده الرامية إلى تأليف الحكومة إصابات بالغة كونه صدر عن حليف ورفيق درب، فتصرف وكأن رفيقه قد غرر به وانتفض وأعلن رفضه التعامل مع وجهين لجنبلاط. الأول المتحالف مع سعد الحريري في الملف الداخلي لحفظ حصته في التركيبة الحكومية والثاني على الصعيد الإقليمي للإعلان عن انتقاله إلى حيث أمان الدروز. وكان بيان تيار المستقبل القاسي اللهجة الذي أشار من دون تسميات مباشرة إلى «التاريخ المعيب الذي كان فيه كثيرون شركاء في إعلاء مصالحهم الخاصة على مصلحة الوطن».
أكثر من ذلك، أدى الإعلان إلى قرار ب«ترحيل» التشكيلة الحكومية مع سفر الحريري صباح الثلاثاء الماضي إلى فرنسا في «إجازة خاصة» تاركا علامات استفهام يحاول كل فريق أن يقرأها في كتابه. لم يكن جنبلاط يتوقع كل هذا الغضب الحريري. لذا كان تأكيده أنه لم ولن يتخلى عن الحريري، كما أنه لا يزال يعتبر الأحزاب والشخصيات في فريق «14 آذار» حلفاءه، لتتبلور المسألة بالتأكيد على خصوصية «المجتمع الدرزي» في هذه المرحلة وحاجة «14 آذار» إلى شعارات جديدة، وذلك بعد الزيارة «الإنقاذية» لوزير الإعلام السعودي عبد العزيز الخوجة لبيروت لتحل «بردا وسلاما» على المواقف المتشنجة. وهكذا تحول إعلان الأحد إلى «زوبعة في فنجان» وعادت الأمور إلى ما كانت عليه مساء السبت الذي سبق «إعلان الأحد الانفصالي»، كما قال مصدر مقرب من جنبلاط ل«الشرق الأوسط»، وأضاف: «الضجة التي رافقت مواقف جنبلاط مبالغ فيها. فالرجل لم يعلن انسحابه ولم يتراجع بشأن الأولويات المتعلقة بسلاح حزب الله وضرورة استيعابه في إطار الجيش اللبناني والتوافق الداخلي وفي مسألة الذهاب إلى سورية على طريقته، (أي بعد زيارة سعد الحريري لها كرئيس للحكومة بعد تشكيلها في ظل وفاق وطني وأولويات واضحة يعلمها السوري واللبناني.. ويرتبها السعودي)، ومن دون أن يعير اهتمامه إلى ما يتردد عن وساطات يقول بها فلان أو علان لفتح طريق دمشق أمامه. فالأكيد أن لا رسائل جوالة بين جنبلاط والجانب السوري. وأي كلام مغير لا أساس له من الصحة».
يوافق النائب في كتلة التنمية والتحرير (التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري) عبد المجيد صالح، فيقول: «جنبلاط أكد أنه سوف يحل مسألة زيارته إلى سورية على طريقته. همه الآن استعادة وحدة الطائفة الدرزية وامتدادها العربي. في ظل أجواء المصالحة والدور السعودي، سيزور الحريري دمشق بعد تشكيل الحكومة». يبقى أن توقيت الكلام الجنبلاطي وأسلوبه يحمل إشارات سلبية، يوافق المصدر المقرب، إلا أنه يؤكد على «صوابية المضمون القاضي بأن خوف جنبلاط على السلم الأهلي في محله. ويجب تفهم خطواته الاستباقية في هذا الإطار». ويفتح هذا الكلام أبوابه على المفصل الضعيف في القلق الجنبلاطي. فهو يعتبر أن المستفيدين من أي فتنة شيعية سنية هم كثر في لبنان. كما يعتبر أن الدروز خاصرة رخوة تمهد لهذه الفتنة إذا لم يتم نسج علاقات وطنية بين اللبنانيين، وتحديدا الدروز والسنة والشيعة، وبالتعاون مع الحريري وحزب الله. لكن الوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون (مستقل) يحدد مكمن العلة، فيقول: «أحداث السابع من مايو (أيار) 2008 كانت في جزء منها تهدف إلى إعادة الطائفة الدرزية في لبنان إلى بيت الطاعة الإقليمي في سورية بقوة السلاح». هذا الهدف، إذا كان حقيقة، يعني أن «التكتيك» هدف منذ انطلاقة مسيرة «ثورة الأرز» إلى شل إيقاع جنبلاط الذي كان يسير قوى «14 آذار»، ويأخذها إلى أقصى التطرف. وهو كان قد بدأ بحدة مع شعارات لم يسبقه إليها أي من حلفائه. ولم ينس اللبنانيون أن جنبلاط، وليس أي من حلفائه، قال إنه يريد أن يعمل «زبالا في نيويورك، لأنها مدينة تحترم نفسها وليست كما هي طهران أو دمشق». وهو صاحب عبارة «بدنا الثار، بدنا الثار من لحود ومن بشار». كما وصف الرئيس السوري بشار الأسد بأشنع النعوت غير المسبوقة في الأدبيات السياسية. حتى أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله علق على الأمر بقوله إن جنبلاط يستخدم تعابيره من كتاب «كليلة ودمنة». كذلك لم ينسوا عباراته عن «سلاح الغدر» و«المجوس والفرس» و«طرد السفير الإيراني» و«إحراق الأخضر واليابس»، وموقفه المتشدد وضغطه على رئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة عشية أحداث السابع من مايو (أيار) 2008 لإصدار القرارين القاضيين بإقالة رئيس جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير والتحقيق في شبكة الاتصالات الخاصة بحزب الله، مما دفع نصر الله في غمرة تلك الأحداث إلى نعت حكومة السنيورة بأنها «حكومة وليد جنبلاط». ربما لم يكن يتوقع جنبلاط أن تقود مواقفه هذه إلى ما حصل. كأنه كان يراهن على أن حزب الله لن يستخدم سلاحه في الداخل، معتمدا على تأكيد نصر الله ذلك في إحدى كلماته، حيث قال: «لو قتلوا منا مليون شخص لن نستخدم سلاحنا في الداخل». لكنه خسر الرهان وخسر الأمان بعد محطة السابع من مايو (أيار)، لذا بدأ بالانعطاف لأنه رأى ما يهدد «الجبل» المحاصر والأعزل جغرافيا وطائفيا. يقول بيضون: «كل حركة جنبلاط بعد السابع من مايو (أيار) 2008 كانت باتجاه مصالحة سورية التي تمسك بالأمن في لبنان. حزب الله رحب إقليميا بهذا الاتجاه من دون اهتمام فعلي بانعكاسه على الصعيد الداخلي اللبناني. الوزير السابق وئام وهاب لعب دور فتح الأبواب». ويضيف: «كان معروفا أن جنبلاط سيترك فريق 14 آذار بعد الانتخابات. الخطوة متوقعة، إلا أنها شكلت صدمة لرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري». مسؤولو حزب الله اتخذوا قرارهم بعدم التعليق على مواقف جنبلاط، انطلاقا من أن هذه المواقف هي خلاصة تجربة الرجل بعدما تبين له أن العداء لسورية وإيران غير نافع وأن المجتمع الدولي الذي كان يستقوي به خيبه، فعاد إلى قواعده سالما مع سعيه إلى الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع سعد الحريري. لكن مواقف جنبلاط مع الاستثمار الإعلامي لها، أظهرت الرجل وكأنه يريد مصالحة مع سورية باسم الدروز. يقول بيضون: «دور جنبلاط في 14 آذار انتهى في السابع من مايو (أيار) 2008. وتحت وطأة السلاح نقل طائفته إلى خيمة سورية الإقليمية ليحميها، في حين يريد سعد الحريري أن ينظم علاقته مع سورية بقوة السياسة من خلال تفاهم سوري سعودي. لذا شعر أن سلوك جنبلاط في هذه المرحلة هو طعنة إقليمية وداخليه له. فهو قدم تنازلات في الدوحة لكنه لم يقبل أن يغير موقفه الإقليمي بقوة السلاح إنما من خلال تفاهم عربي».
ويرفض النائب عبد المجيد صالح ما يقال عن أن مواقف جنبلاط هي نتيجة خوفه على الطائفة الدرزية في لبنان. يقول: «لا أعتقد أن الداعي هو الخوف على الدروز في لبنان دون غيرهم من الطوائف. كل الطوائف خائفة بعد تصاعد الخطاب السياسي والطائفي. لم يكن خوفه خوفا مصيريا على طائفته وإنما عودة إلى الجذور وإلى تاريخ والده المناضل كمال جنبلاط. وموقفه يهدف إلى صهر 8 و14 آذار في بوتقة وطنية واحدة انطلاقا من دخول لبنان مرحلة الحلول بعد انتخاب سليمان رئيسا وتسمية الحريري لتشكيل الحكومة. المطلوب فك اشتباك على المستوى السياسي. فجنبلاط ليس ذاهبا للتموضع في صفوف المعارضة». واعتبر صالح أن «الساحة اللبنانية محكومة بتوافق اللبنانيين في إطار علاقات طبيعية لا علاقة لها بالأكثرية والأقلية والأعداد، إنما بالواقع السياسي والأزمات الاقتصادية التي يجب البحث عن مخارج لها والأخطار التي تنتج عن التهديدات الإسرائيلية المستمرة».
لكن هل يمكن القول إن مواقف جنبلاط المتعاقبة هي لمصلحة الدروز في لبنان؟
يقول بيضون: «كمصلحة درزية من المفروض أن يضمن جنبلاط بخطوته هذه عدم الاعتداء على الدروز أو تهجيرهم، إذا ما تولى حزب الله هذه المهمة. المعادلة اللبنانية الحالية تقوم على أن كل طائفة تحمي مواطنيها في غياب الدولة. وانطلاقا من هذا الخوف غلب جنبلاط نظرية الطائفة على نظرية الدولة». إلا أن جنبلاط، كما يشير المقربون منه، لم يكن يفكر في الطائفة دون سواها، لتتجاوز هواجسه الطائفة إلى السلم الأهلي برمته، وتحديدا بين السنة والشيعة. كان يقول لحلفائه: «أنتم تبحثون عن كرسي نيابي وحقيبة وزارية وأنا أرى أبعد من ذلك. أرى أن خطرا سوف يطيح بالسلم الأهلي. وقد يدفع الدروز ثمنه باهظا لأن لا دولة تحميهم». ويرى البعض من خلال موقفه هذا أنه يقرأ في المعطيات الإقليمية عودة سورية إلى الواجهة على حساب لبنان، كما أن الواقع في الساحة الداخلية اللبنانية يرسي معادلة «السلم الأهلي مقابل العدالة»، وذلك مع ترقب القرار الوطني للمحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بعد أن أرسى ولفترة طويلة معادلة أخرى هي السلم الأهلي مقابل السيادة في عهد الوصاية السورية.
إلا أن هناك من يقرأ هذه المعطيات من زاوية مختلفة مفادها أن الهم الاقتصادي العالمي يحتاج إلى الدعم العربي الذي يبدي استعداده لتقديمه مقابل تعهد هذا المجتمع بترتيب أوضاع المنطقة وعلى رأس أولوياتها القضية الفلسطينية، وبالتالي لا لزوم لجنوحه في هذه المرحلة تحديدا إلى حيث تشير مواقفه. ويقول صالح: «وليد جنبلاط وحده يعلم أين يضع نفسه. الساحة السياسية منشغلة بما قاله مع أنه قدم له في خطابه السياسي قبل الانتخابات النيابية وعلى أثر أحداث السابع من مايو (أيار). في كل حزب أو منظمة يقوم المسؤولون بنقد ذاتي. ربما كان التموضع الجديد لجنبلاط جزءا من النقد الذاتي لإعادة الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يرأسه إلى ينابيعه التي انطلق منها وهي أقرب إلى اليسار منها إلى أي موقع آخر. فهو يتموضع انطلاقا من تطلعات قومية ووطنية، لا سيما في ظل المطبات الأمنية والسياسية في لبنان. وما حصل في غزة جعل جنبلاط يعيد حساباته بمواجهة الوحشية الإسرائيلية، إضافة إلى أنه أعلن قبل الانتخابات أنه يسعى إلى وسطية ليصبح أقرب إلى رئيس الجمهورية ميشال سليمان على طاولة الحوار». وينتفض بعض «صقور» مسيحيي «14 آذار» ويعتبرون أن «لا لزوم للمبالغة في التشاؤم لخروج جنبلاط. فجمهور 14 آذار لا يستهان به. وسلوك الرجل دليل على ارتباكه. وخوفه على حياته هو سبب تحولاته. ويستشهدون بأنه استدعى ابنه تيمور من باريس وبدأ يحضِّره ليتولى زعامة الطائفة». إلا أن المصدر المقرب يؤكد أن «جنبلاط لم يعد يعير اهتماما لمسألة الأمن هذه. ولا يتخذ أي إجراءات تدل على هذا الخوف. هو يتحرك بحرية ويؤمن بالقدر. وأن ابنه تيمور عاد إلى لبنان بعد إنهائه دراسته وبشكل طبيعي ولا لزوم لكل هذه الأقاويل». وإذ بات واضحا أن جنبلاط لن يذهب إلى سورية قبل ذهاب الحريري إليها، يطيب لحلفاء النظام السوري في لبنان التأكيد على عكس ذلك. ويفسر عضو الأمانة العامة في «14 آذار» النائب السابق فارس سعيد الأمر فيقول: «النظام السوري يريد أن يثبت للأميركيين أن لبنان ليس سوى مجموعة طوائف يجب ضبطها وإدارتها. وبالتالي هو الأقدر على تولي هذه المهمة. وخطوة جنبلاط تعزز هذه المقولة. كذلك يريد هذا النظام أن يقدم للمجتمع الدولي أكبر مجموعة من الصور مع قادة 14 آذار، وتحديدا جنبلاط، ومن ثم الرئيس السابق أمين الجميل والرئيس المكلف سعد الحريري وكأنه بذلك يريد تقرير براءة ذمة من التهم التي صدرت بحقه بعد جرائم الاغتيال في لبنان».
وفي حين يكرر جنبلاط تمنياته أن تأتي المحكمة بالحقيقة وأن تكون عنوانا للاستقرار، وليس عنوانا للفوضى، يرى النائب عبد المجيد صالح أن «اللبنانيين فقدوا القدرة على الاستقرار والارتكاز بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وبعد أن أصبحت المحكمة الدولية تحصيل حاصل وانسحب الجيش السوري يجب أن نبدأ باستعادة التوازن. فالاستحقاقات ثقيلة».
وردا على سؤال عن اعتبار فريق من اللبنانيين المحكمة مسيسة، قال: «نحن نعتقد اعتقادا راسخا أن انتقال جريمة اغتيال الحريري إلى محكمة دولية أزاحت عن اللبنانيين ملفا خطيرا. ولا داعي للبحث عن أمور قبل حصولها. فالمحكمة ليست مفخخة وهي تسير بشكل طبيعي ومتزن وتقني. واللبنانيون يريدون الحقيقة».
وبما أن الحكومة تبقى بيت القصيد، ماذا عن التطورات المتعلقة بالتشكيلة الحكومية بعد «الصدمة الجنبلاطية»؟ في ظل التحرك السعودي «الإنقاذي» يبدو أن الآثار السلبية في طريقها إلى الزوال. ويقول صالح: «لا أرى سببا لإعاقة تشكيل الحكومة. فالرجل يذهب إلى تموضع وطني شامل وليس باتجاه موقع أو زاوية ضيقة. هو يعرف أن المنحى الوسطي هو الأسلم في لبنان. ونأمل أن تنعكس مواقف جنبلاط إيجابا على الحوار بين القوى اللبنانية».
إلا أن هذا الطرح يدفع إلى الرهان على ما إذا كان سعد الحريري يستطيع تغليب مفهوم الدولة على مفهوم الطائفة بعد ما حصل ليستفيد منه في سبيل تحصين خطواته باتجاه تأليف الحكومة؟ يجيب الوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون، فيقول: «الحريري فشل حتى حينه في إخراج التشكيلة الحكومية من المحاصصة الطائفية. لم يتمكن من التلويح بتأليف فريق حكومي يضع مصلحة الدولة قبل مصلحة الطوائف». ويسأل: «لكن هل تدفع صدمة جنبلاط سعد الحريري إلى تغيير مسار تجميع حصص الطوائف في تشكيلته الحكومية؟» ويضيف: «ذهابه إلى باريس انتفاضة على الجميع من دون استثناء. كأنه يريد أن يقول لجميع القوى التي تطالب بحصصها، ومن دون استثناء، إنه لن يقبل الابتزاز والضغط. تبقى العبرة في نتيجة الانتفاضة. فإن هي أدت إلى عودة المحاصصة الطائفية ستكون الأمور وبالا على الرئيس المكلف وسيدخل الحكومة مكبل اليدين، أما إذا غلبت حصة الدولة التي ستمكن الفريق الحكومي من الإمساك بالأمن والقضاء من دون ضغط الطوائف، حينها يكون الحريري قد انطلق في بداية صحيحة». وتوقع بيضون أن «يحدد موقف الحريري طبيعة التشكيلة الحكومة، فإذا قبل بالمحاصصة المفروضة عليه حاليا تتشكل الحكومة في فترة قريبة. أما إذا رفض، فالأمور سوف تستغرق وقتا أطول إلا أنها تأتي أشد صلابة لا سيما أن الوقت لا يزال طبيعيا ومتاحا ليؤلف حكومة وليس ليبقى شاهد زور على القوى الطائفية المتحكمة بالبلاد». إذا حصل ما تمناه بيضون يكون جنبلاط بموقفه وقلقه قد مهد لخطوة انتقالية كبرى تقود إلى أمان طائفته وأمان اللبنانيين برعاية إقليمية، فتتحول «الزوبعة في فنجان» «إعصارا حميدا».
بيروت: سناء الجاك
الشرق الأوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.