شكلت البرمجة الرمضانية على مختلف قنواتنا حدثا استثنائيا من حيث عدد العناوين المقترحة غلب فيها الكمّ على الكيف وفيما استجابت بعض الأعمال لذائقة البعض شكّلت بعضها خيبة لشق كان يبحث عن الكميّة والنوعية. في ذات الوقت أسوة بالعديد من الفضائيات العربية التي كسبت رهان شدّ المشاهد على امتداد الشهر . لا يمكن أن نكران أن برمجة رمضان الموسمية حملت رياح التغيير قياسا بالشبكة البرامجية العادية. ولأن الأمور الجيّدة لا يمكنها أن تعمّر طويلا فما أن انفض «المولد» حتى عادت تلفزاتنا إلى طاحونة الشيء الأقل من المعتاد حيث غابت الاستراتيجية البرمجية الواضحة وكأن المشرفين على تلفزاتنا خاصة منها «تونس 7» و«تونس 21» العموميتين على غير علم بأن شهر رمضان سينتهي وأنه عليهم التفكير في المرحلة الانتقالية الفاصلة بينه وبين الشبكة الشتوية، أي في هذه الفترة التي تشهد فيها قنواتنا خواء يرسخ الارتجالية في التعامل مع المشاهد . الغريب أن القائمين على تلفزاتنا لم يعوا رغم مرور زهاء النصف قرن على دخول جهاز التلفزيون بيوت التونسيين أن المشاهد يبحث عن الإنتاجات التي بإمكانها أن تستنبت المتعة مسلسلا كانت أو حصة ألعاب أو برنامجا تثقيفيا أو إخباريا.كما أن المفارقة أن التلفزيون التونسي زمن الأبيض والأسود كان رغم إمكانياته المتواضعة يفكّر ويبحث وينتج وقد أثمرت جهود مسؤوليه ومبدعيه في تلك الفترة مسلسلات وأشرطة تلفزية ومنوّعات وحصص ألعاب تعرض على مدار السنة، مازال الكثير ممن شاهدها يذكرها بل ويترحّم على أيامها . اليوم رغم ارتفاع حجم الاعتمادات التي ترصدها الدولة للتلفزة ورغم التشجيعات ورغم ثراء الرصيد البشري وتنوّع اختصاصاته ومدارسه يعيش قطاعنا العام سنواته العجاف التي توحي بأن الأفكار شحّت والعطاء نضب . تلفزات العالم بأسره عرفت كيف تخاطب عقول وقلوب متتبعيها وكيف تجعل من جهاز التلفزيون ليس أداة للفرجة فحسب وإنما أيضا للتكوين في مختلف الميادين وتنبّهت إلى ماذا يريد المتلقي بالضبط في الصباح وماذا يحب أن يتابع وهو على مائدة الطعام وماذا ينبغي أن يرى قبل أن يخلد إلى النوم إلا تلفزتنا غاب عنها ولسنوات متعاقبة هذا الأمر ومازالت وحدها تقرر للمشاهد ماذا يشاهد ومتى يشاهد .لا نريد من تلفزتنا أن تنافس القنوات الخاصة أو الفضائيات الأجنبية، إنما ما نحتاجه فقط استراتيجية برمجية واضحة تنبئ حقا بأن هناك من يفكّر بصدق في أحقية المشاهد بمتابعة أعمال محلية ذات جودة عالية تغنيه عن كل ما هو وافد من الإنتاجات وتقطع مع الرتابة ذلك أن الروتين موجود في كامل مجالات الحياة ووحده التلفزيون قادر على إضفاء الحركة والتجدّد على نمط الحياة . ختاما إنه لمن المدهش أن تصر قناتي «تونس 7» و«تونس 21» على اجترار أعمال سبق عرضها في جميع المحطات الفضائية تقريبا على غرار «بعد الفراق» وتلك الإنتاجات الدرامية التركية التي أضحت «العجلة الخامسة» التي يراد بها سدّ الفراغ دون اعتبار بعض العناوين المقترحة التي يتضح من مضامينها أنها أعدّت «عالماشي» كما أنه لمن المعيب أن يكون جواب سؤالك عن المقترحات والاستعدادات لما بعد رمضان وما اتفق على تسميته بالبرمجة الشتوية «البرمجة مازالت غير واضحة» و«ما عندنا حتى شيء رسمي» (بدون تعليق).