تونس - الصّباح: رغم تنامي نسبة النساء النشيطات المشتغلات والتي تقدّر ب%26,1 وتطوّر وضع المرأة في مختلف المجالات فإن هناك فهما خاطئا لدى بعض الرّجال الذين لا يعتبرون عمل المرأة إسهاما في الإنفاق الأسري بل يرونه واجبا عليها و»حقا مكتبسا«. يبدو أنّ هناك جوانب خفية حول كيفية تقبّل الزّوج الوضع الاقتصادي الجديد للمرأة.. فكيف يتعايش بعض الرّجال مع هذا الواقع الذي فرضته التحولات الاجتماعية؟ أفادتنا مختصّة في علم الاجتماع أنها لاحظت من خلال بعض الحالات الاجتماعية التي عاينتها عن قرب عزوف بعض الرّجال عن العمل وتعويلهم على مدخول الزّوجة. حالات صعبة جميلة (45 سنة أم لثلاثة أطفال) تعمل بمشغل خياطة منذ 15 سنة تقول أنها تعاني من بطالة زوجها »السّكير« لمدّة طويلة رغم أنه لا يعاني أي مشكل صحّي أو نفسي إلا أنه يرفض أي عمل تعرضه عليه بحجة أن الأجر »شويّة« وكفاءة المرأة في العمل قد تكون من الأسباب التي تدفع الرّجل إلى التعويل عليها أو الشعور بالغيرة وفي هذا الشأن بين الدكتور بن محمود مختص في علم النفس أن التعويل المادي على النّساء لدى بعض الرّجال يعود إلى شعورهم بالإحباط تجاه كفاءة وتميّز المرأة مؤكدا أن الفارق في الوظائف بين الأزواج قد يخلق توتّرات نفسية لدى بعض الرّجال وربما تحوّلت هذه التوتّرات إلى سلوك عنيف واستبدادي ناتج عن شعور بالدّونية وفقدان زمام السلطة لدى الرّجل. وغالبا ما تضطر المرأة إلى تحمّل أزمات الرّجل النفسية لكن تبقى هذه الفرضية مجرّد جزئية وليست ظاهرة عامة. شادلية (34 سنة أم لطفلين) تعمل في مغازة لبيع العطورات منذ ثلاث سنوات تضطر للعمل ساعات طويلة من أجل نفقات الأسرة التي زادها حمل الزّوج العاطل صعوبة ومرارة. تحدّثنا شادلية والدّموع تملأ عينيها عن شعورها بالوحدة وعدم الأمان مع زوجها الذي لا يجبرها على العمل والإنفاق على المنزل وتسليمه المال فقط بل يقوم أيضا بتعنيفها عنفا لفظيا وجسديا. وتضيف شادلية أنها لجأت إلى مقاضاته عديد المرّات لكنها سامحته مرارا وتكرارا من أجل أبنائها وتصديقا لوعوده الزائفة. ويبدو أن ماتتمتّع به المرأة في مختلف المجالات ببلادنا والثّقة التي أوكلت إليها في إمكانياتها الفكرية وفي مهاراتها المهنية والقيادية أسال لعاب الذين يفضلون القعود في البيت ومعانقة قوارير الخمر على تحمّل المسؤولية. المرأة هي السّبب من يتحمّل المسؤولية في هذه المسألة الرّجل أو المرأة؟ عن هذا السّؤال تجيبنا مختصة في علم الاجتماع ومرشدة اجتماعية أن المسؤولية يتحمّلها الطرفان خاصة المرأة التي يجب عليها أن تعي الحقوق التي تتمتّع بها وتستعملها للدفاع عن نفسها ودفع الزّوج إلى احترامها.. وتضيف المختصة أن الخضوع يزيد من تسلّط الرّجل وتعويله عليها. وتشدّد على ضرورة وضع حدّ لأي اعتداء على حقوقها قبل تفاقم الأمر.تقول نزيهة مسؤولة بأحد البنوك أن زوجها كان يعمل معها في نفس البنك إلا أنه انتقل إلى فرع آخر بعد أن تمت ترقيتها لتصبح مسؤولة عنه في العمل. وتضيف نزيهة أنها في تصادم واختلاف دائم معه نتيجة غيرته من منصبها مبينة أنه أصبح يهددها بترك العمل بحجّة أن راتبها يكفي للإنفاق على كامل الأسرة. مسؤولية مشتركة ورغم أن التشريع التونسي يضمن المساواة الكلية بين المرأة والرّجل في مختلف المجالات ودعا إلى التعامل مع المرأة كشريك فاعل في المجتمع إلا أنه وحسب بعض الحالات الاجتماعية يستغل بعض الرّجال الوضع الاقتصادي للمرأة لتحميلها المسؤولية كاملة في الانفاق على الأسرة.ويشدد بن محمود مختص علم النفس في هذا الصدد على ضرورة وضع حدّ لمثل هذا التصرّف وذلك بتكثيف الرّقابة الاجتماعية خاصة على الأسر الفقيرة ومحدودة الدّخل التي قد تتنامى فيها مثل هذه السلوكات. ومزيد توفير مراكز رعاية نفسية واجتماعية للمرأة المعنفة من قبل الزّوج لتصبح قادرة على الدّفاع عن نفسها والتخلص من قيود تسلط الرّجل واجباره على احترامها والانفاق عليها مؤكدا على ضرورة ترسيخ فكرة المسؤولية المشتركة بين الطرفين.إن بناء مجتمع متوازن ومتميز يقوم على تحمّل المسؤولية المشتركة بين الرّجل والمرأة وضرورة توعية الرّجل بدوره كعنصر أساسي وفاعل في تنمية الأسرة للحدّ من مختلف مظاهر العنف المسلّط ضدّ المرأة وسلوك الاستغلال المادي المستعمل تجاهها.. علما أنه حسب بعض الدراسات الاجتماعية تمثل هذه المسائل من أهم الأسباب الدافعة لانتشار ظاهرة القتل بين الأزواج.