احتفلت تونس يوم أمس الاول الخميس 13 أوت بعيد المرأة.. مثلت وتمثل هذه المناسبة، فرصة لعديد الاطراف الاجتماعية والهيئات والمؤسسات والجمعيات الوطنية للتعبير عن اقتناعها الكامل ومساندتها التامة وغير المشروطة للمشروع الحضاري الذي أنبنى عليه مجتمعنا التونسي منذ فجر الاستقلال حتى هذه الساعة... اللبنة الرئيسية والعضوية لهذا المشروع هو ''مسألة المرأة'' وقضية منزلتها في مجتمع وثقافة ومحيط قوامهم ''ظاهريا على الاقل'' الذكورية ونبذ الفرد والذوبان في المجموعة وهي سمات زراعية في زمن تركزت فيه القيم الحضرية منذ سنين بعد صراعات ونزاعات فكرية واجتماعية وسياسية ودموية لم تكن مناقشات ''صالونية'' حول كوب من الشاي و''كعيبات بقلاوة''. ولم تكن مسألة المرأة فقط هي التي تميز المشروع المجتمعي التونسي وفرادته في محيطه العربي الاسلامي لانه يقوم على لبنات أخرى هي المواطنة والمساواة والديمقراطية والعمل والولاء للدولة وما إلى ذلك من قيم الجمهورية... لذلك، الجمهورية والمرأة في تونس توأمان لم ينفصلا ويمكن أن نجازف لنقول أن تطور ومناعة الاولى لا يمكن إلا أن يغنيا الثانية في بلد عليسة والكاهنة والجازية والسيدة المنوبية.... منومات زمن الصحوة كما هي العادة، ساهمت ''تونس ''7 في هذه التفاعلات مع قضية المرأة التونسية وبثت بهذه المناسبة حلقة من برنامج ''متابعات'' قام بتنشيطها رئيس تحرير قسم الاخبار بالتلفزة عماد قطاطة وأعد لها السيد علي بن نصيب فيما أخرجها عياض بن مالك. استضافت الحلقة كل من السيدات نزيهة زروق، النائبة الثانية لرئيس مجلس المستشارين والزميلة الصحفية والباحثة والشاعرة آمال موسى وإكرام القيزاني، الباحثة في معهد ''باستور''... وتخلل حلقة النقاش، إن اعتبرنا ما جاء في الحلقة نقاشا، بث بعض التقارير والشهادات حول جوانب عدة اجتماعية واقتصادية وتمثيلية متفرعة عن مسألة المرأة... أن تقوم تونس 7 وهي القناة العمومية بإنجاز مثل هذه البرامج، فليس في الامر أي سبب ''لجلد القطط'' كما يقول الفرنسيون، لان ذلك من مهامها... ولكن ان تقوم بذلك بالصيغة التي توختها، فذلك ليس من حقها وليس من وظيفتها وليس مما يترقبه منها نظارتها الذين تقتطع من جيوبهم بعض الدينارات لتمويل مثل هذه المنومات... فنحن، على سبيل المثال، لا نعلم ما سبب إنجاز هذا البرنامج في سلسلة ''متابعات'' وليس في باب ''المنتدى''. لماذا هذا وليس ذاك؟ الاثنان لهما نفس الصيغة حتى وإن يقام الاول في استوديو 9 فيما يقام الاخر في مكان من مبنى التلفزة الجديدة... ولو تعلق الامر بالبث المباشر، لقلنا، يعطيهم الصحة... غير ان البرنامج مسجل وما أكثر البرامج المسجلة على شبكة هذه القناة الرسمية أكثر من اللازم... كذلك، لماذا ونحن نهلل فوق السطوح في المناسبات وغير المناسبات، أن المساواة أصبحت أمرا ''طبيعيا'' في بلادنا، لماذا لم نساو بين المرأة والرجل في هذا البرنامج وتقدم البرنامج امرأة، وما أكثرهن في قسم الاخبار. إحداهن قدمت مؤخرا النشرة الرئيسية بلباس صيني أخضر اللون فاتحه فظننت للوهلة الاولى أن تونس 7 انتقلت إلى هناك... في حين في ''متابعات'' لم يكن هناك إلا ثلاثة نساء وبينهن رجل. والرجل هو الذي يقود الحوار ويضع الاسئلة ويوجه الاجوبة... وهي صيغة قد يقول عنها ''فرويد'' أنها تركيبة ذهنية فرضية ضمنية لتعددية الزوجات... أليست هذه قوامة تلفزية على الاقل؟ الطعام بلا ملح... برنامج متابعات من جنس البرامج التي عادة ما يجب ان يكون بها القليل من الملح... أي رأي ورأي معارض حتى يلعب صاحب البرنامج دوره في التوزيع العادل للتدخلات واستخراج التناقضات وتوزيع المنفعة على النظارة وإضفاء البعض من الفرجة التي في زمننا هذا أصبحت قاعدة إن لم تحترمها، ذهبت جهودك سدى... كان البرنامج على حافة ''السين-جيم''، كل يتدخل ويجيب على سؤال المنشط وكفى الله شر المتناقضين، لان الاجوبة كانت في 99 في المائة منها منتاغمة مع بعضها البعض... قالت السيدة زروق، وما أكثر ما قالته، قالت أن 80 في المائة من العائلات التونسية ''تبني حياتها على الحوار'' وأطنبت في التفسير حتى لم تترك للمشاهد فرصة تكوين رايه. إن كان هذا صحيحا، كيف لم يتعد الحوار باب المنزل ليضفي من سماحته ما شاء على الشارع التونسي الذي ككل الشوارع الحضرية البوم في العالم يتسم بالعنف الضمني كما الظاهري، المغلف كما المعلن؟ قالت كذلك وكأنها بأقوالها العديدة في البرنامج تبعث برسائل مضمونة الوصول، أن المساواة في العالم بين المرأة والرجل تحققت بنسبة 7 في المائة... وهي في فرنسا، ''بلد حقوق الانسان والثورة الفرنسية'' ب19 في المائة ولم تذكر كم هي نسبة المساواة عندنا على الورق أولا، وثانيا في الممارسة وثالثا في الذهنيات... وحينما سأل منشط البرنامج عماد قطاطة الزميلة آمال موسى عن شعورها أمام ما وصلت إليه المرأة التونسية من تقدم و... و... و.. ماذا كان يترقب من جواب؟ ليس لان الزميلة غير قادرة على التحليل، بل لان مثل هذه الاسئلة من نوع ''ماهي أحب ألوان الادب إليك؟'' وفي هذه المناسبة بالذات لا يمكن أن تعطي إلا جوابا من نوع ''مائية الماء''. بمثل هذه البرامج لا أدري إن كانت تلفزتنا العمومية تعيش بيننا. ولكن يقيني أنها مثل تلك العجوز التي مازالت تتغنى بجمالها حينما كانت في العشرين من عمرها...