تونس الصباح "الجلوس على مقعدين" وصف يلخص وضعية من استباحوا العمل في أكثر من وظيفة. ففي حين اصطف آخرون رهن بحث دؤوب عن عمل يتيم يكسبون من ورائه لقمة العيش ترى غيرهم قد احتلوا أكثر من مهنة وجمعوا بين أكثر من وظيفة على مرآى ومسمع من القانون الذي جرم هذه الممارسات ومنعها. عينات وشواهد تم رصدها لتكشف بونا شاسعا بين ممارسات موظفين يشغلون أكثر من خطة وأكثر من وظيفة ومهنة وقوانين ما فتئت تضيق الخناق على كل مخالف إن تفطنت إليه. فبالاستناد على الباب الثالث من المجلة الجنائية الصادرة بتونس سنة 2002 والمتعلق بالجرائم الواقعة من الموظفين العموميين أو المشتبه بهم حال مباشرة أو بمناسبة مباشرة وظائفهم وبالرجوع إلى الفصل عدد 82 المنقح بالقانون عدد 33 لسنة 1998 والمؤرخ في 23 ماي 1998 يعرف الموظف العمومي الذي تنطبق عليه أحكام هذا القانون على أساس أنه كل شخص تعهد إليه صلاحيات السلطة العمومية أو يعمل لدى مصلحة من مصالح الدولة أو جماعة محلية أو ديوان أو مؤسسة عمومية أو منشأة عمومية أو غيرها من الذوات التي تساهم في تسيير مرفق عمومي. هو من الذين قيل فيهم "قف للمعلم ووفه التبجيل..." امتهن التعليم منذ 18 سنة مضت فأكمل ما بدأه خلف أسوار المدرسة الابتدائية لكن خلف أسوار مسكنه هذه المرة. فراح يدرس من كان معلمه صباحا في المدرسة ليصبح معلمه أيضا إنما بعد توقيت الدراسة وأيام العطل والآحاد بالرغم من تحجير القانون ذلك. هي عينة ممن لم يتسن الحصول على هوياتهم كاملة فرغبوا في المحافظة على جانب السرية الذي طغى على حياتهم وطبيعة عملهم. وإن كان حالهم لا يختلف عمن جعل من العمل مساءا وسرا ملاذه لتكشف صورا أخرى لممارسات ومظاهر جديدة لسلوكيات القاسم المشترك بينها هو الجمع بين وظيفتين. لكن الوازع واحد والمبرر بين أغلبهم: البحث عن مورد مالي إضافي قصد مجابهة نفقات تراكمت ومصاريف استنزفت الراتب الأصلي قبل آجال صرفه . متصرف بمنشأة عمومية صباحا ومراقب حسابات في إحدى الفضاءات التجارية الكبرى مساءا مهنتان لا تتباعدان في مجالهما كثيرا فصاحبهما هو الآخر واحد ممن اختاروا خرق القانون وامتهان وظيفتين في آن. ليتفق بهذا الصنيع مع من استثمر خبرته ومعرفته في مجال ليس بعيدا عن اختصاصه إن لم يكن صلبه فتجاوز القانون وعد من المخالفين. حالات ممن ضربوا عرض الحائط بالقوانين والتشريعات التي لم تتوان عن تجريم هذا الصنيع لتصل العقوبات مثلما نص عليها الفصل عدد 97 ثالثا الذي تمت إضافته الى القانون عدد 33 لسنة 1998 المؤرخ في 23 ماي 1998 إلى السجن مدة عامين اثنين وبخطية قدرها ألفا دينار هي من نصيب كل موظف عمومي يعمد وهو في حالة مباشرة أو عدم مباشرة أو إلحاق إلى ممارسة نشاط له علاقة بمهامه دون أن يكون له ترخيص مسبق في ذلك.لم تعد سيارة الأجرة أو ما اصطلح تسميتها تاكسي ولواج وغيرها من العربات هي الأخرى حكرا على أصحابها فيكفي الحصول على رخصة سياقتها حتى يطلق العنان للانتهاكات فيتوفر لسائقها مورد رزق ومدخول ثان ينضاف إلى حافظة نقوده. زاد في التشجيع على لجوء من لم يكتف بعمله الأصلي إليها ما توفره هذه المهن من إمكانية العمل ليلا أو مساء دون قيد ولا رقيب وما يجنيه من يمارسها من راتب أصبح الحصول عليه يكلفه مشاقا كثيرة. مشاق مردها بالأساس الحرمان من بعض الحقوق على غرار التمتع بالضمان الاجتماعي والتأمين على المرض وغيرهما لكنها لم تحل أمام من سعى جاهدا إلى تكديس الوظائف الواحدة تلو الأخرى على حساب من لم يظفر بعد بإحداها. عززت هذه اللا مبالاة بالتنازل عن هذه الممارسات وهجرها لا مبالاة بما سيدفعه المخالفون للقانون من خطايا وعقوبات جزائية قد تفقدهم الوظيفتين معا في آن حال التفطن إليهم. فترى الواحد منهم يحاول جاهدا المحافظة على توازنه جاسا على مقعدين قد يتزعزعا في أية لحظة في حين تبقى صفوف الباحثين عن عمل تنتظر دورها.