إن إصدار مجلة "المغرب الموحد" التي من المؤكد أنها قد أدخلت البهجة على الطلبة والقراء والنخبة المغاربية، يشكل حدثا إعلاميا وسياسيا مهما ويلبي في الوقت ذاته طموحات النخبة السياسيّة الحاكمة والنخبة الثقافيّة والفكريّة والمؤمنة بضرورة التحرك والنضال من أجل اتحاد حي يرزق، لا جثة هامدة. ولقد علمنا التاريخ أن النضال الثقافي والفكري والإعلامي أكثر أنواع النضالات مردوديّة، وإن دارت العجلة ببطء. وأغلب الظن أن الأستاذ إسماعيل بولحية رجل الفكر والسياسة المعروف من طينة الذين يتعاطون مع قناعاتهم بكثير من الوفاء، فأنا أتذكر أنه في المرات القليلة التي التقينا فيها كان دائما يحدثني عن حلمه بإصدار مجلة حول المغرب العربي، يجمع فيها شمل النخب المغاربيّة ويعزز النضال من أجل تفعيل الاتحاد المغاربي. وكنت ألمس في حديثه حماسة كبيرة إلى أن قبض الرجل على حلمه وصيره واقعا ملموسا. وها أن العدد الثالث من المجلة قد صدر ليكشف بأكثر وضوح وعمق مدى جدية مشروع المجلة وانخراطها المسؤول في قضايا المغرب العربي حيث تم طرح إشكالية الشباب المغاربي في علاقته بالتعليم العالي وإلى أي حد يتسم التعليم العالي المغاربي بالجودة المطلوبة وحدود علاقة المعرفة المنتجة بسوق الشغل. وكما نرى، فإن المجلة اتجهت مباشرة نحو الأسئلة الحارقة والإشكاليات الحقيقية التي تمس قضية التنمية وسبل الاستثمار الموفق في الموارد البشرية المغاربية. ولعل اللافت في المقام الأول ذكاء اختيار العنوان ذلك أنه يلخص في كلمتين اثنتين حلم النخب المغاربية :"المغرب الموحد" إضافة إلى أنه يضبط تصورا دقيقا بعيد النظر، فيه تجنيب للمجلة الخوض في ما يعيق تفعيل الاتحاد، مع التركيز على أمهات القضايا الاجتماعية والثقافية والفكرية والدينية. كما أن صدور العدد الأول من مجلة "المغرب الموحد" مزدانا بمقابلة ثرية مع الرّئيس زين العابدين بن علي قد وفر للمجلة انطلاقة لافتة ومهمة. إضافة إلى أنها أظهرت مدى إيمان تونس قيادة ونخبا وإعلاميين بمسألة الاتحاد المغاربي وهي نقطة تُحسب لصالحنا مغاربيا، فتونس هي الدولة المغاربية الوحيدة التي حافظت على رؤيتها المساندة والداعمة للاتحاد ولطالما تدخلت من خلال شخص الرّئيس بن علي لحل الكثير من المشاكل المعروفة. ويمكن القول إنه رغم أن هذه المجلة لا تزال في عامها الأول، إلا أنها بدأت تنجز بعض ما وعدت به وذلك من خلال تأمين منبر للنخب المغاربية يجتمعون فيه ويبدون فيه الآراء والتحاليل الكفيلة بإضاءة الإشكاليات، التي نعاني منها خصوصا أن هيئة المجلة تعتزم التركيز على قضايا الشباب والمرأة في المغرب العربي بوصفهما يمثلان المستقبل وقارب النجاة.. وكم سيكون جميلا ومثلجا للصدر لو تتكاثر هذه المبادرات وتتنوع مما سيكشف صدق تطلعات النخب وجرأة الانخراط الفعلي.