تونس الصباح بدعوة من الرئيس بن علي حل أمس بتونس رئيس الحكومة الإيطالي سيلفيو برلسكوني، في زيارة صداقة وعمل. ولا شك أن هذه الزيارة تقدم دفعا للعلاقات الثنائية بين تونس وايطاليا، البلدين الجارين اللذين تربطهما علاقات واسعة وتاريخية على المستوى الاقتصادي والسياحي، وخصوصا في مجال الاستثمارات والتعاون في مجال التشغيل والمبادلات التجارية. وتعتبر إيطاليا بحكم الجوار مع تونس على مستوى ضفتي المتوسط تقريبا الوجهة الأولى لليد العاملة التونسية المهاجرة خلال العشريتين الأخيرتين، مما جعل عدد العمال التونسيين المهاجرين يتكاثر باتجاهها، لكن وعلى ضوء التطورات الحاصلة في الإتحاد الأوروبي، وما ظهر معه من قوانين، ظهرت جملة من الإشكاليات على هذا المستوى، علاوة على بعض الصعوبات الأخرى التي فرضها التطور الاقتصادي العالمي، وما تتميز به المرحلة. زيارة رئيس الحكومة الإيطالي إلى تونس، مناسبة لفتح بعض الملفات العالقة مثل الهجرة، والهجرة السرية وأساليب مقاومتها المشتركة، وأيضا ما يتعلق بين الحين والآخر بحجز مراكب الصيد في عرض البحر، وقضية التونسيين الموقوفين في لمبادوزا منذ قرابة السنة، وخصوصا القانون الأوروبي الجديد الذي يمثل تهديدا لكل العمال التونسيين المهاجرين إلى إيطاليا. التعاون في مجال الهجرة الوقتية والتشغيل تعتبر إيطاليا من أولى البلدان الأوروبية التي نظمت مجال الهجرة والتشغيل، حيث تم خلال هذه العشرية وضع روزنامة تعاون بين البلدين لتمكين عدد هام من العمال والموظفين التونسيين من عقود للعمل بإطاليا، كما تم في الآن نفسه بعث مراكز ببعض الولايات لتأهيل العمال التونسيين، خاصة على مستوى تعلم اللغة الإيطالية وذلك لتسهيل اندماجهم في المجتمع الأيطالي. ولعل البارز في هذا الجانب، أن هذه الهجرة طالت أصنافا متعددة من العمال، وبلغت حد انتداب عدد لا بأس به من الإطار شبه الطبي التونسي للعمل بالمستشفيات الإطالية، وقد تأقلم هذا الإطار مع الوسط الإيطالي بل لاقى استحسانا لحضوره ولقدرته على العمل هناك. كما اتصلت هذه العقود بجملة من الاختصاصات الأخرى في المجال الصناعي مثل الملابس الجاهزة، والفلاحة والبناء، حتى أن بعض المقاطعات الإيطالية بادرت بإبرام علاقات شراكة وتوأمة مع بعض الجهات والولاياتالتونسية، على غرار ما تم مع ولاية قفصة والمهدية ونابل على وجه الخصوص، لكن هذا التمشي سرعان ما تقلص على مستوى ابرام العقود، مما جعل يتضاءل من سنة إلى أخرى، وهو ربما ما سيمثل إهتماما خلال هذه الزيارة للسيد برلسكوني إلى تونس. الهجرة السرية.. ومشاكل البحارة جانبان آخران قد يمثلان أيضا اهتماما بين البلدين، ويأخذان طابع التعاون الكامل بشأنهما، وهو ما يتعلق بظاهرتي الهجرة السرية لإطاليا، ومشكل الصيد البحري. فبالنسبة للهجرة السرية فإن التعاون بين البلدين مازال محدودا جدا، ولم يحض بعناية دقيقة وبرنامج واضح، حيث تعمل إيطاليا، إما على إعادة تهجير "الحارقين"، أو إيداعهم السجن. ولعل أحداث لمبادوزا وعدد المساجين التونسيين هناك، وبقاء عدد هام منهم لحد الآن في حالة إيقاف تحفظي ودون أحكام، لدليل واضح على غياب خطة مشتركة بين البلدين بخصوص هذه الظاهرة، ولا يستبعد أن يكون هذا الملف حاضرا للدرس والنقاش لايجاد حل مشترك له. من جهة أخرى فإن الصيد في أعماق البحر، سواء في المياه الإقليمية أو الدولية بين البلدين، مازال محل نزاع بين البحارة من كلا البلدين والحرس البحري، وكثيرا ما يتم ضبط مخالفين من هذا البلد أو ذاك، وكان آخرها ما حصل لأحد مراكب الصيد التونسية خلال الأسبوع الفارط. ولعل هذا الجانب سيكون محل اهتمام أيضا. القوانين الأوروبية والتضييق على المهاجرين قوانين الإتحاد الأوروبي بخصوص هجرة اليد العاملة غير الأوروبية، وإقامة الأجانب، ما انفكت تتعقد من سنة إلى أخرى، وتأخذ طابع الضغط المستمر، وقد نال المغاربيون المهاجرون إلى أوروبا نصيبا هاما منها، مما يجعلهم عرضة للطرد والترحيل. هذه القوانين باتت تفرق بين حاملي الإقامة الذين هم في حالة بطالة وبين العاملين منهم، والضغط يسير باتجاه تهجير من لا عمل له حتى وان كانت له إقامة، وهو ما مثل مرحلة جديدة في هذا القانون تضع نسبة هامة من المهاجرين المقيمين في أوروبا تحت مظلة التهجير كحل لتسوية أوضاعهم. ولئن عارضت عديد الأوساط الأوروبية مثل منظمات المجتمع المدني، وحقوق الإنسان والنقابات هذا القانون، فإن بعض الحكومات الأوروبية والوزراء يسعون إلى تطبيقه ولو على مراحل. ومقابل هذا التوجه سعت بعض الدول الأوروبية الأخرى وفي مقدمتها إيطاليا للبحث عن حل وسط يمكنه أن يغني عن عديد المشاكل، ويتمثل في فسح المجال أمام أصحاب الإقامات من المهاجرين الذين مضى على وجودهم ببلدان الإقامة أكثر من عشر سنوات على التمتع بجنسية بلد الإقامة. هذا العامل دعا نسبة هامة من التونسيين المقيمين بإيطاليا للإسراع بتكوين ملفات في الغرض، وذلك لتسوية وضعيتهم بشكل نهائي، وتمتعهم بالتالي بنفس الحقوق والواجبات التي يتمتع بها أي مواطن ايطالي. هذه تقريبا أهم الملفات العالقة بين تونس وإيطاليا، عسى أن تجد قريبا طريقا إلى التسوية.