ما شهده العراق في المدة الأخيرة من تصاعد التفجيرات الدامية وفي قلب بغداد بالذات، أثار أكثر من سؤال وسبب الكثير من الاحراجات لحكومة المالكي التي كانت حتى وقت قريب تؤكد وتتغنى بنجاح جهودها في الحد من الاخلالات الأمنية. ولئن اختلفت التفسيرات حول هذه الأحداث الدامية خاصة وقد استهدفت بوضوح هذه المرة رمز السلطة الأمنية والعسكرية في العراق، إلا أن ما أدلى به وزير الخارجية العراقي هو شيار زيباري أخيرا من تصريحات كشف تناقضا صارخا بين حقيقة ما يجري في الواقع وما يروّج من أحاديث حول العملية السياسية وتحقيقها لنجاحات ملموسة أبرزها أحكام السيطرة على الوضع الأمني والميداني بصورة عامة في البلاد. ان وصف زيباري لما يجري «بالكارثة الوطنية الحقيقية» وانتقاده لما سماه بالتصريحات المتفائلة أكثر من اللازم» لم يأت من فراغ، ولم يكن موقفا اعتباطيا لا يستند لمعطيات موضوعية، بل أكدته الوقائع على الأرض، إذ كيف يمكن لشاحنة مملوءة بالمتفجرات أن تدخل الى قلب بغداد - المنطقة الخضراء - المعروفة بأنها شديدة التحصين رغم الحواجز والاجراءات الأمنية الصارمة لو لم يكن هناك نوع من التواطؤ والانحلال في صلب الاجهزة الامنية. والحقيقة ان معالجة مثل هذا الوضع لن تكون ممكنة إذا أصرت السلطات العراقية على تجاهل هذه الحقيقة الواضحة وارجاع ما يجري الى مجرد خلافات سياسية وحزبية ضيقة، خاصة والعراق يستعد الى تنظيم انتخابات عامة مصيرية، بل لا بد من تسمية الأمور بأسمائها والسعي بصورة جدية الى معالجة الاسباب الحقيقية لاستمرار تدهور الاوضاع ومن بينها تواصل افتقار العراقيين لأبسط الضرورات الحياتية، الأمر الذي وفر أرضية خصبة لانتشار الفساد وتفريخ الارهاب والتطرف، وتوليد الكراهية والحقد، وهي أمور لا يمكن بأي حال من الاحوال معالجتها فقط بطرق ووسائل أمنية أو بمجرد تصريحات ترقيعية تخفي الحقيقة أكثر مما تظهرها، وتلون القبور بألوان الربيع. ان المطلوب اليوم والعراق على أبواب انتخابات، الكف عن توجيه الاتهامات جزافا لهذا الطرف أو ذاك بالتورط في التفجيرات الحاصلة، لأن العدو مثلما قيل في اليونان القديم يمكن أن يكون في الداخل في الوقت الذي ننظر فيه الى الخارج ونكيل له التهم، ولعل الجوع والعطش والبطالة وغياب المرافق الصحية وانتشار الفقر والأمية إلى جانب الاحتلال الامريكي وما جناه على هذا الشعب تبقى أشد وأكبر أعداء العراق اليوم فهل يعي سياسيوه؟.