لقد حقّقت المرأة التونسية حلمها بدخول عالم الشغل والمساهمة في عملية التنمية في مختلف ضروب الحياة العامة. فالمرأة اليوم هي طرف أساسي وفاعل في عملية التنمية من خلال المساواة مع الرجل في جميع الحقوق والشراكة في المسؤوليات وتقاسم الأدوار في جميع المجالات وبالتالي تمّ الحدّ من الفجوات النوعية بين الجنسين والترفيع في منزلة المرأة في الأسرة والمجتمع، حتى أنّها تفتحت أكثر من أي وقت مضى على المجتمعات الغربية وميلها إلى تحقيق استقلالها المادي والمعنوي، اضافة الى سعيها إلى التحرّر الاجتماعي إلى جانب تفضيل فئة منهنّ العيش خارج الروابط الزوجية التقليدية. وقد أفادت الاحصائيات أنّ تونس تشهد سنويا مالا يقل عن 16000 زواج الاّ أنّ 20 منها تنتهي بالطلاق قبل نهاية سنة واحدة من الزواج وهو ما يفيد أنّ ما يقارب 3200 قضية طلاق تصل محاكمنا من العرسان الجدد (إذ أنّ أغلبية الزوجات الجديدات نساء عاملات) وإذا تمّ الصلح بين نصف المقدمين على الطلاق فإنّ النصف الاخر تستعصي عليه الحلول التوفيقية وهو ما يعطي معدّل 1600 زواج فاشل سنويّا. فهل يوثر العمل في وقوع الطلاق؟ وماهي العوامل المساهمة في تفاقم هذه الظاهرة في صفوف النساء العاملات؟ هل لكثرة الأعباء والمسؤوليات على المرأة دور في تغذية الخلافات الزوجية وبالتالي حدوث الطلاق؟ هل للمرأة العاملة سيكولوجية خاصة بها للتعامل معها؟ وهل تحوّل مفهوم الطلاق من أبغض الحلال إلى أسرع الحلول لفك الروابط الزوجية؟ أفادت الاحصائيات سنة 2005 أنّ 73971 من النساء متزوجات و11576 حكم طلاق مصرح به وذلك حسب السنة القضائية 2005/2004 من قبل المحاكم الابتدائية. وكما تمّ الذكر فإنّ أغلب نسب أحكام الطلاق تتمّ من العرسان الجدد، وباعتبار أنّ المرأة اليوم أصبحت عنصرا هاما مثلها مثل الرجل بدخول عالم الشغل فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه: هل لعمل المرأة دور في حدوث الطلاق؟ عن هذا السؤال وأسئلة عديدة أخرى أجابتنا أنيسة (ز) مدرسة: الطلاق هو الحل الأسلم في بعض الأحيان اذ يمكن أن يكون العمل سببا في فشل الحياة الزوجية اذا ما كان الزوج كثير الطلبات ولا يأخذ بعين الاعتبار الحالة النفسية لزوجته. كما تقول س. المالكي طالبة بكلية الاداب بمنوبة وهي في الخامسة والعشرين من العمر، تزوجت وعمرها 22 سنة وهاهي اليوم تطالب بالطلاق والسبب هو عدم تفهم زوجها لدراستها اذ يطالبها بالتوقف عنها، وأكدت (س) أنّ زواجها كان عن حب وأثمر طفلة صغيرة تبلغ من العمر 4 أشهر وكانت هي النقطة الأولى والأساسية التي جعلت زوجها يطالبها بالتوقف عن الدّراسة حتى يضمن لابنتهما حياة مستقرة بعيدا عن الحضانة وتجاه تشبث الزوج برأيه وفشل جميع المحاولات في تغيير فكرة الزوج طالبت (س) بالانفصال مؤكدة أنّ دراستها وعملها هما سلاحها ضد الزمن وأنّها قادرة على تحمّل مسؤوليتها كاملة كأم في البيت وكطالبة ومن ثم كامرأة عاملة. أمّا رجاء فتعتبر أنّ العمل يساهم في اثبات ذات المرأة وليس كما اعتبره طليقها الذي كان يصرّ على تركها للعمل باعتباره يوفر لها كل احتياجاتها المادية، وتؤكد رجاء أنّه مهما كانت امكانيات الزوج المادية فإنّ استقلاليتها واحساسها بأنّها كائن له شخصيته وقيمته المستقلّة هو شيء لا يساوم ولا يقاس. غياب التوازنات يعتبر الأستاذ لطفي الفتني، محام متحصل على دكتوراه المرحلة الثالثة في القانون، اذ أنّ أسباب الطلاق عديدة الاّ أنّ هذه الأسباب يمكن أن تصنف في صفوف النساء العاملات كالتالي: أهم الأسباب هي صعوبة اقامة توازن بين عمل المرأة وواجباتها المنزلية والعائلية خاصة إذا كان لها أبناء، وهو ما يؤدّي إلى تذمّر الزوج خاصة في الحالات التي لا يكون فيها متفهّما لخصوصية وضع الزوجة كامرأة عاملة، وان لم يظهر الزوج تذمّره من عملها باعتباره سببا لغيابها طيلة اليوم عن المنزل أو عدم توفيقها بين واجباتها فإنّه سيتذرّع بأسباب أخرى جانبية لافتعال المشاكل والخلافات. وهو في نفس الوقت لا يمكنه منعها من العمل لسببين آمّا للاحتياجات المادية أو لتمسكها به خصوصا بعد قانون عدد 74 لسنة 1993 من مجلة الأحوال الشخصية الذي يلغي واجب الطاعة عند الزوجة، وهنا تبرز الأسباب المادية لتوتير العلاقة الزوجية المؤدية لاتخاذ قرار الطلاق، فغالبا ما تكون للمرأة العاملة مصاريف اضافية باعتبار أنّه عليها الاهتمام بمظهرها مع ما يقتضيه ذلك من مصاريف وهو ما يرفضه الزوج خاصة في ظلّ ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وتطور متطلبات العائلة التونسية، فيطالبها الزوج بمزيد التضحية من أجل العائلة على المستوى المادي كمقابل لغيابها عن المنزل من أجل العمل، فيحجم عن الانفاق بالشكل المطلوب للضغط على الزوجة للمساهمة في مصاريف العائلة. ويضيف الأستاذ لطفي الفتني: قد يقع كذلك نوع من العنف بين الزوجين سواء اللفظي أو حتى المادّي، وفي حالة تعرّض المرأة العاملة للعنف، وهي في الغالب انسانة مثقفة وعلى دراية وعلم بحقوقها، اضافة الى علاقاتها المهنية المتشعبة فإنّها غالبا ما ترفض ذلك الوضع لتقوم بطلب الطلاق انشاءً منها في حين أنّ المرأة غير العاملة قد تضطر الى السكوت لعدّة أسباب امّا لعدم ادراكها لحقوقها المتمثلة في حقّها في تقاضي زوجها الذي اعتدى عليها وأن لها طلب الطلاق للضرر على ذلك الأساس، كما أنّ عدم استقلالها المادي وتبعيتها المادية المفرطة للزوج يجعل اخر أمر تفكّر فيه هو أن تقاضي زوجها أو تبادر بطلب الطلاق. كما أنّ المرأة العاملة أكثر شعورا بالمساواة الفعلية مع الرجل وأكثر ادراكا لمعناه في حين أنّ المرأة غير العاملة لا تعي ذلك المعنى وتبقى المساواة مع الرجل بالنسبة إليها مجرّد عبارة فضفاضة لأنّها لم تعشها ولم تلمسها مثل المرأة العاملة التي أصبحت أكثر ثقة بنفسها وهذه الثقة جعلتها لا تتردّد في طلب الطلاق. كما أنّ أغلب حالات الطلاق تكون في الفترة الأولى للزواج باعتبار أنّ المرأة أو حتى الرجل سيكونان أمام خيارين امّا مواصلة الحياة الزوجية أو طلب الطلاق، أمّا اذا تواصلت الحياة الزوجية لفترة زمنية معتبرة فإنّ امكانية وقوع الطلاق تتضاءل نسبيا. كما يمحكن الحديث عن حالات الطلاق غير الفعلي ولكنّه طلاق مقنع اي انفصال تام بين الزوجين وفرقة مادية وجسدية، فظاهريا تكون العلاقة الزوجية متواصلة في حين أنّ التفرقة قائمة. تغيّر السلوكيات ويؤكد الأستاذ عبد الكريم السعيدي المحامي زميله في جميع المسائل التي ذكرها مضيفا أنّ هناك اشكاليات يكون منطلقها بروز عقلية التواكل عند الرجل، حتى أنّ بعضهم يتقاعس عن العمل ويقوم باستغلال راتب الزوجة لتغطية مصاريف العائلة وحتى مصاريفه الشخصية وهو ما يدعو المرأة الى اتخاذ قرار الطلاق. ويضيف الأستاذ أنّ من أسباب الطلاق أيضا هو تغيير سلوك المرأة والرجل انطلاقا من التغيّرات الاجتماعية، فالرجل يتجّه هروبا من المشاكل العائلية وخاصة المادية الى العلاقات غير الشرعية، وبالنسبة للمرأة، فإنّ الاختلاط بالاخرين واتباعها للمظاهر مع توفّر الاغراءات المادية في مقابل اهمال زوجها لها فإنّ الزوجة تقوم بدورها بعلاقات غير شرعية كما أنّها باعتبارها تعمل وتساهم في مصاريف المنزل ولها علاقاتها الاجتماعية التي توفرها غالبا الوظيفة فإنّ الزوجة أصبحت تعامل الزوج الند للند وتقابل خيانته لها بالخيانة وهنا تكون استحالة استمرار الرابطة الزوجية بينهما. ويتابع الأستاذ عبد الكريم السعيدي كلامه: انّ النصوص القانونية في تونس تشجّع على الطلاق اذ أنّنا صرنا مجتمعا غربيا يسهل فيه الارتباط كما يسهل فيه الانفصال، كما أنّ القانون يحمي المرأة أكثر من الرجل وفي أغلب الأحيان على حسابه. ففي قضايا الطلاق للضرر لذا كانت الزوجة هي المدّعية فإنّ الزوج يتحمّل جميع التتبعات المادية من غرامة ونفقة الزوجة والأبناء ومنحة السكن وغيرها، وإذا كان الزوج هو المدّعي فإنّه يعفى من الغرامة ولكنّه يبقى مطالبا بالنفقة على الأبناء وتوفير المسكن. أمّا في قضايا طلاق الانشاء، فإذا كان الزوج هو المدّعي فمن الطبيعي أن يتحمّل جميع التتبعات المادية، وإذا كانت الزوجة هي المدّعية، فإنّ الغرامة ستكون رمزية ويبقى الزوج مطالبا بالتتبعات المادية. وهنا نلاحظ بأن هناك تشجيعا للمرأة أكثر من الرجل على طلب الطلاق، لأنّه عند وصول العلاقة الى هذه المرحلة تصبح المسألة بالنسبة للطرفين عملية ربح وخسارة. وغالبا ما تتوفر للمرأة امكانية العيش بأريحية بعد الطلاق. إذ أنّ النصوص القانونية مكبّلة للرجل خصوصا على المستوى المادّي، اذ أنّ مسألة النفقة ومنحة السكن والغرامة هي سيف مسلّط على الرجل يؤدّي عدم التزامه به الى السجن. وبما أنّ أغلبية الشعب التونسي هو من الطينة المتوسطة فإنّ أغلبية المقدمين على الطلاق هم من النساء باعتبار انّ الرجل يكون عاجزا على اتخاذ هذا القرار الذي يعتبر ضرره أكبر من نفعه بالنسبة له. التشتت الأسري ذهبت دراسة اجتماعية بعنوان «المرأة بين العمل والبيت» للدكتور «محمد سلامة» بأنّه لا يمكن تجاهل الحالة النفسية للمرأة العاملة التي يطغى عليها التوتّر نتيجة تعرضها لصعوبات تتعلّق خاصة بوقوعها في (صراع الدور) نتيجة اضطلاعها بدورين أساسيين «الواجبات المنزلية كزوجة وأم وواجبات العمل». وقد أبرزت دراسة لختم الدروس الجامعية سنة 97 98 أنّ 40 من عينة تمّ استجوابها قد أكدن على أنّ الارهاق يؤثر بصفة واضحة في المناخ الأسري لها وخاصة على علاقتها بزوجها، خاصة عند غياب عنصر التفهم بين الزوجين، لذلك كانت اجابات العيّنة المستجوبة في هذه الدراسة تركز على تأثير العمل في المرأة باعتباره لا يخلو من السلبيات خاصة على المستوى النفسي، فالعمل هو أساس تمكنها من ذاتها ومن تحقيق حاجاتها وفي الان نفسه يمثّل العمل عنصرا مرهقا، وسببا كافيا لدخول المرأة في حالات من التوتر النفسي والعلائقي. فالمرأة العاملة ضحيّة أدوار عدّة لمتطلبات المجتمع والزوج والأولاد والعمل والمدير. وعليها أن تتقن هذه الأدوار كلّها والاّ غضب منها الجميع، وقد تؤدّي كثرة الأعباء على المرأة وخاصة عندما تحسّ بالتقصير الى توقف نشاطها الطبيعي، فتفقد السيطرة على تصرفاتها مع الأبناء ومع الزوج ممّا يؤثّر بدوره في سلوك ونفسية الأبناء ويسود التوتر الأسرة في مجملها نتيجة حالة الاضطراب الوظيفي لأفراد الأسرة وذلك خاصة عندما يكون الزوج غير متفهّم لنفسية شريكته ولمتطلبات الحياة الاجتماعية اليوم التي تفرض تقاسم الأدوار، فالتعاون بين الزوجين والتزام كل منهما بدوره داخل الأسرة وخارجها من شأنها أن يخفّف وطأة بعض المشاكل عوض مزيد تعقدّها. جهود ومجهودات قامت وزارة المرأة والأسرة والطفولة والمسنين بإعداد برنامج بينها وبين المنظمة التونسية للتربية والأسرة، يقضي بأن يتولّى أعضاء متطوعون وشاغلون لخطة «موفق عائلي» وتابعون لمكاتب جهوية ومحلية كما تولّت الوزارة تشكيل لجنة تفكير متعدّدة الاختصاصات شملت مختصين في مجالات علم النفس وعلم الاجتماع والاتصال والخدمة الاجتماعية قامت بإعداد محتوى برنامج تكوين الميدانين، وذلك بهدف التوفيق العائلي بين الزوجين في حالات الاختلاف تفاديا للتشتت الأسري وحولا دون وقوع حالات الطلاق، الاّ أنّ جهود مؤسسات الدولة تبقى عاجزة وحدها عن ضمان الاستقرار العائلي نظرا لاختلاف وتعدّد الاشكاليات المطروحة بين الزوجين. أين الحل؟ تبقى الحلول والتوصيات المقترحة رهينة الظروف التي ولدت ونشأت فيها وضعية المرأة. والحلول بهذا المعنى لن تكون وصفات سحرية ستحوّل المرأة إلى كائن خالٍ من المشاكل والعوائق التي قد تعرقل تحرّرها واستقلالها واستقرارها الأسري، المرتبط بتحقيقها للتوازن في ظلّ كثرة الأعباء، وقد يسهل في هذه الحالة أن تحقق معادلتها خاصة إذا نالت مساعدة ومساندة الزوج التي قد لا تقتصر على مساعدتها في شؤون المنزال بالضرورة: بل بمجرد التفهم لوضعها وما تعانيه من مسؤوليات تثقل كاهلها. وتبقى المسؤولية في أحد جوانبها مرتبطة بالمرأة ذاتها: فهي صاحبة الاختيار في الخروج للعمل وعليها تنظيم مشاغلها وأدوارها بشكل يسمح لها في الان نفسه بالتوفيق بين عملها ومنزلها اضافة الى وجوب تخصيص وقت للراحة حتى تكون قادرة على مجابهة الحياة اليومية، وهو ما يمكن أن توفّره من خلال التخفيض في ساعات ومدّة العمل، وذلك نظرا لما يخوله القانون من امكانيات العمل نصف وقت الذي يخول للمرأة المحافظة على عملها وأسرتها في الان نفسه. ويبقى الحكم في هذا الاطار للطرفين المعنيين وهما الزوج والزوجة اللذان تتوقف على رأيهما جميع القرارات المتعلقة بالحياة الأسرية وبوضعيتهما الخاصة.