... ركن سيارته الشعبية الصغيرة رمادية اللون الى الشارع محتلا بذلك جزءا من يسار الشارع المتزاحم بالعابرين بجهة لافيات بالعاصمة وفي لحظات معدودات تحولت تلك السيارة وذاك الصندوق الخلفي الى مغازة متنقلة فتح باب الصندوق الى الأعلى.. فتراصفت الملابس والأحذية من مختلف الأحجام والأنواع.. من أبواب السيارة الى الرصيف.. حين تزامن العرض مع موعد الغذاء للموظفين الذين التفّوا حول البضاعة يتفحصون جودتها وأسعارها القابلة للنقاش.. صاحب المغازة المتنقلة ليس إلا موظفا حكوميا أكد أن التزاماته العائلية ودراسة الأبناء والتداين البنكي وراء هذه المهنة التي يزاولها في أوقات الفراغ وفي توقيت ما بين الحصتين وبعد السادسة مساء حتى يجابه ظروف الحياة. التونسي اليوم هل أضحى يحتاج فعلا الى عمل إضافي لمواجهة المصاريف؟ وكيف يمكن لنظام الحصتين أن يكون عائقا وراء هذه الضرورة؟ العمل الاضافي أو موطن شغل ثان سؤال أحرج الكثيرين ممّن ارتأينا التحدث إليهم معتبرين أن الأمر أشبه بسرّ نظرا لخضوعه لنظام الشغل في تونس القاضي بمنع الجمع بين وظيفتين بخصوص موظفي الدولة، كذلك الشأن بالقطاع الخاص حيث أن العمل بنظام الحصتين لا يسمح لصاحبه بوجود زمن لممارسة عمل ثان ولا توجد هذه الفرصة غير القانونية، إلا لبعض المهن المتعلقة بالصناعة أو المهن الصحية للهياكل الطبية وشبه الطبية. للضرورة أحكامها السيدة بشرى وهو ليس اسمها الحقيقي خوفا من الوقوع تحت طائلة القانون وهي ممرضة مجازة تشتغل بالقطاع العام تحدثت عن ضرورة العمل «الثاني» للموظف اليوم بالقول: «ليس كل عامل أو موظف أو حتى إطار أمامه فرصة تدبر أمره في عمل ثان.. فلكل مهنة خصوصيتها.. أحمد اللّه أن وظيفتي الصباحية في المؤسسة الصحية التي أعمل بها مرتبطة بالعمل في توقيت معيّن حيث لا يتجاوز توقيتها الثانية بعد الزوال، وبالتالي فإن لي الفرصة للاعتناء بأطفالي، وتمكنت من الاستغناء عن الحاضنة وعن المحضنة المدرسية وبالتالي وفرت جزءا هاما من مرتبي وحين كبر أطفالي أضحى بإمكاني تدبّر أمر عمل إضافي بحكم خبرتي في احدى المصحات الخاصة.. أدرك أن الأمر يعتبر مخالفا للقوانين ولكن! تسكت محدثتنا للحظات: «ما باليد حيلة أحتاج الى توظيف خبرتي من أجل توفير مدخول اضافي حتى أتمكن من العيش في ظروف عادية وليس مريحة.. فالقروض أضحت خبزنا اليومي للمنزل وللسيارة ولتعليم الأبناء لذا فإن التونسي مكره اليوم للقيام بهذا العمل ليتمكن من العيش في ظروف محترمة». ممارسة أكثر من عمل السيد محمد العربي الأكحل متقاعد رأى الأمر بدوره من زاويته الخاصة متهكما على عنوان مهنة واحدة اضافية بالقول: «بل قل 3 أو 4 مهن اضافية لتكون متساوية مع عدد القروض المتحصل عليها». التونسي اليوم غارق في بحر من التداين على كل شكل ولون لذلك فإن مدخوله الشهري ومدخول زوجته أضحيا لا يكفيان لكن الحلم بمدخول أو عمل اضافي ليس في متناول كل شخص.. خاصة لمن يخضعون لنظام العمل بالحصتين ولا يمكن أن يستفيد من الفرصة إلا أصحاب الحرف والصنعة، أنا مثلا الآن متقاعد لكن واجهت صعوبات الى حين خلاص قرض المنزل الذي هو الآن ملك لي وبالتالي أمكنني من مواصلة العيش بصفة عادية، ربما الفرصة تُمنح فقط للموظف حين يفتتح محلا خاصا ليس إلا. كثيرة هي المغريات «كثيرة هي المغريات اليوم.. الاشهار في كل مكان، في الشارع وبوسائل الاعلام جميعها والتونسي عامة لا يعيش حسب مدخوله بل يصرف أكثر بكثير لذلك يلجأ الى القروض بمختلف أنواعها، ثم ان معنى عمل ثان صعب لأن الكثيرين يريدون مدخولا ثانيا لا عملا ثانيا، إذ أن بعضهم يعجز أحيانا حتى عن القيام بواجباته تجاه عمله الأصلي فتراه يهدر ساعات العمل في التفاهات». هكذا علّق على الأمر السيد محمد العتروس مدير بشركة النقل الحضري مضيفا: «من لا يُحسن القيام بواجباته تجاه عمله الاصلي لا يمكنه النجاح في العمل الاضافي خاصة لمن يتمتعون بعقلية «أخدم قد فلوسهم» لذا ليس مهما احتساب ساعات البقاء في العمل بل الأهم ساعات العمل نفسها». ضرورة وليس كماليات أما السيد زياد الحشايشي وهو موظف بالقطاع الخاص فكان له رأي آخر اذ أفاد: «العمل الثاني ضرورة حتمية لا مجال لتجاهلها أبدا خاصة اليوم في ظل ارتفاع الاسعار والظروف المعيشية وكذلك ارتفاع نسب التداين: تداين بنكي وتداين من صناديق الضمان ومن الشغل الى غيرها من أنواع القروض الاخرى لذلك فإن توفير عمل اضافي هو فرصة لعيش كريم مثلما هو الشأن اليوم في بعض دول الشرق حيث نرى موظفي الدولة يعملون صباحا في مكاتبهم ومساء في مهن خاصة وهذا ليس عيبا. لأن اليوم لا يوجد الا قلّة ممن هم مكتفون برواتبهم والبقية تجاهد لتصل الى آخر يوم في الشهر... ثم إن عمل الحصتين مرفوقا بمتابعة الاطفال ومرافقتهم من المدرسة يجعل من الأمر مستحيلا للبحث عن فرصة عمل اضافية... إذ بوجود الموظف من الساعة 7 صباحا الى الساعة 7 مساء بالشارع، فإنه يعود الى بيته منهكا ربما يعجز حتى عن الاعتناء بأطفاله. مالكو الحرف فقط التونسي والعمل الاضافي هكذا يراه البعض ضرورة حتمتها الظروف الحياتية والتطور الذي شهده التونسي ليس على مستوى المعيشة فحسب بل وحتى على مستوى المصاريف التي تتجاوز دوما محدود الدخل فالعمل الثاني هو فرصة لا يمكن ان تتاح للجميع خاصة لموظفي الحصتين اذ هي مستحيلة الا أنها موجودة على أرض الواقع لموظفي الحصة الواحدة ولأصحاب الصنعة هكذا رأى الامر من زاويته الخاصة السيد منذر وهو مهندس مختص في الكهرباء معتبرا ان اصحاب الصنعة وحدهم المخوّل لهم هذا الأمر مفسّرا الواقع بالتالي: «أحمد ا& على اختصاص دراستي فأنا أعمل بشركة خاصة طيلة اليوم، لكن أيام العطل والآحاد فإن لي الحرية للعمل لخاصة نفسي للاصدقاء والحرفاء ممن يشيّدون منازل جديدة أو حتى يحتاجون الى مختصين في الكهرباء وهذا الامر ليس مرتبطا بي فحسب فلي اصدقاء مثلا محترفون في قطاعات اخرى مختصة في الصيانة أو الالكترونيات، لذلك ما دامت مهنتنا مرتبطة بحرفيتنا فإننا نحصل على فرص عمل اضافية لمزيد تحسين مردود مداخيلنا». قد تختلف الآراء الا أنها تصب في واد واحد، أن العمل الثاني ضرورة لكن ضرورة مرتبطة فقط بالظروف وبنوعية العمل الذي يمارسه هذا الشخص... قد تكون متاحة للبعض، الا أنها مستحيلة للبعض الآخر في ظل ساعات عمل تتواصل الى السادسة مساء. سميرة الخياري كشو الاستهلاك الفردي الغذائي للتونسي القهوة: 1،2 كيلوغرام البطاطا: 29،4 كلغ الحبوب: 9،4 كلغ الأرز: 2،2 كلغ السكر الخام: 31،5 كلغ الشاي: 1،1 كلغ القمح: 211،2 كلغ التداين في تونس حسب دراسة مركز البحوث والدراسات ينفق جزء من التونسيين رواتبهم كله قبل يوم 15 من كل شهر. عديد العائلات التونسية مدينة للبنوك بين 5 آلاف دينار الى أكثر من 100 ألف دينار. أكثر من 85٪ من التونسيين مدينون ماليا بنسبة 7،77٪ للبنوك و23،3٪ للأقارب والاصدقاء.