من اغرب الاخبار التي نشرت بالتزامن مع اطلاق سراح عبد الباسط المقرحي الاسبوع الماضي ان اقارب ضحايا الصراع الدموي في ارلندا الشمالية بدؤوا يصعّدون حملتهم ويسعون لمطالبة ليبيا بتعويضات مالية بدعوى ان المتفجرات التي استعملها الجيش الجمهوري الارلندي السابق على مدى ثلاثين عاما في الصراع بين الكاثوليك والبروتستانت جاءت من ليبيا وانه يتعين على السلطات الليبية ان تعترف بحجم الالم الذي سببته لهم... ومن يدري فقد يجد المتقاتلون في سيريلانكا او كولومبيا اوحتى النيبال اوغيرها ايضا من مواقع النزاع بدورهم ما يمكّنهم من ملاحقة السلطات الليبية ومحاولة الحصول على تعويضات مالية مهمة ... وسواء نجحت مساعي ضحايا الصراع في ارلندا الشمالية او سواء فشلت في مهدها فان الاكيد ان في هذا الخبر ما يؤشر الى ان قضية او ملف المقرحي لن تطوى في وقت قريب بسبب تداخل ابعاد القضية التي تجمع في نفس الوقت بين السياسي والقضائي والاستخباراتي والمالي ولكن ايضا الانساني والاخلاقي وما يؤكد ايضا ان المال كان له دوره في تحديد توجهات هذه القضية بل انه ربما لو كتب للرجل ان يكذب تقارير الاطباء الذين توقعوا موته خلال ثلاثة اشهر وان ينهي تدوين مشروع الكتاب الذي يريده لتاكيد براءته التي ما انفك يتمسك بها فانه قد يساعد في الكشف عن المزيد مما خفي من اوراق قضية لوكربي وما تخللها من صفقات سرية اوعلنية امتدت على عقدين من الزمن حتى الان كانت ليبيا حريصة على كشفها علنا فيما ظلت واشنطنولندن تتكتمان عليها حتى بعد زيارة رئيس الوزراء السابق توني بلير الى ليبيا قبل اسبوع فقط على تركه منصبه وزيارة غونداليزا رايس بدورها الى طرابلس قبل تركها وزارة الخارجية في خطوة مدروسة لوضع حد للمد الصيني والاوروبي في المنطقة والفوز بنصيب من الصفقات النفطية في بلد يجمع نحو اربع واربعين بليون برميل من الاحتياطي تغري مختلف المستثمرين في العالم بالقدوم اليه... عاد المقرحي اذن وهو المدان الوحيد في قضية لوكربي الى موطنه قبل ايام ليقطع بذلك مع كل التوقعات والقراءات والرهانات والمضاربات بشان اطلاق سراحه المحتمل بعد ان جاء الرد واضحا وصريحا في هذا الشان من جانب القضاء الاسكتلندي بالافراج عن المقرحي لاسباب انسانية ولكن ليعيد الى سطح الاحداث جدلا مثيرا قد لا يهدا قريبا في عديد الاوساط السياسية والديبلوماسية والاعلامية في الغرب بعد ان تواترت التصريحات وردود الفعل الغاضبة من اكثر من عاصمة لا سيما بعد تلك الاحتفالات الشعبية والرسمية التي حظي بها المقرحي في ليبيا والتي اثارت حفيظة الكثيرين ممن اعتبروا انها تمس مشاعر اهالي ضحايا طائرة لوكربي وهي من التصريحات التي ينطبق عليها القول "حقيقة اريد بها باطل ".ذلك ان ما حظي به المقرحي في بلده يعد امرا طبيعيا جدا باعتبار القناعة الراسخة لدى غالبية الراي العام الليبي والعربي عموما بان ما يحدث محاكمة سياسية ليس الا والادلة فيها غير ثابتة ولا نهائية كما ان ما حظي به المقرحي لا يختلف في شيئ عما يحظى به كل مواطن من العالم الحر يعود الى بلده بعد محنة قاسية مع الخطف او الاسر او غيره من الاسباب وهي لا تختلف عما حظيت به بيتنكور بعد عودتها الى فرنسا ولا ما حظي طاقم الممرضات البرتغاليات اوحظي به صحافيون او مبعوثون امميون احتجزوا في العراق او الصومال او اليمن او السودان ومروا بتجارب عصيبة اذا كان لا احد ايا كان موقعه يمكنه ان يستهين بمشاعر عائلات الضحايا ويقلل من اثار وخطورة حادثة لوكربي فانه لا احد ايضا يملك الحقيقة كاملة بشان ما حدث ولا احد ايضا بما في ذلك الاستخبارات الامريكية والبريطانية وهي الاقوى في العالم يستطيع ان يجزم بتوفر كل الادلة بما لا يدع مجالا للشكوك بشان الطرف او الاطراف الضالعة في تلك الحادثة بكل فرضياته من تحولات على الساحة الدولية بعد ان تعرضت ليبيا للحصار والعزل الامر سنوات طويلة قبل ان تقرراللجوء للاعتراف بمسؤوليتها في لوكربي في محاولة منها لكسر الحصار والعودة الى الساحة الدولية ... و لعل في الدعوة العاجلة للبرلمان الاسكتلندي الذي قرر ان يقطع اجازته الصيفية لبحث قرار وزير العدل الاسكتلندي الافراج عن المقرحي وما صاحبها من اصوات منددة من لندن الى واشنطن وادنبره ما يؤشر بدوره الى المقرحي لن يغيب عن اهتمامات مختلف الاوساط الاعلامية وانه سيظل موضوعا دسما جدير بالمتابعة طالما بقي الغموض سيد الموقف في قضية الحال ...و في انتظار ما يمكن ان تحمله الانباء المقبلة بشان لقاء مرتقب بين الرئيس اوباما وبين العقيد معمر القذافي الشهر القادم خلال اجتماعات الاممالمتحدة بنيويورك فان المقرحي سيظل حاضرا حتى لو صدقت تقارير الاطباء التي تجمع على ان المرض لن يمهله اكثر من ثلاثة اشهر...