تونس الأسبوعي: ستشرع وزارة العدل وحقوق الإنسان قريبا في وضع التصورات التشريعية والعملية لتنفيذ ما جاء في البرنامج الانتخابي لرئيس الدولة من قرارات تهمّ تطوير حقوق الإنسان من بينها إحداث نظام جزائي خاص بالشبان الصغار Jeunes majeurs المتراوحة أعمارهم بين 18 و21 سنة إحداث نظام جزائي خاص. ذلك ما أعلن عنه وزير العدل وحقوق الإنسان خلال مناقشة ميزانية الوزارة بمجلس النواب، وعلمنا من جهة أخرى أن إحداث نظام جزائي خاص بهذه الفئة العمرية سيمرّ عبر إدراج أحكام خاصة بهذه الفئة وتجنيبهم صرامة القانون الجزائي وهو ما يعني إيجاد نظام عقابي خاص يتضمّن تخفيضا في العقوبة المسلّطة على الكهول الذين تفوق أعمارهم 21 سنة. سلم عقوبات ومعلوم أن النظام الجزائي التونسي يتوفّر على سلّم عقوبات مصنّف حسب الفئة العمرية للماثلين أمام العدالة حيث يبدأ نظام المؤاخذة الجزائية حاليا بالفئة الأولى من مرتكبي الجرائم، مهما كان نوعها، وهي الفئة التي يقلّ أعمارهم عن 13 سنة، إذ لا يؤاخذ هؤلاء على أفعالهم ولا يعاقبون من أجل ما يرتكبونه من أفعال إجرامية نظرا لصغر سنّهم وعدم إدراكهم لما يفعلون ويكتفي القضاء غالبا بإجراء محاولات صلحية لإسقاط الدعوى أو إيداعهم بمراكز إصلاح الأطفال الجانحين بهدف إصلاحهم. أما الفئة الثانية التي تتراوح أعمارهم بين 13 و18 سنة فإنّ المشرّع التونسي أوجب أحكاما جزائية خاصة تتمثّل في مؤاخذتهم عمّا يرتكبونه من أفعال إجرامية وتسلط عليهم تدابير خاصّة بالأطفال وهي مضمّنة غالبا في مجلة حماية الطفل الصّادرة سنة 1995 بمقتضى قانون وتجري محاكمتهم في فضاءات قضائية شبه مغلقة حتى لا تتداخل هذه القضايا مع قضايا الكهول وخصوصا القضايا الخطيرة منها. وبصورة أدقّ فإنّ المشرّع التونسي ونسجا على منوال الأنظمة الجزائية الأوروربية بالخصوص أقر حماية خاصّة لفائدة الأطفال الجانحين خلال سائر مراحل التقاضي الجزائي، ويعتبر طفلا على معنى مجلة حماية الطفل كل من لم يبلغ ثمانية عشر عاما كاملة. المؤاخذة الجزائية وتبدأ المؤاخذة على الأفعال الإجرامية بأنواعها بمجرّد بلوغ الشخص الماثل أمام العدالة سنّ 18 عاما وتسلّط عليه العقوبات نفسها التي تسلّط على الشخص الكهل وهو مرور سريع يقدّر بسويعات من سنّ الطفولة إلى سنّ الكهولة. واستنادا إلى بعض الدراسات القانونية المقارنة فإنّ المرور من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرشد القانوني يمثل قطيعة بين نظامين جزائيين مختلفين يعتمد الأول منهما الحماية كمبدأ قانوني في حين يغلب على الثاني الجانب الزجري الذي يطبّق فيه سلّم العقوبات المنصوص عليه في مجلة الإجراءات الجزائية. ويؤدي هذا التغيير في نظام المسؤولية الجزائية للشبان الجناة الذين تجاوزوا بقليل سن الرشد الجزائي، إلى خضوعهم لسلّم العقوبات الخاص بالكهول والحال انّه غالبا ما يكون الشاب من 18 إلى 25 سنة بصدد مواصلة تعليمهم كما أنّ ظروفه النفسية والاجتماعية والاقتصادية تجعله عرضة للاستغلال من قبل محترفي الإجرام وخصوصا موزعي ومتعاطي المخدرات ومرتكبي السرقات المنحرفين وعرضة للانزلاق في عالم الانحراف. تجارب أوروبية وقد بيّنت بعض الدراسات العلمية والنفسية والطبية بالخصوص أنّ الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 سنة لا يمكن اعتبارهم كهولا بسبب عدم نضجهم الفيزيولوجي والسيكولوجي. وأقّرت الكثير من التشريعات الجزائية في عديد البلدان أنظمة قانونية خاصّة بالشباب الجانح فبعض البلدان الأوروبية أقرّت ضمن تشريعاتها إمكانية سحب نفس العقوبات المقرّرة للأطفال وذهبت بلدان أوروبية أخرى إلى إقرار عدم تسليط عقوبة السجن على مرتكبي الأفعال الإجرامية من الفئة العمرية (1821) وتطبيق ظروف تخفيف خاصّة. وقال بعض رجال القانون تعليقا على هذه المقترحات أنه بالإمكان استنباط نظام عقابي وسجني خاص للفئة العمرية الجانحة (18 21 سنة) يتّجه الرأي فيه نحو التخفيض في بعض العقوبات القصوى مثل إبدال عقوبة السجن المؤبد بالسجن مدة 15 سنة إبدال عقوبة السجن لمدة معيّنة بالسجن لنصفها. بالرغم من أنّ إقرار مثل هذا المقترح سيؤدي إلى وجود ثلاثة أنظمة جزائية مختلفة: نظام أول لفائدة الأطفال ونظام ثان لفائدة الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و21 سنة ونظام ثالث لفائدة الأشخاص الذين تجاوزت أعمارهم 21 سنة، فإنّ وجود هذه الأنظمة من شأنه أن يجعل المنظومة العقابية أكثر ثراء ومرونة وتلاؤما مع مختلف الوضعيات الإنسانية. وقال بعض رجال القانون أن إقرار نظام جزائي ثالث خاص بالشبان المتراوحة أعمارهم بين 18 و 21 سنة لا يتناقض مع الإجراءات التي تعتزم وزارة العدل وحقوق الإنسان اتخاذها لتخفيض سن الرشد إلى 18 سنة لأنّه أدرج نظاما عقابيا خاصّا بالفئة العمرية المتراوحة أعمارهم بين 18 و21 سنة ولم يغير في سن المسؤولية الجزائية أو من سن الرشد المدني. للتعليق على هذا الموضوع: