هل يعقل ان يتخذ مهرجان صفاقس الدولي قرارا بالغاء كامل السهرات الفنية الاخيرة في برنامجه لا لشيء الا لانه سجل خسارة مالية لا تتجاوز السبعين الف دينار؟ ان هذا القرار خاطئ.. لانه يؤشر لظاهرة جديدة تتمثل في الهاجس الكبير الذي اصبحت تعيش به المهرجانات ألا وهو هاجس تحقيق الربح من الحفلات الفنية بدعوى احداث التوازن في الميزانية وعدم تسجيل الخسائر او الديون من اي نوع كان! ما لا يجب ان ننساه هو ان المهرجان وخاصة اذا ما كان دوليا، هو بالاساس تظاهرة ثقافية لا تهدف الى الربح.. وهنا على هيئته ان تكون واعية بكل المعطيات في السوق الفنية والترفيهية، ومتفهمة لاوضاع الجمهور المستهدف عندما تبدأ في اعداد البرنامج العام لهذه التظاهرة. الواضح ان مهرجان صفاقس ليس على دراية بميولات جماهير صفاقس والجهات المحيطة بهذه المدينة والا ما كان ليبرمج سهرة تحييها الفنانة «أليسا» التي لا تحظى بشعبية ذات بال في تونس، كما انه قد اخطأ عندما برمج الفنان راغب علامة الذي لم تعد له قاعدة جماهيرية ليس في تونس فحسب بل في كامل البلاد العربية ذلك ان الشركات الصانعة للنجوم قد انتهت منه وعوضته بأسماء اخرى هي اليوم محركة لاحاسيس الشباب العربي بشكل مطلق. وما راغب علامة اليوم غير مطرب مطاعم وفنادق سياحية ولا يمكن لسهراته ان تكون جماهيرية. وكان لابد من برمجته في مسرح صغير يؤمه جمهور لم يكن يعرف هذا الفنان، او يؤمه جمهور مازال وفيا له في عصر فني الوفاء فيه لا يكون الا للفنانين الحقيقيين الذين لا تقدر على سحقهم اجهزة الشركات المفبركة للنجوم ولا تقدر عليهم الدعاية المضادة مهما فعلت، فهل تستطيع هذه الاجهزة ان تضرب ماجدة الرومي في لبنان او اوبرا القاهرة، او درصاف الحمداني او سنيا مبارك في تونس، فهذه الاسماء او الفضاءات الثقافية تبني مجدها بعيدا عن حركة العرض والطلب، وبعيدا عن الالة الجهنمية لسوق الاعلان والدعاية في المجال الفني. اذن الخطأ وقع منذ البداية.. وكان على المهرجان ان يعرف ذلك وان يتحمل النتائج ويسعى الى ايجاد حلول اخرى غير حل الغاء الحفلات والسهرات بما ينجر عن ذلك من ارباك في كامل الجهة.. ومن قضايا لدى المحاكم قد يرفعها اولئك الذين سيتضررون من هذا القرار الذي جاء مفاجئا للجميع. صحيح ان اهالي صفاقس يعيشون تحت وقع الصدمة التي تلقوها ليلة ستار اكاديمي المشؤومة قبل اشهر لكن هذا العنصر على وجاهته التي تسببت في الكثير من الالم والحزن يبقى غير محدد لنجاح المهرجان او فشله وان كان مؤثرا في الانفس بدليل ان سهرة فضل شاكر في صفاقس قد اقبل عليها اكثر من 4 الاف متفرج؟!! فهل ان 4 الاف متفرج رقم هزيل في سجل الحفلات الكبرى؟!! انه رقم كبير.. وخروج الجمهور الى فضل شاكر بهذا «الحجم» امر لا يجب ان نستهين به على الاطلاق. اما وان السهرة قد سجلت خسائر فادحة لان اجر فاضل شاكر ارفع من المداخيل التي سجلها المهرجان ليلتها فهذا ما كان يجب ان يدفع الى الغضب او الى الاحباط، او الى اتخاذ قرار خاطئ من قبيل الغاء بقية العروض المبرمجة. كان يجب تحمل الخسائر لانها واردة في المهرجانات الثقافية. وكان يجب على اعضاء مجلس الولاية وعلى اصحاب المؤسسات الاقتصادية وهي كثيرة والحمد لله في صفاقس ان يتحركوا في الابان وان يغطوا هذه الخسائر التي تبدو في حقيقة الأمر بسيطة وعادية امام الرهان الثقافي للمهرجان. فهل كانت هذه المؤسسات الاقتصادية ستتسبب في الغاء مقابلات في كرة القدم لو ان النادي الصفاقسي مثلا دخل في ازمة مالية؟! نحن نعرف ان ميزانيات النوادي الرياضية في صفاقس ترتفع الى مئات الملايين وخسائرها تبلغ مئات الملايين ايضا.. فهل يتم الغاء المقابلات؟! من المؤكد ان هناك حلولا اخرى كثيرة.. وما على المهرجان الا ان يكون قادرا على اعتماد هذا الحل او ذاك حتى لا يستهين بالثقافة ولا يستهين بالمهرجانات الثقافية وحتى لا تسجل سابقة لا يرضاها احد. ان الغاء بقية عروض مهرجان صفاقس اهانة للجمهور الكبير الذي جاء للفنان فضل شاكر رغم ان هذا الجمهور لم يمكن المهرجان من تحقيق التوازن المالي في الميزانية، فهل ان 4 الاف متفرج الذين كان يمكن ان يحضروا للفنانة شيرين عبد الوهاب، وللفنانة نانسي عجرم لا يمثلون شيئا يذكر في مخططات الهيئة ام ان هاجس الربح والخسارة هو الحاكم بأمره فيها؟! وفي كلمة: ان ما جرى يدعو الجميع في صفاقس الى التفكير الجدي وخاصة اصحاب المؤسسات الاقتصادية التي لا يمكن ان يزعجها مبلغ مائة الف دينار لانقاذ المهرجان القادر على اشاعة الفرحة والحب والثقافة والترفيه.