تونس - الصباح بمجرد ان بلغتها أخبار مفادها ان والد احدى تلميذاتها يقيم بالمستشفى لانه قد يكون حاملا لفيروس السيدا اغلقت المروضة الباب في وجه الطفلة الصغيرة ابنة المريض ومنعتها من الدخول.. وتسببت بهذا الصنيع للبنية التي لم يتجاوز عمرها الخمس سنوات في جرح لن يندمل طيلة حياتها... وظلت هذه الصغيرة تتجرع مرارة الوصمة الى اليوم.. لقد اصبح عمرها الآن 12 سنة لكنها مازالت تتألم في صمت.. بل أصبحت تعاني من ازمة نفسية خانقة.. خاصة وأنها هي نفسها متعايشة مع الفيروس وليست هي وحدها التي تذرف الدموع في خلوتها بل غيرها كثيرون... وكلهم يعانون من الاقصاء الاجتماعي.. وفي هذا الصدد قال الدكتور محمد رضا كمون رئيس فرع تونس للجمعية التونسية لمكافحة الأمراض المنقولة جنسيا والسيدا خلال لقاء اعلامي انتظم امس حول الحد من التمييز ضد الاشخاص المتعايشين مع الأمراض المنقولة جنسيا والسيدا.. «إن الاقصاء هو أكبر معضلة يعاني منها الأشخاص المتعايشون مع الفيروس.. فالمجتمع لا يتسامح معهم حتى ان البعض لا يجد حرجا عندما يقول بالحرف الواحد «انا لا احب هؤلاء النّاس».. وهناك العديد من المتعايشين مع الفيروس يعانون حقا من تصرفات المجتمع ازاءهم فهم ضحايا عدم التسامح. ويضيف الدكتور كمون «كلنا معرضون للمرض.. وكل منا يمكن ان يجد نفسه في نفس الوضعية التي يمر بها هؤلاء المتعايشون مع الفيروس.. الأمر الذي يدعونا الى قبولهم وتفهم الحالات النفسية التي يعيشونها ومساعدتهم على تخطي الصعاب.. وبذلك نكون قد قدمنا لهم عملا مهما يعود على الجميع بالفائدة.. لان ادماجهم في المجتمع يعني تمكينهم من فرصة العمل والعطاء.. وكل ذلك يعود بالنع على الاقتصاد.. حقوق الإنسان في نفس الاطار يذهب السيد محمد الاسعد صوة ممثل برنامج الأممالمتحدة الانمائي الى التأكيد على حقوق المتعايش مع الفيروس... واعتبارها ضمن حقوق الإنسان.. لانه في صورة عدم احترام حقوقه فإن كل البرامج التي توضع لفائدتهم لن تكون لها منافع ومن بين هذه الحقوق التي تحدث عنها صوة الحق في الوصول الى الخدمات الصحية والعلاج والحق في الحماية من كل مظاهر التمييز والعنف بكل أشكاله.. والعنف هنا.. نفسي اكثر منه جسدي وهو ما أكدت عليه متعايشة مع الفيروس وهي والدة الطفلة التي اقصتها المروضة من المحضنة بمجرد علمها بمرض والدها وتقول السيدة ان مرضنا نفسي اكثر منه جسدي اننا نحس بالوجع... اننا نعاني من الاقصاء والاهانة واعتقد انه قبل التفكير في وقاية الاخرين من المرض يجب مساعدتنا نحن اولا... لان حامل الفيروس اذا وجد كل الابواب موصدة في وجهه يمكن ان ينقم على الآخرين وقد ينقل لهم الفيروس عمدا». وتضيف السيدة«نعم ان الدولة تنفق علينا الملايين لاقتناء الأدوية.. لكن هناك منا من يعاني من الجوع ومن لا يملك ثمن الرغيف لان عائلته اطردته من المنزل ونبذتهم». وتقول السيدة مرددة رقما قدمه الدكتور كمون «اننا اليوم في تونس 1009 متعايش مع الفيروس.. ونريد ان نبقى 1009 فقط.. الامر الذي يتطلب مزيد توعية الناس باهمية الوقاية.. باهمية التحاليل الطبية السابقة للزواج، حتى لا ينقل المرض لقد تزوجت ولم اكن اعلم ان زوجي حامل للفيروس.. فانتقل الي الفيروس وانتقل الى ابنتي.. فاي ذنب ارتكبت او ارتكبت ابنتي لكي يرفضنا المجتمع». وفي ذات السياق يقول متعايش اخر مع الفيروس لم ارتكب جريمة لاحاسب عليها نعم لقد سلكت مسارا غير سليم.. وانني ادفع الثمن». واضاف الرجل انه متعايش مع الفيروس منذ 21 سنة خلت وبين انه يساهم في توعية الشباب بمخاطر الأمراض المنقولة جنسيا والسيدا قدر الامكان. وتذكر مريم بن مقو ممثلة برنامج الأممالمتحدة حول الأمراض المنقولة والسيدا ان توعية الناس بهذه الأمراض يجب الا يقتصر على يوم غرة ديسمبر اي بمناسبة اليوم العالمي للحد من السيدا بل يجب ان يكون عملا مسترسلا.. وتقول الأستاذة حميدة البور ان وسائل الاعلام لا تهتم ايضا بالسيدا الا بمناسبة يوم غرة ديسمبر... وحري بها ان تهتم به اكثر لانه مرض له بعد انساني.. ولان صاحبه يعاني يوميا عند تعامله مع المستشفى ومع الأجوار ومع المدرسة ومقر الشغل ويقول استاذ علم الاجتماع سنيم بن عبد الله انهم يعانون من الوصمة حيثما ذهبوا. وعن سؤال يتعلق بعدد المرضى.. اجاب الدكتور كمون ان الأرقام لا تعني شيئا لانها لا تعكس الصورة الحقيقية لعدد حاملي الفيروس وبين ان الأرقام الرسمية تشير الى بلوغ 1499 حالة سنة 2008 توفي منهم 490 شخصا.. وتقول السيدة مريم بن مقو ان عدد الحالات المقدرة يناهز 3700 حالة.