بعد انطلاقة صعبة، ذلك أن الجمهور كان متململا إزاء الدقائق الأولى للعرض، تمكنت مجموعة «أجراس» من شدّ اهتمام جمهور قصر العبدلية، جمهور قليل بحكم طاقة الاستيعاب لكنه جمهور من طراز خاص، ذلك الذي يأتي أساسا للاحتفاء بالعرض قدمت إذن مجموعة «أجراس» بقيادة الفنان عادل بوعلاق عرض «ريح الشهوات» في سهرة الجمعة. العرض يدخل في إطار مشروع فني متكامل تتبناه المجموعة منذ تكوينها سنة 1999 ضمن مشروع يتعامل مع العرض على أنه عملية تواصل مع الجمهور بعيدا عن العلاقة الأحادية المألوفة. عدة عناصر فنية تجتمع في العرض الواحد، الموسيقى، الغناء، الشعر والرقص التعبيري دون أن ننسى الاشتغال على الأزياء. فكرة العرض مستمدة من الصحراء والهدف الدفع إلى الأمام بثقافة أهل الجنوب من غناء وشعر إلخ... لكن العرض في روحه ككل عرض عصري تستخدم فيه تقنيات العصر ويكون بذلك عادل بوعلاق لم يتخل عن حلمه المتمثل في المزج بين مختلف الأنماط الموسيقية إنطلاقا من فلسفته (وهو صاحب تكوين فلسفي) التي تقوم على أن الإنسان متعدد لكن الجوهر واحد... نقطة التقاطع تتمثل في تلك المعاناة التي يعيشها الإنسان من أجل الحياة. جانب موسيقي مميز بعد لوحة كوريغرافية تم فتح المجال للشعر البدوي ومشهد ممسرح لحالة من اللوعة، هي بكائية بأتم معنى الكلمة، لا نستطيع أن نقول أنه من السهل على الجمهور تقبلها... لكن قوة العرض بلا تردد تكمن في الجانب الموسيقي... كانت مختلف الآلات الموسيقية ممثلة بشرقيها وغربيها.. هناك مهارات واضحة من حيث العزف الفردي والجماعي... والبحث في هذا المجال كان واضحا... مجموعة «أجراس» تقترح موسيقى بعيدة عن الابتذال... هناك اشتغال على تقنيات الآداء كما أن هناك إنسجاما بين مختلف الآلات، فكان الجمهور إزاء مقطوعات من طراز عال أحيت فيه الرغبة في الاستماع. بعد «ريح الشهوات» تعددت اللوحات «فزعة» (مستمدة من التراث الموسيقي بالجنوب)، شتات... جدلية محمود درويش، حرية وأجراس... وأهدت المجموعة الجمهور فقرة جديدة بعنوان «زغردة» كانت بالخصوص فرصة للوقوف على المهارات الفردية في العزف للمجموعة التي بها عناصر نسائية ورجالية. الأصوات أيضا كانت طيبة... لكن الغناء كان عنصرا ضمن مجموعة عناصر أخرى ولم يكن بالضرورة العنصر الأساسي. بحث شامل عملية البحث شملت أيضا مسألة دخول عناصر المجموعة إلى القاعة ووقوفهم على الركح... العملية كانت ممسرحة وفيها اشتغال على الحركة وعلى تعابير الوجه. ومن الواضح أن هذه المجموعة تتوق إلى اقتراح عرض بديل تتوفر فيه مختلف عناصر الفرجة... عرض يسمح للطاقات الكامنة في الجسد في البروز أمام الجمهور... عرض يستفز الجمهور ويدفعه نحو التساؤل... لكن كأننا بفضاء العبدلية وخاصة المسرح يضيق بعروض كهذه تتطلب فضاء واسعا نسبيا.. فعدد عناصر المجموعة مرتفع... وهي تحتاج بحكم شمولية المشروع وتعويله على أكثر من عنصر للفرجة إلى مساحة تسمح بتقديم لوحات كوريغرافية في ظروف أفضل وتفسح المجال للشباب لتفتيق مواهبهم في مجال الرقص التعبيري لكن بالنسبة لقائد المجموعة، لا يتوقف الأمر عند مسألة مساحة الركح، خاصة وأنه ظل كامل السهرة واقفا أسفل الركح حاملا عوده جاعلا من المكان المحيط بالركح مواصلة له، إنما يتعلق الأمر بقلة الفرص المتاحة لمجموعته للعرض. فقد كان عرض الجمعة لمجموعة «أجراس» الموسيقية بقصر العبدلية في إطار مهرجان قرطاج الدولي (الدورة 43) متنفسا حقيقيا للمجموعة. فهي تقريبا لم تقدم سوى عرض واحد خلال هذه الصائفة الأمر الذي دفع بقائد المجموعة عادل بوعلاق إلى توجيه اللوم إلى المشرفين على المهرجانات، لوم وإن كان استعمل فيه صاحبه كلمات منتقاة، فإنه كان فيه غضب. الفنان عادل بوعلاق اعتبر أن المشروع الموسيقي الفني الذي يقوده هو تجربة متقدمة وربما هي تتعالى أو تتجاوز ما هو سائد اليوم بالساحة الفنية.. مشددا على أنه لا شيء يمكنه أن يقف حائلا دون طموحات الشباب.