مثلت الدورة التدريبية الاولى للصحفيين التي نظمتها الجمعية التونسية للوقاية من الامراض المنقولة جنسيا والسيدا فرع تونس وترأسها الدكتور رضا كمون على مدى يومي 3 و 4 ماي 2008 حافزا عمليا لإعادة النظر في علاقة الخطاب الاعلامي بالمتعايشين مع فيروس فقدان المناعة المكتسبة، وبالتالي اعادة النظر في طبيعة تعامل المجتمع مع ما يناهز 1500 تونسي وتونسية متعايشين مع الفيروس، باعتبار ان الاعلام هو الجسر الحقيقي والمرآة الرئيسية بين أجراء المجتمع... هذه الدورة التي أطرتها الاستاذة بمعهد الصحافة وعلوم الاخبار حميدة البور استمدت أهميتها ونجاعتها من نقطتين اساسيتين، الاولى تخص طبيعة الموضوع المطروح والثانية كيفية تناول الموضوع من قبل وسائل الاعلام. فموضوع السيدا في تونس ما يزال حبيس التجاهل والنسيان وهو يُعد موضوعا موسميا (1 ديسمبر) مثله مثل ملف حقوق الانسان (10 ديسمبر) وحق الشغل (1 ماي) وحرية الصحافة (3ماي)... وبسبب الانصراف الكلي عن الاهتمام بشريحة مهمة في المجتمع التونسي يعود الى الذهنية المحافظة التي مازالت متغلغلة بشكل كبير في طرق تفكيرنا وتحليلنا... وضمن هذه الدورة التي حضرها ثلاثة اشخاص من المتعايشين مع فيروس فقدان المناعة المكتسبة، وحاضرت ضمنها ايضا الآنسة نسرين جلالية منسقة الحملة العالمية لمقاومة الامراض المنقولة جنسيا والسيدا، وقف الجميع على قصور الخطاب الاعلامي التونسي حيال هذا الموضوع، ووقوعه في العديد من الاخطاء الفادحة من خلال أمثلة لعدة مقالات وتحقيقات نشرت في السنوات الثلاث الاخيرة، فالى جانب قلة المقالات الصحفية نجد ان اغلب ما كتب عن السيدا يتسم بالاثارة او بالادانة فضلا عن الاحكام الاطلاقية والانطباعية وعن الخطاب الاخلاقوي ذي الصبغة الوعظية، فمن بين ما قدمه الاعلام المكتوب بالاساس حول السيدا نطالع عناوين من قبيل «تونس تمكنت من السيطرة على كل اشكال العدوى!!!» او «السيدا: مرض في انتظار الموت» او «السيدا تحت السيطرة في تونس» هذا الى جانب عدد من الاخطاء العلمية الفادحة مثل القول ان اعضاء الجمعية التونسية للوقاية من الامراض المنقولة جنسيا والسيدا، أغلبهم من حاملي فيروس فقدان المناعة المكتسبة، او ان رئيس الجمعية اكد ان السيدا معدية وليست منتقلة!!! وهذه امثلة قليلة من زخم كبير... الدورة اجمالا تميزت بحرفيتها وبقيمتها العلمية والتحسيسية وهي لبنة مهمة ومدخل عملي بين الجمعية والاعلاميين من شأنها ان تكسب مناعة ثقافية تعمق ثقافة تقبل الآخر وثقافة حقوق الانسان وأولها حق المتعايش مع فيروس فقدان المناعة المكتسبة...