تونس الصباح سيكون ملف التشغيل مجددا من بين العناصر البارزة التي ستحظى بالاولوية المطلقة في السياسة التنموية للبلاد خلال الخماسية المقبلة، ولعل في وضع الرئيس زين العابدين بن علي في خطابه أول أمس بمناسبة افتتاح الحملة الانتخابية شعار الخماسية المقبلة "لا اسرة تونسية دون شغل او مورد رزق لاحد أفرادها على الاقل قبل موفى 2014". تأكيدا لهذا التوجه، ودعما لاستمرارية استحثاث نسق التشغيل والنهوض به وهو الذي حقق نتائج ايجابية مشجعة خلال الفترة الماضية. وسيكون ملف التشغيل حتما التحدي الاكبر خلال المرحلة المقبلة، من خلال العمل على تغطية الطلبات الاضافية للتشغيل للسنوات الخمس القادمة باحداث 425 ألف موطن شغل جديد، أي بمعدل 85 ألف موطن شغل جديد سنويا، بما يقلص نسبة البطالة بنقطة ونصف مع نهاية الفترة. وقد خص رئيس الدولة ملف التشغيل ببند قار في برنامجه الانتخابي، علاوة على عدة بنود أخرى لها علاقة بموضوع التشغيل. وتضمن خطابه المرجعي في ما يهم التشغيل، أهدافا طموحة تعكس اهتمامه الشخصي بهذا الملف وهو الذي قال: "ان التشغيل يبقى اوكد تحديات المرحلة وهو يكتسي الاولوية المطلقة في اهتماماتنا. وقد خصصناه بمنزلة مهمة في برنامجنا حيث شملناه بعشرين قرارا الى جانب الاجراءات غير المباشرة التي تيسر احداثات الشغل وبعث المؤسسات والتشجيع على الاستثمار والمبادرة وتحديث سياسة التكوين والادماج المهني". ومن المقرر أن ترتكز سياسة التشغيل خلال الخماسية القادمة وفق ما أشار إليه رئيس الدولة في خطابه الانتخابي على "تكثيف برامج التاهيل المهني والادماج حتى تنزل مدة الانتظار من تاريخ التخرج الى الحصول على شغل او تكوين تاهيلي او تربص الى اقل من سنتين مع موفى سنة 2014". كما سيتم دعم برامج النهوض بالتشغيل عبر إعطاء دور أكبر ل"قطاعات الخدمة المدنية والاقتصاد التضامني ومهن الجوار المعروفة والمستحدثة". تشجيع الباعثين الشبان ولتشجيع الباعثين الشبان على المبادرة الخاصة، وتشجيع نسق إحداث المشاريع، أبرز الرئيس بن علي في ذات الخطاب إلى أنه سيتم "وضع اطار قانوني جديد يؤسس لصنف مستحدث من باعثي المشاريع الصغرى تحت تسمية "الباعث الذاتي" يعتمد اجراءات في غاية البساطة واليسر في مجالي الجباية والمساهمات في الضمان الاجتماعي". كما سيتم دعم ذلك بالترفيع بنسبة 50 بالمائة في سقف قروض البنك التونسي للتضامن وتطوير القروض الصغرى الممنوحة من قبل الجمعيات التنموية. الشباب مفتاح النجاح وجدد رئيس الدولة رهانه على الشباب ودوره المتنامي في نحت مستقبل تونس وازدهارها باعتباره "مفتاح النجاح والضمان لتحقيق طموحات شعبنا في مزيد الرفعة والتقدم". وتواصلا لسنة الحوار، والاصغاء لمشاغل الشباب التي كان لها دور في تصور العديد من البرامج التنموية خاصة منها ما يتعلق بدفع نسق التشغيل، وبعث المشاريع، أكد الرئيس بن علي على أنه سيتم العمل على " تكريس الحوار الدائم مع الشباب على المستويين الوطني والجهوي وعلى مواصلة الاصغاء الى مشاغلهم ورصد اهتماماتهم واستجلاء تطلعاتهم باستمرار وتوسيع مشاركتهم في الهياكل الجهوية والمحلية". علاوة على ما سيتم وضعه من اجراءات ومبادرات في مجالات التشغيل والتشجيع على المبادرة والاستثمار وفي ميادين التربية والتكوين والرياضة والثقافة والترفيه. وفق ما جاء في خطاب الرئيس بن علي. التشغيل أولوية وطنية وكان قطاع التشغيل قد عرف خلال الفترة الماضية دفعا هاما على مستوى جميع مؤشراته منذ إقراره كأولوية في البرنامج الانتخابي للرئيس بن علي (1999- 2004) وإعادة تأكيده كخيار دائم في البرنامج الانتخابي لتونس الغد (2004-2009). وانطلاقا من هذا التوجه كان موضوع استحثاث نسق التشغيل والحد من نسبة البطالة وخاصة في ما يتعلق باصحاب الشهادات العليا، وما يزال من الثوابت الوطنية والاهداف الاساسية في كل سياسات برامج البلاد التنموية. وقد ارتكزت سياسة التشغيل الوطنية خلال الخماسية الاخيرة على خطة إنمائية ترمي الى توفير كثافة تشغيلية عالية من خلال دفع نسق الاستثمار الخاص باعتبار قدرته على الترفيع في نسبة احداثات الشغل في عديد القطاعات وخاصة الواعدة منها. فضلا عن تطوير الكفاءات والموارد البشرية وتأهيلها مواكبة للتطور النوعي لسوق الشغل بما تشهده من متغيرات على مستوى المهن الجديدة والقطاعات المستحدثة في اطار الاستجابة لمتطلبات ارساء اقتصاد المعرفة. كما استهدفت سياسة الدولة في مجال النهوض بالتشغيل الارتقاء بنسب النمو الى نحو 5% والرفع من نسق الاستثمار في الناتج المحلي الخام فضلا عن تفعيل الدور الاقتصادي للجهة وتوظيف خصوصياتها ومكامن التشغيل المتوفرة بها في دفع احداثات الشغل على المستوى الجهوي والوطني. وتقوم المقاربة التونسية للتشغيل على اساس تنشيط سوق الشغل وتقريب الخدمات من مستحقيها عن طريق اصلاحات هيكلية لمصالح التشغيل وتدعيم تدخلاتها الميدانية في اطار الشراكة مع مختلف الاطراف المعنية بالاضافة الى تطوير آليات رصد تطورات السوق ونسب البطالة وحجم العروض المتوفرة وغيرها من المعطيات المكونة لمنظومة التشغيل. مؤشرات ايجابية وقد مكنت مختلف برامج النهوض بالتشغيل من تحقيق مؤشرات ايجابية إذ بلغ عدد المشتغلين سنة 2008 حوالي 3.1 مليون مشتغل مقابل 2.4 مليون سنة 1999، ووفر الاقتصاد الوطني بذلك 76 ألف موطن شغل سنويا خلال الفترة الممتدة بين 1999 و2008، مقابل اقل من 40 ألف موطن شغل قبل سنة 1987. كما تحسنت نسبة تغطية الطلبات الاضافية للتشغيل الى اكثر من 90% سنة 2008 بعد ان كان الاقتصاد الوطني لا يستجيب الا ل68% منها قبل التحول. كما مكنت البرامج الرامية الى تحسين نسبة ادماج اصحاب الشهادات العليا في سوق الشغل من توفير حوالي 36 ألف موطن شغل لهذه الفئة خلال سنة 2008 في حين لم يتجاوز معدل الاحداثات في السنوات السابقة 27 ألف موطن شغل. علما أن عدد المشتغلين من خريجي الجامعات تضاعف 5 مرات منذ التحول اذ تطور من 80 ألف مشتغل الى اكثر من 470 ألف مشتغل بما مكن من تحسين نسبة التاطير الجملية للاقتصاد ليبلغ 15% حاليا مقابل 4.5% قبل سنة 1987 و9% سنة 1999. ونتج عن مختلف البرامج وآليات النهوض بالتشغيل التخفيض في نسبة البطالة بنقطتين، إذ تراجعت من 16% سنة 1999 الى 14% سنة 2008. تحديات ومواكبة لما يشهده سوق الشغل من تحديات جديدة متأتية اساسا من تطور الطلبات الاضافية وارتفاع خريجي الجامعات سنويا كان رئيس الدولة قد أذن في خطابه المرجعي بمناسبة الذكرى 21 للتحول بالقيام بإصلاح عميق للسياسة النشيطة للتشغيل وتصويبها نحو الفئات التي تلاقي صعوبات ادماج خصوصية الى جانب وضع برنامج للارتقاء بجودة خدمات مكاتب التشغيل الى مستوى المعايير المعتمدة دوليا بما يعزز قدرتها على تيسير عملية ادماج طالبي الشغل في الحياة المهنية. وتجسيما لهذا القرار اقر سيادته خلال المجلس الوزاري المنعقد يوم 2 جانفي 2009 اعادة هيكلة السياسة النشيطة للتشغيل من خلال جملة من الاجراءات العملية التي فتحت آفاقا جديدة لطالبي الشغل في مجال التأهيل والادماج المهني. وتم في هذا السياق الاستئناس بالتوصيات المنبثقة عن الاستشارة الوطنية للتشغيل التي انتظمت باذن من رئيس الدولة سنة 2008 وبتقييمات المرصد الوطني للتشغيل والمهارات وبالتجارب الدولية المعتمدة في هذا المجال، علاوة على الاقتراحات المنبثقة عن سنة الحوار مع الشباب. إعادة هيكلة وتتمثل إجراءات إعادة هيكلة آليات السياسة النشيطة للتشغيل التي يتم تنفيذها حاليا، في اختصار برامج التشغيل في 6 برامج وتبسيط إجراءات الانتفاع بها، وربط التأهيل ضمن برامج التشغيل بإدماج المنتفعين بالمؤسسات على أن تتحمل الدولة كلفة التأهيل الضروري، وتوجيه المؤسسات إلى التعهد بإدماج أكبر نسبة ممكنة من المنتفعين.. فضلا عن إعطاء صلاحيات أكبر للجهات في وضع وتنفيذ برامج التشغيل في إطار عقود برامج سنوية مع المجالس الجهوية لتحديد نوعية التدخل والفئات المستهدفة وعدد المنتفعين وكلفة البرامج ضمن نظرة شاملة لتدخلات مختلف الوزارات، وإقرار الاحاطة المكثفة بمن طالت بطالتهم. وشملت هذه البرامج حاملي الشهادات العليا في الاختصاصات صعبة الادماج، أو الذين طالت فترة بطالتهم، وطالبي الشغل من المستويات دون التعليم العالي، وفاقدي الشغل خاصة لاسباب اقتصادية، والراغبين في بعث مشاريع.. وتعكس مختلف هذه البرامج والقرارات المدرجة في اطار اعادة هيكلة السياسة النشيطة للتشغيل حرص رئيس الدولة الثابت على توجيه سياسة البلاد التشغيلية نحو كل الفئات والجهات وعلى تحسين قدرة الاقتصاد الوطني على الاستجابة الى الطلبات الاضافية لسوق الشغل وخاصة منها المتأتية من اصحاب الشهادات العليا، فضلا عن تكثيف الاحاطة بطالبي الشغل في جميع مراحل التكوين والتأهيل والادماج وتمكينهم من كل الاليات الكفيلة بتيسير اندماجهم في سوق الشغل انطلاقا من مقاربة حكيمة جعلت من الشغل قيمة جوهرية ثابتة واحد اهم حقوق الانسان الاساسية. جدير بالذكر أنه تم خلال السنة الماضية إحداث أكثر من 80 ألف موطن شغل إضافي بما مكن من تثبيت المعدل العام للبطالة في تونس عند مستوى 14بالمائة. وتعمل الدولة على التقليص منها إلى 13.4 بالمائة سنة 2011 وذلك أساسا عبر مزيد جلب الاستثمارات الاجنبية، والمحافظة على نسق جيد لنمو الاقتصاد الذي حقق سنة 2008 نموا بنسبة 5 بالمائة. ارتفاع عدد المدمجين في سوق الشغل ونتيجة لما تم وضعه من برامج وآليات للنهوض بقطاع التشغيل، تشير المؤشرات الاولية بأن سوق الشغل بدأ يستعيد حركية ما قبل الازمة الاقتصادية العالمية. من ذلك أن عدد المدمجين في سوق الشغل ارتفع بنسبة 2,6 بالمائة، خلال الاشهر الثمانية الاولى من السنة الحالية كما ارتفع عدد المدمجين من حملة الشهادات العليا ب10 بالمائة. وتحقق هذا النمو بعد تسجيل نسق تصاعدي في تطور عدد المدمجين خلال الربع الثاني من السنة الجارية مما مكن من تغطية الانخفاض المسجل خلال الاشهر الاولى من السنة التي شهدت تراجعا في عدد المدمجين ب12,4 بالمائة. عقود برامج وفي سياق متصل، تم خلال الفترة المنقضية من هذه السنة تنفيذ عقود برامج مع الجهات، وهي عقود تندرج في إطار التوجهات الرامية إلى جعل الجهة قطبا تنمويا نشيطا عبر تنمية المبادرات المحلية للتشغيل. كما تم صلب الوكالة الوطنية للتشغيل إحداث خلية في شكل مخاطب وحيد، لتستجيب بالسرعة المطلوبة لعروض الشغل التي تقدمها كبرى المؤسسات التي تشغل أكثر من ألف عامل، وتلبية حاجياتها من اليد العاملة المختصة. وقد تم للغرض إمضاء اتفاقيات مع عدد من تلك المؤسسات ستوفر خلال السنتين المقبلتين أكثر من 10 آلاف موطن شغل جديد. وبهدف دعم واستغلال مكاتب تشغيل والعمل المستقل، تعمل وزارة التشغيل حاليا على تجميع الباعثين في منظومة المهن الحرة. وسيتم في مرحلة أولى وكبرنامج نموذجي التعاقد مع 90 باعث مشروع من حاملي شهادات التكوين المهني للعمل بتونس الكبرى ليتم تعميمه على بقية الجهات في مرحلة لاحقة.