بعد زيارة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري «التاريخية» إلى دمشق ولقائه الرئيس بشّار الأسد بدأ السؤال يتردّد في الساحة السياسية اللبنانية عن الموعد المحتمل لزيارة رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط سوريا وإتمام المصالحة مع دمشق وذلك انطلاقا من الموعد الذي كان جنبلاط حدده بنفسه حين ردد أنه لن يزور سوريا قبل زيارة الحريري لها لكن يبدو أن الأمر ليس بيد جنبلاط وحده وأن هناك حواجز متينة بينه وبين دمشق لا بد من إزالتها لإتمام الزيارة. فسوريا لا تبدو مستعجلة على تنفيذ هذه الخطوة وأظهرت قدرا كبيرا من التريث والتفكّر قبل استقبال النائب الدرزي على أرضها بل وضعت شروطا لزيارته أبرزها أن يقدّم الزعيم الدرزي اعتذارا علنيا للشعب السوري وللرئيس بشار الأسد شخصيا وقد وافق جنبلاط على تنفيذ هذا الشرط وبدأ يعد العدة لعقد مؤتمر صحفي لتنفيذ الشرط المطلوب وباشر حملة داخل حزبه ولدى مشايخ الطائفة الدرزية لشرح الخطوة التي سيضطر إلى اتخاذها. لكن مصادر رفيعة على صلة بالاتصالات الجارية لتهيئة ظروف زيارة جنبلاط إلى دمشق تحدثت عن شرط إضافي مثّل عبءا على النائب الدرزي وقد يزيد في تعقيد الأمور ويقضي هذا الشرط بأن يقوم بزيارة اعتذار علنية للرئيس اللبناني السابق إميل لحود في منزله وأن الطريق إلى دمشق يمر عبر بلدة بعبدا حيث يقيم لحود منذ انتهاء ولايته الرئاسية. ويبدو أن جنبلاط لم يستسغ هذه الفكرة وهو الذي كان يعتبر أن لحود رمز لما سمّاه «الوصاية» السورية على لبنان بل إن المشكلة بين جنبلاط ودمشق اندلعت بسبب قرار تمديد ولاية لحود الرئاسية (عام 2004) لمدة ثلاث سنوات إضافية حيث كان جنبلاط أول المعترضين على هذا القرار. وقد أقرّ أنطوان سعد النائب عن «اللقاء الديمقراطي» (كتلة جنبلاط) بأن الزيارة ليست مسألة بسيطة مشيرا إلى أن «الأمور وصلت بين جنبلاط والنظام السوري إلى حدها الأقصى بسبب التشنجات والخلافات التي حصلت منذ محاولة اغتيال النائب مروان حماده مرورا باغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري والاغتيالات اللاحقة وما رافقها من أجواء سياسية محتدمة».. هذا الاحتدام لم يمنع جنبلاط المعروف بتقلب مواقفه، من الوصول إلى قناعة بأن زيارته إلى سوريا باتت أمرا ملحا وضروريا أكثر من أي وقت مضى خصوصا أنه أبدى نوايا واضحة منذ أحداث السابع من ماي 2008 وسيطرة «حزب الله» عسكريا على بيروت في إزالة التشنج والرواسب والتداعيات الناجمة عن الانقسام الإيديولوجي بين «قوى 14 آذار» و«8 آذار» وبدا حريصا على الانفتاح على جميع القوى السياسية اللبنانية وعلى المصالحة مع «حزب الله» والنائب سليمان فرنجية والنائب ميشال عون قبل أن يعلن نهاية تحالفه مع قوى «14 آذار» ومن ثمة فهو يرى أن كل هذه المواقف ينبغي أن تمهّد لحصول هذه الزيارة بالشكل اللائق به كزعيم لبناني وزعيم للطائفة الدرزية التي لها امتداداتها وثقلها في سوريا ورئيس لكتلة نيابية لها وزنها في الحياة البرلمانية اللبنانية. وكلّ ما يخشاه جنبلاط اليوم هو أن يكون المسؤولون السوريون قد اقتنعوا بعد زيارة الحريري وباتوا غير مستعجلين لاستقبال مسؤولين آخرين مثل جنبلاط لأن ما حققته زيارة الحريري وما سيترتب عنها لاحقا قد يُغني دمشق عن الآخرين ويجعلها ترفع من سقف شروطها ومطالبها منهم، خصوصا في ضوء ما تردّد عن أن سقف لقاءات جنبلاط في دمشق لن يتعدى نائب الرئيس فاروق الشرع، وهو ما لا يفي بمطلب تحقيق المصالحة مع الرئيس الأسد. وجنبلاط الذي يعلم أنّ فشل مساعيه في حصول الزيارة إلى سوريا سيضعه في زاوية صعبة، سيكون أمام اختبار عسير على امتداد الأيام وربما الأسابيع أو حتى الشهور المقبلة على أمل أن تثمر «ورشة اتصالاته» تحقيق المصالحة مع دمشق وتسريع موعد زيارته إليها... مهما كان الثمن!