ترك عرض فيلم "الجنة الان" للمخرج هاني أبو أسعد في عام 2005 أثراً واضحاً في وعي المشاهدين على المستوى العالمي. آنذاك كان الاعتقاد سائداً بأن لا وجود لصناعة سينما في فلسطين. وبما سبق فيلم هاني أبو أسعد من إنجاز المخرجين الفلسطينيين، أمثال ميشيل خليفي، ايليا سليمان، علي نصار، وعدد آخر من الوثائقيين الشباب برهنت على قدرة السينما الفلسطينية على البروز، واحتلال مواقع هامة في خارطة الانجاز السينمائي العربي. يقدّم مهرجان دبي السينمائي الدولي بدورته الحالية دليلاً على هذه الحيوية، وعلى أن الفيلم الفلسطيني ليس فقط حقيقة على أرض الواقع، بل هو انجاز إبداعي ذي وقع مؤثر واستثنائي. في هذا الاطار قدم المهرجان مساء امس 12 ديسمبر، وعلى مسرح الهواء الطلق في مدينة دبي للاعلام، فيلم "سلينغشوت هيب هوب" والذي تروي فيه المخرجة الفلسطينيةالامريكية جاكي سلّوم، من خلال موسيقى "الهيب هوب" قصة الجيل الشاب في فلسطين سواء في الضفة الغربية، وغزة، أو داخل أراضي 48، ويرصد كيف يَستخدم هؤلاء الشباب "الهيب هوب" و"الراب" كأداة للتعبير عن معاناتهم في مواجهة الاحتلال والفقر، ويُبرزون الجوانب الانسانية لهذه المعاناة. ربما كان البعض يجهل أن موسيقى ال"هيب هوب" وال"راب" امتلكت شعبية كبيرة في فلسطين، لكن مشاهدة هذا الفيلم الرائع، وهو أوّل الاعمال الطويلة لسلّوم، ستُعرَّفُ بهذه الثقافة الناشئة، وكيف يقوم مغنو "الراب" بإلهام شباب فلسطين. وستتيح الفرصة للتعرّف عن كثب على مقدار تأثير فناني "الراب" الفلسطينيين على شباب الضفة الغربية، وقطاع غزة. الجدير بالذكر، أن الجمهور سيشاهد بعد العرض أداء حياً لفرق موسيقية فلسطينية ل "دام" و"عبير"، و فرقة الراب الفلسطينية "بي آر" . في العرض الافتتاحي لبرنامج "ليالٍ عربية"، يقدّم مهرجان دبي السينمائي الدولي فيلم "المر والرمان" في عرضه العالمي الاوّل، للمخرجة الشابة نجوى نجّار، والذي يُعدّ إنجازه بحد ذاته معجزة لوجستية نظراً لحجم الانتاج الواسع، وفريق العمل الكبير وظروف التصوير تحت الاحتلال في ظل القمع والضغوطات المتباينة. صُوّر الفيلم في رام الله، ويروي حكاية فتاة حالمة تعشق الرقص تدعى قمر حين يُسجن زوجها تجد نفسها وحيدة. وفي ظل هذه الوحدة تعود إلى المكان الوحيد الذي يجعلها تشعر بالحرية المطلقة، أي المسرح الذي كانت هجرته لبرهة من الزمن. وهناك تلتقي بقيس، وتنشأ بينهما علاقة ود يزيدها حبهما المشترك للرقص اشتعالاً. نجمة الفيلم بارعة الاداء ياسمين المصري تقوم بدور "قمر" إلى جانب علي سليمان وهيام عباس، اللذان أديا بطولة "الجنّة الان". كما يُعرض فيلم "ملح هذا البحر"، وهو أوّل عمل روائي طويل للمخرجة آن ماري جاسر، تروي فيه قصة ثريّا، الشابةالفلسطينية الاصل، المولودة في بروكلين في الولاياتالمتحدةالامريكية، والتي تعود لارضها حيث تصطدم بواقع الاحتلال، ينضم إليها الشاب الفلسطيني، عماد ويؤديه صالح بكري. يتشبث الاثنان بمحاولة تحقيق قسط بسيط من أمنياتهما، وتصطدم تلك الامنيات بواقع الاحتلال المرير، لكنهما يحزمان عزمهما على الاخذ بقياد الامور بأيديهما. ثلاثة أفلام وثائقية ترصد أوضاع فلسطين في الماضي والحاضر: فيلم "طفولة محرّمة" للمخرجة الايطالية باربرا كوبيستي يلقى الضوء على تأثير الصراع على الشباب والاطفال. علي أبو عواد، أحد رجال الانتفاضة الاولى، واليك الحنان جندي إسرائيلي سابق، يمارسان الان أنشطة تسعى لاحلال السلام في المجتمعين الاسرائيلي والفلسطيني، ويطبق كلاهما تجربتهما وما خبراه في مراحل نموّهما في مجتمع عسكري، ويؤكدان رغبتهما في الحياة بسلام. ويروي فيلم "ذاكرة الصبّار: حكاية ثلاث قرى فلسطينية" للمخرج حنّا مُصلح معاناة ثلاثة قرى أزالتها إسرائيل عن الوجود في العام 1967 لتُقيم على أرضها حديقة للتنزة للاسرائليين. أما فيلم عبد السلام شحادة "إلى أبي"؛ فهو فيلم شخصي عميق ومؤثر يروي قصة 50 عاماً من التاريخ الفلسطيني عبر صور فوتوغرافية، ولقاءات وأصوات مصوري ذلك الزمان، وما اختزنوه من ذكريات. ويعرض المهرجان أفلاماً قصيرة تروي قصصاً رائعة من فلسطين من بينها شريط "عرفات وأنا" لمهدي فليفل، ويروي فيه مروان، الفلسطيني اللندني المولد، قصتي حب: واحدة حبه لخطيبته ليزا، أما الاخرى فهي قصة حبه لرمز الثورة الفلسطينية الزعيم ياسر عرفات، فكيف تمكّن من جمع قصتي الحب هاتين معاً؟ وفي فيلم "بعثة الفضاء" تستعيد فنانة الوسائط المتعدّدة الفلسطينية المولد لاريسا صنصور مشاهد من رائعة المخرج الكبير ستانلي كوبريك (2001) "أوديسا الفضاء"، وتأخذنا في رحلة سوريالية لتحقيق مهمة نذرت نفسها لها، ألا وهي أن تكون أول فلسطينية تخطو على سطح القمر...