تؤكد آخر التقارير الدولية ان حصيلة الضحايا من الصحفيين فاقت في الحرب الدائرة في العراق المحتل حصيلة أية حرب حديثة أخرى، حيث قتل "ما لايقل عن 112 محررا ومراسلا ومصورا صحفيا وأربعون يعملون في مهن مساعدة للصحفيين مثل المترجمين والسائقين أثناء العمل في العراق منذ بدء الحرب في مارس 2003، طبقا لتقرير اصدرته لجنة حماية الصحفيين، التي تأسست عام 1981. وحسب مصادر اخرى فان الحصيلة وصلت إلى 198 بالإضافة لعشرات ممن تم اختطافهم، بينما يقول الاتحاد الدولي للصحفيين ان الرقم وصل إلى 200. علما ان 38 صحفيا قتلوا أثناء تغطيتهم احداث الازمة في الجزائر بين عامي 1993 و1996 وقتل ما بين 66 و71 أثناء حرب فيتنام بينما قتل 68 أثناء الحرب العالمية الثانية واثنان خلال الحرب العالمية الأولى. كما كانت حصيلة الصحفيين الذين قتلوا في العراق العام الماضي الأكبر التي تحصيها المنظمات الدولية في دولة واحدة، بصرف النظر عمّن قتل في غير عمل حربي مثل قتلى حوادث المرور او الذين ماتوا بسبب سقوط الطائرات التي تقلهم مع العسكريين او في رحلات عادية. وامام تزايد المخاطر فان جل مؤسسات الاعلام الغربية وضعت قيودا على سفر مراسليها الى العراق خشية تعرضهم للمخاطر فكانت الحصيلة ان اغلب الذين يتعرضون للقتل من قبل الميليشيات المسلحة والقوات النظامية العراقية والاجنبية من بين الاعلاميين العراقيين والعرب، وفي هذا السياق فان ما لا يقل عن 90 صحفيا عراقيا قتلوا خلال عملهم في تغطية مجريات الأحداث، مقارنة ب13 من دول أوروبا وامريكيين اثنين وثلاثة من دول عربية غير العراق. ومن بين هؤلاء 73 قتلوا عمدا و39 قتلوا خلال مواكبة "اشتباك عسكري بين جهتين". يحصل هذا في القرن ال21 رغم ما يقال عن حماية حقوق الاعلاميين والحق في الحصول على الخبر من مصادره مباشرة دون تاثيرات خارجية.. ورغم تعهد واشنطن وحلفائها قبل بدء الحرب عام 2003 توفير مناخ من الديموقراطية والحريات في العراق وفي كامل العالم العربي الاسلامي.. باعتبار التنمية السياسية من ابرز شروط تامين المجتمعات من مخاطر التطرف والعنف والارهاب.. لكن التقارير الغربية عن تدهور ظروف عمل الصحفيين والمراسلين في العراق وافغانستان وفي فلسطين ولبنان وباكستان.. دليل على ان الحرب العالمية على الارهاب التي بدات مباشرة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 الارهابية كانت نتيجتها عكسية.. اذ باتت حياة الاعلاميين في خطر غير مسبوق وهو ما يعني انتصار الاطراف التي تريد حجب الحقائق عن شعوبها.. احيانا عبر التهديدات المتزايدة بالقتل واحيانا اخرى عبر ترحيل مراسلين صحفيين وغلق مكاتب مؤسسات اعلامية عديدة.. مرة اخرى تهتز صورة "النموذج" العراقي ..لنشر الحريات والقيم الديموقراطية ..ومرة اخرى تبرز معطيات تؤكد خطورة "المازق" الامريكي في العراق.. الذي تطور الى ساحة تصفي فيها عدة قوى اقليمية ودولية حساباتها على حساب مصالح عشرات الملايين من المواطنين العراقيين وامنهم.. ضمن استراتيجيات معقدة من اهدافها استبعاد نقل المعركة الى داخل اراضيها.. او تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية خاصة بها.. ان الاممالمتحدة على محدودية دور بعض مؤسساتها تبقى المؤهل الوحيد لتدارك الوضع واصلاح الامور.. وفتح نوافذ جديدة من الامل في منطقة تدفع منذ قرنين نحو مسلسل من الحلقات المفرغة.. لاهداف استعمارية وبالتالي فرض هيمنة بأشكال مختلفة.