القاهرة الصباح : يتواصل الجدل في الصحف وصالونات السياسة المصرية حول الاستعدادات للانتخابات الرئاسية المقرر تنظيمها في 2011 وما يسمى بقضية " التوريث".. الزوبعة التي أخذت مؤخرا شكل لوائح وعرائض مساندة ومعارضة تطورت إلى " قضية " مركزية في الصحف المصرية الخاصة والحزبية.. تراوح الاهتمام بها بين "الإثارة" المتشنجة حينا.. والحوار الهادئ حينا آخر.. وازداد الجدل في الصحف حول ملفات الانتخابات و"التوريث " منذ أن هدأت الزوبعة "الكروية".. التي عقبت مقابلتي منتخبي الجزائر ومصر الشهر الماضي في القاهرة والخرطوم.. الملفت للنظر أن "الزوبعة" الإعلامية الجديدة في الصحف المصرية شملت في نفس الوقت "الصحف القومية" التابعة للحكومة مثل الأهرام والأخبار والجمهورية و"روز اليوسف" والصحف "الشعبية" و"المستقلة" مثل "الدستور" و"المصري اليوم" و"الشروق" و"عيون".. فضلا عن الصحف الحزبية مثل "الأهالي" و"الناصري".. بين جمال.. والبرادعي ولعل من بين ما يشد الانتباه أن المعارك الإعلامية الكروية بين وسائل الإعلام المصرية والجزائرية نفسها كانت في نظر بعض الساسة و الكتاب المصريين " جزءا من "معركة التوريث".. ومن السباق على الرئاسة".. لأن السيدين جمال وعلاء مبارك كانا من أبرز المتحدثين فيها.. ومن أهم المشهرين بأعمال العنف التي قيل إنها استهدفت الجمهور الكروي المصري وبعض المؤسسات المصرية.. بل لقد اعتبر السيد جمال مبارك أبرز المستفيدين شعبيا من تلك المعركة.. لأنه " نجح في التفاعل مع مشاعر الجمهور المصري " حسب ما ورد في تعليقات جل الصحف الرسمية.. التي تبرز بالحجم الكبير منذ سنوات أنشطة نجل الرئيس المصري في "لجنة السياسات " في الحزب الوطني.. فيما خصص رئيس تحرير الأهرام السيد أسامة سرايا مرارا افتتاحيات وتعليقات مطولة للتنويه بالدور السياسي للسيد جمال مبارك.. وسارت في نفس الاتجاه تعليقات لصحف روز اليوسف والاخبار والجمهورية وجل الاسبوعيات والدوريات القريبة من الدولة.. معركة رئاسة نقابة الصحفيين وفي الوقت الذي تعاد فيه انتخابات عميد المحامين اليوم الاحد (بعد فشل المتنافسين الرئيسيين من الفوز بنسبة 50 بالمائة من أصوات المؤتمرين الاحد الماضي) كشفت الصحف وكواليس النقابات والأحزاب أن "جوهر الخلاف بين المتنافسين على منصب النقيب الموقف من قضية " التوريث".. فالمترشحان المتنافسان صحفيان بارزان في مؤسسة الاهرام.. لكن ما يعيبه كثيرون من الإعلاميين الرسميين ومن رؤساء تحرير الصحف القومية على السيد ضياء رشوان كتاباته في الصحف المعارضة التي أعلن فيها معارضته ل" توريث الحكم الى السيد جمال مبارك".. فيما اعتبر النقيب الحالي السيد مكرم محمد مكرم من أنصار السلطة وكل المبادرات السياسية التي تصدر عنها.. رغم تمسكه ب" مواصلة النضال من أجل تحسين الأوضاع المادية والمهنية للصحفيين.. عن طريق الحوار مع الحكومة وبعيدا عن خيار القطيعة والتحالفات المشبوهة مع المتطرفين".. (في إشارة إلى تياري الناصريين وجماعة "الإخوان" التي لها 88 عضوا في البرلمان).. «تطمينات».. و«مهاترات».. في الأثناء صدرت تصريحات عن عدد من كبار المسؤولين في الحزب الوطني الديمقراطي ( الذي يتزعمه الرئيس محمد حسني مبارك ) تنتقد الحملات الاعلامية المناهضة للسيد محمد البرادعي.. أبرز هذه التصريحات ما جاء على لسان السيد حسام بدراوي رئيس لجنة التعليم في الحزب الوطني وعضو أمانة السياسات ( التي يتزعمها السيد جمال مبارك وتضم شخصيات عليا في الدولة ).. وقد وصف الدكتور حسام بدراوي التهجمات على الدكتور البرادعي بكونها " مهاترات".. واعتبر أن الاعلام سيكون "الخاسر الأكبر في المعركة".. وشبه البرادعي بالعالم المصري الفائز بجائزة نوبل الدكتور أحمد الزويل.. وقد أبرزت الصحف المعارضة والمستقلة تصريحات حسام بدراوي.. خاصة أنه ادلى بها أمام جمع من الصحفيين في مكتبة الاسكندرية.. وأثارت تساؤلات حولها.. ومن بينها: تناقض تلك التصريحات مع التعليقات والتحاليل التي انتقدت ترشح محمد البرادعي واتهمته بالعمالة للولايات المتحدة واسرائيل.. الخ.. وقد صدرت بعض تلك الانتقادات للبرادعي باسم شخصيات تتحمل مسؤوليات عليا في الصحف القومية من بينها رئيس مجلس ادارة الاهرام والمدير العام السابق لمركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية الاستاذ عبد المنعم سعيد.. تأكيد الترشح؟ في الاثناء خرج السيد محمد البرادعي من صمته.. ودخل الجدل الدائر حوله وحول ملف "التوريث" فاكد في تصريح لصحيفة "المصري اليوم" في عدد الجمعة نيته الترشح للرئاسة في المحطة الانتخابية القادمة.. تصريحات البرادعي الجديدة خطوة أربكت جل اللاعبين السياسيين البارزين.. في معسكري الدولة والمعارضة القانونية وغير القانونية.. ورموز المجتمع المدني الذي يضم أكثر من 20 ألف جمعية وعشرات الآلاف من النشطاء.. وقال البرادعي إنه لن يرشح نفسه من خلال أي حزب سياسي، لأن قبوله بذلك يعني موافقته على ما سماه "الإطار المصطنع" للممارسة السياسية في مصر، ومنح الشرعية لإطار يمنع ما يقرب من 95% من الشعب المصري من الترشح لانتخابات الرئاسة. وأضاف البرادعي في حديثه الصحفي إلى "المصري اليوم": "أحترم الأحزاب، لكنني رجل مستقل ولا أستطيع خوض الانتخابات إلا كمستقل". مشيراً إلى أنه رجل قانون، والقانون لا يدخل منافسة أو عملية سياسية في إطار يفتقد الشرعية، موضحاً: "ثمة فارق كبير بين الجانب القانوني المتوفر للدستور، والجانب الشرعي، والدستور المصري يفتقد الشرعية الدستورية، بسبب حرمان أغلبية المواطنين من الترشح". واعتبر البرادعي أن "مسألة الرئاسة ليست شخصية، وإنما تتعلق بمصير الوطن"، واعتبر أن ما يسعى إليه في إطار شرعي هو أن "تصبح مصر دولة ديمقراطية تقوم على الحداثة والاعتدال وإعلاء شأن العلم والممارسة السياسية والديمقراطية." خلافات حول تعديل الدستور ويبدو ملف تعديل الدستور من أبرز أولويات الاحزاب والاطراف السياسية المتنافسة في مصر.. فضلا عن عدد كبيرمن الجمعيات والصحف القريبة من منظمات المجتمع المدني. وأعلن البرادعي رفضه خوض الانتخابات دون تعديل الدستور الذي يحرم الشعب من اختيار من يمثله دون عوائق، مؤكداً استعداده للتحرك السلمي المنظم لتغيير الدستور، وقال: "هشتغل مع الناس". لأن التغيير لابد أن يتم بإرادة شعبية جماعية، وإذا استطاع الشعب أن يغير الدستور سأكون في خدمته. ووصف البرادعي منصب الرئيس بأنه أداة للإصلاح، وقال: "لن ألعب (تمثيلية) وإذا لم ننجح فسأظل أتبنى ذات المواقف حتى أموت". مشيراً إلى أنه سيعود لمصر في منتصف جانفي (يناير) المقبل على الأغلب. ووصف التجربة الحزبية في مصر بأنها تعاني خللاً واضحاً، مندهشاً من إصرار البعض على وجود منافسة حزبية، في ظل سيطرة الحزب الحاكم (الحزب الوطني الديموقراطي) على لجنة الأحزاب، وأوضح أن مصر لديها فرصة كبيرة لتحقيق صيغة الدولة الحديثة، مضيفاً: "لو تحركت مصر للأمام سيتحرك معها الوطن العربي كله". مشيراً إلى أن بعض العرب قالوا له إن مصر حين تراجعت تراجعنا معها. وقد نفى البرادعي من جديد ما تردد عن جنسيته السويدية، مؤكداً أنه لا يحمل إلا الجنسية المصرية.. ترحيب المعارضة؟ ورغم تحفظات البرادعي على المشهد الحزبي الرسمي الحالي في مصر.. وعلى خارطة الاحزاب المعترف بها ووزنها.. فقد رحب عدد من القوى السياسية المصرية بتصريحات الدكتور محمد البرادعي التي أدلى بها ل»المصري اليوم". بشأن عزمه خوض انتخابات الرئاسة مستقلاً دون تبعية لأي حزب سياسي، مؤكدين أن الشروط التي أعلنها البرادعي لخوض الانتخابات، المتمثلة في "إجراء إصلاحات سياسية ودستورية واقتصادية في الحياة المصرية، هي مواقف سياسية تدعو لاحترامه وتأييده.." فقد رحب بالتصريح الناشط الحقوقي رئيس مركز بن خلدون الدكتور سعد الدين ابراهيم.. الذي اعتقل خلال الاعوام الماضية بتهم سياسية خطيرة.. من بينها التشجيع على الفتن بين الاقباط والمسلمين.. واعتبر المعارض الدكتور أيمن نور زعيم حزب الغد أن "البرادعي اختار أن يعزف النغمة الصحيحة على الوتر الحقيقي الذي يجب أن تدق عليه كل الأيادي الوطنية الساعية نحو الإصلاح السلمي من خلال أصحاب الحق فيه وهم الشعب المصري". مؤكداً أن ما أشار إليه البرادعي يفتح أبواباً حقيقية لتواصل وطني بين المهمومين بقضايا التغيير بغض النظر عن موقفه من الانضمام للحياة الحزبية.. في نفس السياق رحب برلمانيون من بين نواب ال88 في البرلمان الاخوان بتصريحات البرادعي.. دون الانضمام مباشرة الى تيار معارضي تكليف السيد جمال مبارك بمسؤوليات سياسية لاحقا.. وأعلن هؤلاء أن "الإخوان لن يخوضوا الانتخابات الرئاسية بأي مرشح عنهم".. وهو ما اعتبره البعض تلويحا بمساندة البرادعي.. وفتحا لأبواب " التفاوض مع السلطة ومع قيادة الحزب الوطني ورموزه وبينه السيد جمال مبارك وأمينه العام الدكتور صفوت الشريف ومسؤول الاعلام السيد علي الدين هلال.. «ليست أحزابا حقيقية» من جهة أخرى أورد السيد محمد أنور السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية وهو حزب تحت التأسيس : "جميع القوى السياسية توقعت أن يخوض البرادعي الانتخابات بشكل مستقل دون التقيد بمظلة أي حزب، لأن تأكيده على فكرة التوافق الشعبي يوضح أنه سيخوض الانتخابات المقبلة كمستقل، ورفضه الانضمام لأي حزب يوضح نبض الشارع الذي عزف عن المشاركة الحزبية ليقينه بأنها ليست أحزاباً حقيقية". وقد التقت تصريحات السادات مع تعليقات بالجملة صدرت في الصحف اليومية والاسبوعية تنتقد فسيفساء الاحزاب السياسية الحالية وتعتبرها غير مؤهلة للعب دور حقيقي في الانتخابات القادمة وفي معركة الخلافة والتوريث.. وقد رحب عصام العريان بتصريحات البرادعي واعتبره أنه "سيظل مهموماً بإصلاح دستوري وسياسي" وأنه " لن يظل مجرد اسم مطروح على المنتديات والصحافة كمرشح ديكوري في الانتخابات المقبلة".. ودعا العريان الدكتور البرادعي عند عودته إلى مصر أن "يباشر دراسة الأوضاع بدقة لفترة وجيزة ثم يخوض العمل العام من أجل الإصلاح الذي ينشده الجميع، وعليه أن يتحمل التضحية المطلوبة من أجل هذا الوطن".. تحركات معارضة للتوريث وكانت مصر قد شهدت مؤخرا حملة معارضة "للتوريث".. قاد بعضها ممثلو "حركة كفاية" التي دعت إلى تنظيم مظاهرات تعبيرا عن رفضها للنظام وقضية التوريث. وكانت المظاهرة الأولى للحركة قد انطلقت في ديسمبر2004 امام دار "القضاء العالي". كما انعقدت بمقر حزب الغد بوسط القاهرة اجتماعات بحضورعدد كبير من قيادات قوى المعارضة والمجتمع المدني" من كافة التيارات السياسية "لإعلان انضمامها ل"الجبهة المصرية ضد التوريث" التي اطلقها د. ايمن نور رئيس حزب الغد ولتدشين اول اعمال الجبهة وذلك بعقد اجتماع للجنة التحضيرية واختيار الدكتور حسن نافعة "منسقًا للاعمال التحضيرية للجبهة لحين إعلان البيان التأسيسي الأول قريبًا." وقد اعتبر المعارض والنقابي والبرلماني الناصري المعروف حمدين صباحي وكيل مؤسسي "حزب الكرامة" ان تجمع عدد كبير من القوى الوطنية في "حملة وطنية ضد التوريث يمثل نقطة التقاء ضد سلطة الفساد والتبعية من اجل تغيير شامل." في الانترنات وشملت الحملة ضد التوريث شبكة "الانترنات".. من خلال حملة توقيعات على مدونة "المبادرة الوطنية لرفض توريث السيد جمال مبارك والدعوة إلى تقديم استقالته الفورية من جميع المناصب في الحزب الوطني والعودة لصفوف الشعب مثل أي مواطن عادي، وإبعاده عن كل نشاطات الحكومة الرسمية التي يمارسها.." وطالب الموقعون الرئيس مبارك ومؤسسات الدولة بتعيين نائب للرئيس وفقاً لما جاء في الدستور.. الاحتكام إلى القانون والدستور في الأثناء قللت الصحف الرسمية المصرية من أهمية تصريحات المعارضة ونشطائها تحت يافطة "التوريث".. واعتبر السيد محمد هيبة أمين الشباب بالحزب الوطني الديمقراطي، المبادرة الوطنية ضد التوريث بأنها "لا تمثل سوى مجموعة من القلة التي تحاول زعزعة استقرار مصر وأمنها وتلعب على وتر تغيير أفكار الشباب بإقناعهم بأن التوريث قادم لا محالة، وهو ما يؤثر بدوره على ثقته في الدولة وحاكمها." وأضاف، أن "السيد جمال مبارك صاحب طفرة سياسية منذ بداية عمله بالحزب الوطني بثورة التغيير والإصلاح داخل أروقة الحزب".. وتساءل هيبة: "إذا كان هذا الرجل يقوم بعمله تطوعاً ودون أجر، فلماذا نحكم عليه بالإعدام لأنه ابن الرئيس".. كما قلل السيد بطرس بطرس غالي خلال لقاء خاص بالصباح من أهمية الانتقادات الموجهة إلى البرادعي وتلك التي تدعمه.. معتبرا أن " الدستور والقانون ينبغي ان يظلا المرجع".. واعتبر الدكتور كمال أبو المجد نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الانسان والوزير سابقا أن "أولوية مصر اليوم هي دعم مثلث الحرية: حرية التعبير والحق في المشاركة وحقوق الانسان.. وليس الخوض في صراعات ثانوية.. في المقابل يعتبر كثيرمن المراقبين السياسيين في مصر أن المعركة " مغلوطة جملة وتفصيلا".. لأن "الاجماع يكاد يكون كاملا بين صناع القرار السياسي حول التجديد للرئيس محمد حسني مبارك خلال الانتخابات القادمة تقديرا للنجاحات التي تحققت تحت قيادته.. وحرصا على الاستقرار والامن في بلد ال80 مليون مواطن.. الذين لا تزال أولويتهم المطلقة ضمان الشغل اللائق والعيش الكريم والقضاء على الفقروالبطالة.. ومشاكل التطرف يمينا وشمالا.. ومكافحة الجريمة المنظمة وترويج المخدرات.. والاسباب العميقة للعنف والارهاب..