عائلة زوجي أخفت عنّي الحقيقة وحرمت ابنتي من حقوقها أنا مرفوضة ومنبوذة في المجتمع ابنتي مرفوضة في كل «الروضات» بسببي..!! الطبيب المعالج: درّة حالة اجتماعية تستحق المساعدة... وقصّتها درس لكل قادمة على الزواج مع كل حلقة جديدة من برنامج «المسامح كريم» الذي يبث في سهرة كل جمعة على قناة حنبعل يقف المشاهد على بعض الحالات الغريبة، عجيبة في أطوارها، معقّدة في تفاصيلها ومتشابكة في خيوطها... حالة «درّة» مريضة السيدا التي ظهرت مؤخرا في هذا البرنامج أثارت ردود أفعال كثيرة وتعاطف معها المشاهد لحجم معاناتها ومرارة مأساتها وخلقت حكايتها ضجّة أكبر لمّا أغمي عليها بعد البرنامج وتدخّلت إدارة القناة لنقلها إلى المستشفى بواسطة سيارة إسعاف. التفاصيل المؤلمة لحكاية هذه المرأة التي أدمت قلوب آلاف المشاهدين «حرّكتنا» ودفعتنا إلى الاتصال بها لمعرفة المزيد من التفاصيل عن مأساتها حتى تكون عبرة ودرسا للذين يستخفّون ببعض الأمور فيتذوّقون المرارة ولا ينفع الندم ولا العضّ على النواجذ بعد فوات الأوان. مرفوضة ومنبوذة لمّا اتّصلت بها هاتفيا كانت على فراش المرض، ولا تقدر على الحركة، وصلني صوتها خافتا، أنينها كان يعكس حجم ألمها... سألتها عن سبب إخفاء وجهها في برنامج «المسامح كريم» فأطلقت تنهيدة طويلة ثم ردّت قائلة «أنا بطبعي مرفوضة ومنبوذة من المجتمع فما بالك لمّا يعرف الرأي العام صورتي... أكون وقتها قد حكمت على نفسي بالإعدام الفعلي... ورغم وضع شارة على وجهي فقد تعرفت عليّ حماتي ولا تسألوا بعد ذلك عن متاعبي ومعاناتي». أخفوا عني الحقيقة عدت لأسألها إن كانت تعلم بإصابة زوجها بهذا الفيروس قبل زواجها فكشفت لنا أنها تربطها علاقة قرابة بزوجها فهو ابن عمها الذي ارتبط بها بعد عودته النهائية من فرنسا وأضافت «المصيبة أن والدته عرضت عليّ الزواج بابنها وهي تعلم أنه مصاب بالسيدا ويعاني من إعاقة ذهنية خفيفة وكان يتردّد على مستشفى الرازي ورغم أن الأطباء منعوه من الزواج فإن عائلته أقدمت على تزويجه وهي على دراية تامة أنها بهذه الخطوة ستقضي على حياة إنسانة بريئة» ثم واصلت حديثها قائلة «كنت أحلم بحياة أسرية سعيدة وازدادت فرحتي لما أعلمني الطبيب بحملي... ورغم بعض المشاكل العابرة فإني كنت أحمد الله على قدري». المفاجأة المذهلة وأكدت «درّة» أنها واصلت حياتها بشكل عادي وكانت سعيدة وهي تنتظر مولودتها الأولى لكن انقلبت كل المعطيات بمجرّد مرافقتها لزوجها في إحدى المناسبات إلى مستشفى الرازي حيث كان الأطباء الذين يباشرونه يعلمون كل كبيرة وصغيرة عن حالته وأضافت «لم يكن الأطباء يعرفون أني لا أعلم حقيقة إصابة زوجي بالسيدا فالتفتت إليّ الطبيبة ثم قالت ألا تعلم بحكاية زوجك؟ فقلت لها: لا... لا؟ وعرفت بطريقتها أني لست على دراية بحقيقة ما يجري حولي فسلمت لي شهادة لأخضع إلى تحاليل بمستشفى الرابطة... ظننت أنه كشف عادي لكن بمجرّد وصولي تمّ عزلي عن بقية المرضى ولاحظت تصرفات غريبة على الأطباء وبدأت وقتها أفهم أن حالتي ليست عادية». الخبر الصّاعقة في الوقت الذي كانت تنتظر فيه درّة ولادتها في المستشفى كان يدور بذهنها ألف سؤال حول حالتها الصحية وأضافت «ازدادت شكوكي بإصابتي بمرض خطير لما أولى الأطباء لي عناية خاصة إلى أن بلغني الخبر الصاعقة وأكدوا لي أني مصابة بمرض السيدا... اسودّت الدنيا أمامي وفقدت نكهة الحياة... أصبحت إنسانة بلا أمل أواجه الموت التدريجي لكن تدريجيا رضيت بقضاء الله وقدري... ولما تأكّدت من عدم إصابة ابنتي بهذا الفيروس انتابتني مشاعر الفرح رغم مصيبتي». أنا بقايا إنسان يبحث عن الأمان وواصلت حديثها قائلة «حاولت التأقلم مع مصيبتي بعد ولادة ابنتي لكن مأساتي تعمّقت أكثر منذ وفاة زوجي سنة 2005 حيث أطردتني عائلة زوجي صحبة ابنتي ورفضت أسرتي كفالتي فوجدت نفسي أعيش في الشارع... وبدأت رحلة المتاعب الحقيقية... أواجه الجوع والعطش والعراء صحبة فلذة كبدي والغريب أن عائلة زوجي رفضت منحي حقوق ابنتي وأصبحت حماتي تهدّدني وتشوّه سمعتي أينما أقمت... تصوّروا أن ابنتي مرفوضة في كل الروضات فما ذنبها المسكينة ألا يكفيها معاناتها من الجوع والعراء». أفكّر في الانتحار يبدو أن الأمل قد مات بداخل هذه المرأة بشكل جعلها ترى السواد أينما تولي وجهها وهو ما أكدته بقولها «أنا على فراش المرض وأموت في اليوم ألف مرّة بسبب عدم قدرتي على مد ابنتي ولو بشربة ماء... البارحة استفاقت وهزّت كياني لما قالت «ماما راني جيعانة ما عادش نجّم باش نموت»... أؤكد لكم وأنا في كامل مداركي العقلية أني أصبحت أفكر في الانتحار... إنه تفكير أصبح يداهمني ويخامر ذهني باستمرار وأرجوكم خيرا بابنتي أعيش اليوم في غرفة وحيدة بلا أدنى الضروريات وإذا لم أجد المساعدة سأجد نفسي في الشارع من جديد فإلى متى وأنا أعيش في هذا الكابوس المزعج». محمد صالح الربعاوي ------------------------------ الطبيب المعالج: درّة حالة اجتماعية تستحق المساعدة... وقصّتها درس لكل قادمة على الزواج تركنا هذه المرأة تتألّم من آلام مرضها وأوجاع نكران وأنانية البشر واتّصلنا بالدكتور بلقاسم النداري -مختص في علم النفس الاكلينيكي- الذي أشرف على العلاج النفسي لهذه المرأة فأشار إلى أن العبرة التي نستنتجها من حكاية درّة هو تجاهل البعض للشهادة الطبية أثناء الزواج حيث أن أغلبية الناس يعمدون إلى اعتماد شهادة عادية دون الخضوع إلى تحاليل وكشوفات طبية دقيقة وأريد أن أؤكد هنا أن الطبيب لا يتحمّل أي مسؤولية في هذه العملية لأنه لا يملك أي مشروعية تخوّل له اخضاع أي شخص لتحليل على السيدا إلا بموافقته. وأكبر خطأ ارتكبته هذه المرأة هو ربما تفكيرها في الاستقرار والجانب المادّي قبل اهتمامها بالجانب الصحي وإن كانت المسؤولية يتحملها كذلك زوجها وأفراد عائلته الذين أخفوا عنها حقيقة مرضه... لقد أشرفت على العلاج النفسي لهذه المرأة لفترة امتدّت لعديد الحصص وأوليت لها عناية خاصة ولئن تأقلمت نفسيا مع مرضها فإن مشكلتها اليوم اجتماعية بحتة ورغم مجهود جمعية مقاومة الأمراض المنقولة جنسيا والتي اكترت لها غرفة لعدة أشهر فإنها في حاجة ماسّة إلى مساعدة أطراف أخرى.. شخصيا إنّي على دراية بالوضعيات الاجتماعية لأغلب مرضى السيدا الذين يهتم مستشفى الرابطة ب70% منهم لكن حالة هذه المرأة الاجتماعية تختلف عن بقية الحالات باعتبارها مرفوضة من عائلة زوجها وأسرتها في نفس الوقت ولم تجد من يمد لها يد العون في هذه المحنة العصيبة وأعيد وأكرّر أن حالة درّة هي بمثابة الدرس لكل المقبلين على الزواج الذين يجب أن يعُوا بقيمة تحليل السيدا وانظروا كيف تحطّمت أسرة كاملة بسبب خطإ كان يمكن تلافيه»... للتعليق على هذا الموضوع: