تونس الصباح ضيفنا اليوم قد لا يكون معروفًا لدى عموم القراء وجماهير الرياضة لكنه أشهر من نار على علم لكل عشاق الفن النبيل ولكل من مارس الملاكمة أو دربها أو عاش في محيطها منذ خمسينات القرن الماضي. الشاذلي المزوغي لم يكن ملاكمًا فذًا، لكنه كان بطل بكل المقاييس: أعطى بلا حساب لرياضة أحبها حتى النخاع وساهم في تأطير المئات من الشبان وتعليمهم أصول الرياضة الحق ومبادى الفن النبيل. الشاذلي المزوغي، الذي درب الملاكمة على مدى أكثر من ربع قرن كان بطلاً بحق، بطل بتضحياته وبطل بأخلاقه وحسن معاشرته لكل من عايشه وبطل باللأبطال والنجوم الذين تدرّبوا على يديه وتخرجوا من «مدرسته». نعم، الشاذلي المزوغي هو من كان وراء بروز عديد النجوم الذين ليس أقلهم شأنا وشهرة يونس السديري وعلي بن جدو والبشير الجلاصي ورؤوف الحربي وتوفيق البلبوليي ولطفي بلخير وخميس الرفاعي ونجيب الصدام وعبد الستار البحري وفيصل البجاوي ويوسف شعيلة وغيرهم، وكثيرون ممن تعلموا أصول الملاكمة على يدي «عم الشاذلي» أصبحوا مدربين كبارًا على غرار عبد اللّه الطرابلسي وعلي خمّار والبشير الجلاصي وتوفيق بلال. ويلخص الشاذلي المزوغي مسيرته التدريبية بقوله: «انطلقت في التدريب عام 1980 وأولى محطاتي كانت النادي الإفريقي حيث كنت مساعدًا للهادي سيكي ثم الناصرية حيث توجت ببطولة تونس في أول موسم فطلبني الترجي الرياضي وانتقلت إليه بعد ذلك ودربت قرابة 17 سنة. وفي الترجي كنت دومًا أفوز بالبطولة وتخرّج على يديّ عديد الأبطال كما دربت في موسم (1982-1983) في فرنسا مع جاك شيش». مربّ وأب أكثر من مدرب ويحكي الشاذلي المزوغي قصته مع التدريب بكثير من الفخر ويؤكد أنه كان بالنسبة إلى الملاكمين أكثر من مدرّب: «كنت أعتبرهم مثل أبنائي وكنت إعاملهم كما أعامل أبنائي في المنزل بالضبط: كنت أحرص على سلوكهم خارج الحلبة وأتابع مشاكلهم وشواغلهم وتصرفاتهم، وكنت أعطيهم مصروف الجيب ولوازم التنقل والغداء من جيبي». ويضيف بكثير من الحسرة على العهد الذهبي للملاكمة التونسية: «كانت أفضل ذكرياتي في مسيرتي الرياضية الفترة التي قضيتها في الترجي، كنت خلالها أعيش من أجل الملاكمة ومن أجل أبنائي الملاكمين، وفيها عاشرت رجالاً أفذاذًا قدموا الكثير للرياضة وللوطن وأبرزهم حسان بلخوجة والهادي الجيلاني والمنذر الزنايدي والناصر الكناني». لكن حياة عم الشاذلي الرياضية ليست كلها عسلاً، فهذا الرياضي الأصيل والمربي الفاضل صاحب ال73 سنة لم يستفد مما قدّمه للرياضة التونسية من شيء، ولو حقق عشر ما حققه هو لأصبح ينعم باالملايين والمشاريع. في القلب غصّة! يعتبر الشاذلي المزوغي أنه لم يلق من الرياضة عمومًا ومن الترجي إلا الجحود. ويقول: «رغم ما قدمته للترجي طيلة عقدين تقريبًا، لم أحصل على شيء وخرجت من الحلبة فارغ اليدين، والآن أعيش على مبلغ زهيد هو ثمرة امتهاني لمهنة حرة، كما لم تلتفت لي وزارة الرياضة رغم مساهمتي في إعلاء شأن الملاكمة التونسسية كما دربت لفترة ما في المنتخب الوطني». ويضيف: «أنا لا أطلب المستحيل، وفي هذه السن تكفيني منحة أو جراية أو مورد رزق قار يقي عائلتي من بعدي شر الزمان وصعوبة الأيام». واختتم ضيفنا حديثه معنا بالدعوة إلى «مزيد الاهتمام برياضة الملاكمة والحرص على إعادة إشعاعها...» لأنها كما يقول: «قادرة دومًا على إنجاب أبطال كبار».