عمر مطميط الى جانب كونه مهندسا في عالم التربة فهو رئيس الجمعية التونسية للتربة وخبير في تهيئة الأراضي ومتابعة المناطق السقوية ومكافحة التصحر وله عديد الدراسات وخاصة في مجال المناطق الجافة وشبه الجافة مغاربيا ومتوسطيا وقد سبق له أن أعدّ بحوثا في هذا الخصوص وضمن إصدارات علمية عالمية. لذلك أرتأينا محادثته حول الموضوع. بم تعرّف التربة الخصبة؟ - التربة الخصبة هي تربة ذات سماكة تتعدى 80صم وذات تكوين رملي غريني، سهلة التهوئة وغنية بالمواد العضوية في الأفق السطحي مع عدم تواجد الكلس وهو ما يجعلها ذات لون داكن حيث تتمكن الجذور من استغلالها في العمق بعليا ومرويا وهي تتواجد في السهول وعند الاودية الكبرى (مجردة، ملاق، مليان، زرود) ونجدها كذلك بالمحيط الصحراوي عند الواحات (الجريد) نفزاوة، رجيم معتوق، قفصة، قابس). * وكم تشكل مساحات التربة الخصبة من مجموع الاراضي التونسية؟ - تمسح الأراضي الفلاحية عموما 11.2 مليون هكتار أي ما يقارب 68% من المساحة الجملية لتوسن منها ما بين 5 و5.4 مليون هكتار محترثة وحوالي 6 مليون هكتار غابات ومراع.. أما الاراضي غير الفلاحية (صحاري، سباخ، أحجار، عمران، مناطق زراعية) فتبلغ حوالي 5 مليون هكتار. * وهل تعتبر أن مساحة الأراضي الخصبة محدودة أم لا؟ - موارد التربة الخصبة محدودة دوما.. نظرا لعدم تجددها وهي موروثة منذ الحقبة الرباعية (4 آلاف سنة) وحاليا يصعب تجديد هذا الرصيد تماشيا مع عوامل التدهور المعروفة عالميا وهي الانجراف والتملح والتوسع العمراني العشوائي وهي ظاهرة عالمية وذلك نتيجة النمو الديمغرافي وتوسع المدن بما في ذلك البنية التحتية (طرقات ، جسور، محولات، سكك حديدية) ويصعب التجدد خاصة في المحيط المناخي المتوسطي والصحراوي. * هل يعني ذلك أنها لا تتجدد أبدا؟! - نعم فهي لا تتجدد أبدا.. وللتذكير فقط فإن الأتربة الموجودة في محيط الغابات الشمالية والغربية تبقى أتربة غنية بالمواد العضوية المتأتية من تطور فضلات هذه الغابات واندماجها في التربة والتي يتهافت عليها مستغلو التربة النباتية (terre végétale) لحملها لفضاءات بالمدينة والمناطق العمرانية وتمثل ولاية بنعروس وخاصة معتمدية الخليدية فضاء رحبا لهذا الاستغلال الفاحش للتربة النباتية . * ولماذا تشكل منطقة الخليدية واجهة هامة لهذا الصنف من التجارة في إقليمتونس الكبرى؟ - معتمدية الخليدية لها خصوصيات فلاحية جيدة خاصة في استغلال الاشجار المثمرة (زيتون، حمضيات) يتواجد هذا النوع من التربة في بعض الهضاب بالمنطقة وعند الجهات المنبسطة للادوية الثانوية في مصب وادي مليان.. ومن بين خاصيات هذه الأتربة هي أنها رملية ذات نفاذية جيدة ومواد عضوية مع عدم تواجد الكلس بها وتبقي الاراضي الجنوبية القريبة المحاذية لمنطقة وذنة أكثر طينا وغرينا.. والمتعارف عليه بمنطقة الخليدية هو الارتفاع المتواصل في عدد المقاطع من هذا القبيل وهي تتجاوز اليوم 68 مقطعا وهي تتمركز خاصة في استغلال الرمل (sable grezeux grossé) صالح للبناء وفي هذا الخضم يستغل كذلك الاتربة الخصبة ( terre végétale) ويقع تجريف الافق السطحي حتى عمق 40 صم وتنقل إثر ذلك الى أماكن أخرى عمرانية لزرعها.. وتلك الاراضي المستنزفة جلها أراض ذات صبغة خاصة وأغلبها على ملك الدولة ويتم كراؤها حسب المساحة وبنظام التبتيت. * وكم تبلغ تلك الاراضي المباحة بالخليدية؟ -حوالي 30 أو 40 هكتارا بالخليدية فقط! * هل لذلك انعاكسات على الوضع الفلاحي بالبلاد خاصة وأن النسق ما فتئ يرتفع؟ - أول هذه الانعكاسات هو ما ينتج عن هذا النشاط من حفريات وغيرها والتي تؤثر على تنظيم الفضاء كفضاء إيكولوجي عمومي.. ثانيا هذه الحفر عندما تتواجد بغابة أو أحراش فإنها تخلف آثارا سلبية على الاشجار الغابية أما بالمناطق التي تنقصها الاشجار الغابية فيمكن إتاحة الفرصة لإستقلالها لاحقا كأراض فلاحية وذلك بزرعها في نطاق مخططات مستقبلية (زياتين ، أشجار مثمرة) ولاجل ذلك يتوجب اللجوء هنا الى دراسات علمية تبرز بكل وضوح خاصيات هذه الموارد من التربة حسب برنامج يعتمد على وثائق قاعدية (خرائط ذات سلم كبير)..بالاضافة الى مراجعة وثائق قانون حماية الاراضي الفلاحية وتحيينها والتي هي بصدد الانجاز من طرف وزارة الفلاحة بالاضافة لمزيد التنسيق بين المؤسسات التي لها رأي في المراقبة والمتابعة وإيجاد الآليات القانونية فيما يتعلق بنقل الاتربة النباتية وتطبيقه بكل حزم ومزيد دعم كل المتدخلين لوجستيا لإحكام المراقبة (فرق عمل ميدانية) . * ما هو موقفكم كجمعية تربة من هذه الظاهرة؟ - لدينا نظرة شاملة قد تساهم في دعم برامج التهيئة الوطنية من تجميل للمدن وتشجيع للاستغلال المنزلي وقد تمكن من اللجوء الى مؤسسات ذات اختصاص في تصنيع terreau أي الاتربة الصالحة للزراعة المنزلية والتي تعتمد على نسبة من الرمل تساوي 60% وبعض المواد الاخرى العضوية وستمكن من الاستغناء كليا على الأتربة الطبيعية المحملة والتي جرى تجريفها من المناطق الفلاحية بكامل تراب الجمهورية والتي تنذر بأسوأ العواقب.