ايام قليلة فصلت بين اداء الرئيس زين العابدين بن علي اليمين الدستورية بعد اعادة انتخابه بالاغلبية الساحقة وبين قراره حضور مؤتمر القمة العالمي حول الامن والوضع الغذائي في العالم بروما... وفي ذلك اكثر من دلالة لزعيم حفل برنامجه الانتخابي بالنقاط التي تعد شعبه بالرخاء كما تعد الدول الشقيقة والصديقة بتكريس قيم التعاضد والتضامن بين الشعوب من اجل مستقبل افضل للبشرية قاطبة. لذلك لم يكن قرار الرئيس بن علي حضور هذا المحفل العالمي مفاجأة للذين يعرفون مدى حرص الرجل على سيادة الشعوب وعلى صون كرامتها و"لا كرامة لمواطن يأكل من وراء البحار" كما يقول الرئيس الذي لقي في روما من الترحاب ومن الحفاوة ما يليق بحكمته وبرؤاه الصائبة في الشؤون التنموية للشعوب الناهضة بما اصبح مضربا للامثال وقدوة للامم الباحثة عن الفاعلية والنجاح. «رفع التحديات» عالميا فتونس الصغيرة جغرافيا- والكبيرة بزعاماتها وبشعبها- افلحت على مدى تاريخها الطويل في قهر الصعاب وفي رفع التحديات مهما علت درجة خطورتها و ليس ادل على ذلك من شعار "معا لرفع التحديات" الذي اختاره الرئيس بن علي لعهده المتجدد مع الشعب وها هو يحضر في روما مع زهاء الستين زعيما ليطرح الشعار ذاته على كافة سكان المعمورة وهو يعلم جيدا كما يعلم كل العاقلين في العالم - انه بدون التضامن الانساني لن تفلح البشرية في تحدي الصعاب واولها تحدي الجوع وتحقيق الامن الغذائي، ذلك الحق الاساسي في سلسلة مترابطة من حقوق الانسان. وللاسف الشديد، فان ارقام الجياع التي اعلنتها منظمة الاممالمتحدة للاغذية والزراعة مفزعة وقد دق الرئيس بن علي ناقوس الخطر وهو ينبه الحضور الى "تجاوز عدد الجوعى لاول مرة في التاريخ عتبة المليار نسمة" بما يؤكد خطورة الاوضاع الاقتصادية العالمية التي انعقدت قمة روما في اطارها، وبما يفرض ضرورة التنبه الى ما يقوله العقلاء، كما ضرورة الاسراع بتنفيذ عصارة تجاربهم، ومن بينها التجربة التونسية الرائدة في مجال التضامن الوطني والتي اشتهرت بمسمى صندوق 26-26. صندوق عالمي ... للخير وقد كانت الفرصة مواتية في روما ليجدد الرئيس بن علي على اسماع العالم دعوته لتفعيل الصندوق العالمي للتضامن والذي كان اقترحه على الجمعية العامة للامم المتحدة وتم اقراره بالاجماع في سنة 2002. ولست ابالغ في القول بانه لو كانت هذه الالية قد اخذت طريقها الى التنفيذ منذ انبلاج الفكرة لكان الحاضرون في قمة روما وسواهم قد اعفوا انفسهم من عذاب الضمير الذي انتابهم وهم يطلعون بعيون جزعة على ارقام الجوعى المتصاعدة والتي لم تزدها الازمة الاقتصادية العالمية الا حدة. حدة الموقف الغذائي في العالم وخطورته، دفعت بامين عام الاممالمتحدة وبالمدير العام لمنظمة الاغذية والزراعة الى اعلان اضراب الجوع كشكل رمزي للتضامن مع المليار جائع في الجهات الاربع من الارض، لكن هذه الحركات الرمزية على نبل مراميها - والحزن على شفافيته - لا يمكن ان تعوض قوة العمل والاصرار على المرور سريعا من حالة الصدمة والرثاء الى حالة الفعل والانجاز التي يحتاجها العالم وجوعاه باقصى سرعة وفاعلية ممكنة.. وها ان احد ابناء هذا العالم يضع بين يدي اخوانه طريقا ميسرة للحل، عنوانها التضامن بين البشرية من اجل سعادة الجميع عبر الصندوق العالمي للتضامن بعد ان خبر نجاح التجربة الرائدة وخبرها الشعب في بلاد نامية لا تعول على اكثر من تضامن كل فئاتها وانصهار ابنائها مع قيادتهم من اجل رفع التحديات. ولست اتزيد في القول بان الاغلبية المطلقة من سكان العالم تتحرق شوقا الى رؤية الصندوق العالمي للتضامن امرا واقعا يحرك الدورات التنموية في مشارق الارض ومغاربها ويغير الوجه البائس للمعذبين في الارض، فالعالم مليء بالاخيار لكن الارض تحمل فوقها الاشرار ايضا... بروز بالغياب... ففي المؤتمر العالمي حول الامن والوضع الغذائي في العالم... فضل عدد من زعماء هذا العالم البروز بالغياب، ومن المفارقات العجيبة ان غاب عن هذه المناسبة الخطيرة نخبة من قادة اهم الدول الغنية وتلك التي تصنع الصحو والمطر.. فبدا وكأن هؤلاء لا يلقون بالا لاولئك الذين يتضورون جوعا. ومهما كانت طبيعة الاعذار التي قدموها فهي لا يمكن ان تخفي للناظر ميلا للتفصي من المسؤولية التي اخذوها على عاتقهم سواء في قمم الغذاء السابقة او في قمة الالفية للتنمية... لكنهم في الواقع لم يفعلوا شيئا بغيابهم اكثر من انهم جردوا انفسهم من جرعة هامة من المصداقية وتركوا الابواب مشرعة امام تحاليل ليس اقلها الانانية في اقسى صورها وازدواجية الخطاب وكيل الاحكام القيمية بمكاييل متعددة بين الشعوب، على قاعدة المصالح الضيقة وهي كلها مجتمعة عناصر تعيد الى الاذهان ترهات عقدة التفوق وسذاجة الراي ومحدودية الفهم لدى من مازال يهذي "من بعدي الطوفان". لقد كان حضور تونس ممثلة بزعيمها في قمة روما حافلا بالمعاني الاخلاقية وعاكسا "للاهمية الفائقة التي توليها... لقضية الامن الغذائي في العالم باعتباره من اهم مقومات التنمية والاستقرار لكل الشعوب" كما صدع بذلك الرئيس زين العابدين بن علي وهو يحل بروما، مضيفا قوله الرصين "كما تتنزل هذه المشاركة في اطار حرصنا على العمل مع كافة الاطراف الدولية لبلوغ اهدافنا في تحقيق التنمية المستدامة ووضع الخطط الكفيلة بتوفير الغذاء للجميع باعتبار ذلك من حقوق الانسان الاساسية". وبذلك يكون الرئيس بن علي قد كفى القول ووفاه معناه ضمن رؤيته الشاملة لحقوق الانسان في الوقت الذي يشيح البعض بنظرهم عن حقوق دون اخرى ويبرزون بعضها ويتغاضون عن غيرها ضمن لعبة مكشوفة اصبح يدركها الجياع والمبطرون على حد سواء... تماهي السيدة ليلى بن علي والى جانب الحضور القوي للزعامة التونسية في قمة روما وتحديدا قبل اربع وعشرين ساعة من اطلاع الحاضرين في القمة على الكلمة البليغة لرئيس الدولة، كانت السيدة حرمه ليلى بن علي تلقي كلمة لافتة في القمة الثانية للسيدات الاول لدول حركة عدم الانحياز حول الامن الغذائي ودور المرأة في تحقيقه في روما ايضا، وكما تحدث سيادة الرئيس عن "دعم دور المرأة التنموي" ضمن "النهوض بحياة السكان في المناطق الريفية" لفتت السيدة ليلى بن علي الى انه "لا تقدم للمجتمع الا بتحسين اوضاع المرأة في المدينة كانت او في الريف ولا اكتفاء غذائي الا بتكافؤ فرص العمل والشراكة امام الرجل والمرأة على حد السواء". فجاءت كلمة السيدة ليلى بن علي بذلك متماهية تماما مع فلسفة سيادة الرئيس حول شمولية حقوق الانسان، خصوصا وهي تنبه مجددا الى ان "الحصول على الغذاء حق اساسي من حقوق الانسان"... وهو حق على بديهيته يستحق التشديد عليه لانه يغيب عن ابصار البعض عندما يتعلق الامر بمطامع لا علاقة لها بحقوق الانسان مطلقا. وبصوتي سيادة الرئيس والسيدة حرمه في روما لم تضن تونس على شركاء الارض بحكمتها واسمعت الحاضرين والغائبين صوت تجربة تنموية ناجحة ومنسابة من مصلحة العالم ان ياخذ بها لانها في الاول وفي الاخر لا تنشد الا الخير العميم لجميع المتشاركين في العيش على الكوكب الاخضر... وهي لا تبغي من وراء ذلك جزاء ولا شكورا.