جاء في بيان لمؤسسة «ابن رشد» (1126-1198) للفكر الحر ومقرها ببرلين والتي تعمل على دعم حرية الرأي والديمقراطية في العالم العربي عن طريق منحها جائزة سنوية أن الفائز بجائزتها لهذه السنة هو وأحد من أهم مفكري العالم الثالث وأكثرهم تأثيراً على المستوى الاقتصادي. والذي يعنيه بيان مؤسسة ابن رشد ليس إلا الدكتور المصري سمير أمين (من مواليد القاهرة عام1931 من أب مصري وأم فرنسية) ذاك الاقتصادي الذي وقف طيلة مسيرته الأكاديمية وانتاجه الفكري ونشاطه المدني إلى جانب استقلالية قرار الدول النامية في اختيار الطريق للتنمية وخاصة في العالم العربي. وقد دعا سمير أمين باستمرار إلى تضامن أُممي جديد ليس لتجاوز أزمة الرأسمالية فحسب، بل للخلاص من النظام الرأسمالي المأزوم مرة واحدة. إن الأزمة المالية التي بدأت منذ سبتمبر من العام الماضي، سبق لسمير أمين أن تنبأ بها بكونها وليدة للنظام، وبالتالي، فهي جزء من أزمة النظام الرأسمالي المتقدم والتي برزت بداياتها في عام 1970. في نقد العولمة ففي نقده للعولمة الرأسمالية، ينطلق سمير أمين من التزام ثابت بمصالح ضحاياها. وتبعًا لذلك فهو ينظر إلى الأزمات الكبيرة المعاصرة مثل أزمة الطاقة، أزمة الغذاء، أزمة البيئة وتغيّر المناخ على أنها نتائج مختلفة الأوجه لنفس المعضلة الأساسية أي «العولمة الرأسمالية المعاصرة» القائمة على الاستغلال البشع للموارد الطبيعية. ويقول سمير أمين في هذا: «الأزمة الراهنة ليست أزمة مالية ولا جمعًا لأزمات نابعة من النظام، بل هي أزمة الرأسمالية الإمبريالية بقيادة أقلية مهيمنة». ويرى بأن الخروج من هذا الوضع المميت هو استتباب «عولمة توافقية إنسانية» دون أي نزعة في اتجاه الهيمنة والتسلط وضرورة خلق جبهة مشتركة للشعوب وتجديد الماركسية الخلاقة. فقد وصفته مرة الصحفية سارة علام بقولها:«إذا سمعته يتحدث عن «ماركس» ستلاحظ اختلاج شفتيه وحماسه الواضح رغم هدوئه وانخفاض صوته، إذا تحدث عن «الرأسمالية» ستلمح في عينيه نظرات واثقة تؤكد لك اقتراب النهاية رغم أن الواقع لا يبشر بذلك..». ورغم هذا الحماس لماركس دون تأييد بعض مظاهر الماركسية وخاصة منها الماركسية السوفيتية ورغم ميله لفترة وجيزة لجانب الإتجاه «الماوي»، فإن الرؤية الثاقبة للاقتصادي سمير أمين لم تنمح مع فشل التجارب الاشتراكية في العالم وفي العالم الثالث وخاصة في العالم العربي. ذلك أن عمله كمدير لمعهد الأممالمتحدة للتخطيط الاقتصادي بداكار (السينيغال) لعشر سنوات طوال السبعينات حيث تصدى لمقولات عديدة سائدة عن التنمية والتحديث وخطط المؤسسات المالية الدولية، ومشاركته أثناء عمله فى تأسيس منظمات بحثية وعلمية أفريقية مثل المجلس الأفريقي لتنمية البحوث الاجتماعية والاقتصادية ومنتدى العالم الثالث الذي يترأسه حاليا مكنوه من الإطلاع الدقيق على المسائل الاقتصادية والتنموية في العالم العربي... وبالتالي، جاءت مقولاته في العولمة قائمة على ثلاثة ملامح هى «عسكرة العولمة» و«الاستعمار الجماعي» مما دفعه لوضع «استراتيجية لمواجهة تلك العولمة التي تصارع ولا تقبل المنافسة». ...ونظيرها الخطاب العربي هذا وقد صدر له مؤخرا كتاب جديد بعنوان «في نقد الخطاب العربي الراهن» الذي يقول عنه مؤلفه «الكتاب يبدأ بفصل عن نقد خطاب الرأسمالية الليبرالية السائدة في العالم، وهو خطاب أيديولوجي بحت، ويسعى إلى الهروب من التحديات الحقيقية. مشيرًا إلى الخصوصيات الثقافية التي تبحث عن ثوابت في التاريخ سواء كانت أثنية أو إسلامية». وينتقد سمير أمين في هذا الكتاب الأخير «خطاب الرأسمالية» التي تحاول تعميم اتجاهها ونشره على أنه حل أمثل لكل المشاكل التي تواجه العالم المعاصر رغم اختلاف الخصوصيات. من جهة أخرى، يرى سمير أمين أن تيارات القومية العربية أغفلت العلاقة الحاسمة التي تربط بين النضال من أجل إنجاز الوحدة العربية، والصراع الطبقي ويطرح مقولة أن إنجاز الوحدة أمر مرفوض دون الخروج من مأزق الرأسمالية. هذا ولم تسلم ظاهرة «الإسلام السياسي» من تحليلاته حيث أن الإسلام السياسي في نظره، هو ظاهرة حديثة، وليست استمرارًا لظاهرة قديمة. وبالتالي، لا مستقبل لها في الأمد الطويل.. يُذكر أن لسمير أمين أكثر من27 مؤلفًا في الاقتصاد والسياسة باللغات العربية والفرنسية والأنقليزية، منها مذكراته التي صدرت عن دار «الساقي» في العامين 2006 و2008. وسوف يحضر الأستاذ سمير أمين من داكار (السنغال) إلى برلين ليتسلم الجائزة في الثالث من ديسمبر. وللعلم فإن هذه الجائزة قد حصلت عليها من قبل أسماء لامعة في عديد الميادين الحيوية في المحيط العربي وفي جميع الميادين. وإن حصل عليها المفكر المغربي محمد عابد الجابري عن مجمل أعماله في العام الماضي، فقد حصل عليها السينمائي التونسي النوري بوزيد في العام 2007.