لا يكاد يمر يوم على افغانستان دون ان تحمل الاخبار القادمة من هناك نبأ مقتل جندي او اكثر من قوات الحلف الاطلسي او دون الاعلان عن وقوع عملية انتحارية من كابول الى خوست او هلمند او غيرها من المدن الافغانية.. ولا دون التاكيد على استمرار زحف تنظيم «القاعدة» ونجاحه في فرض سيطرته على مدن او قرى جديدة باتت تحت حكم «طالبان».. ناهيك عن ارتفاع عدد الضحايا المدنيين الذين يسقطون بسبب عمليات القصف الخاطئة المتكررة والتقارير المتواترة عن ارتفاع انتاج المخدرات التي تغزو الاسواق الغربية والاسيوية، هي انباء وان كانت لا تختلف كثيرا عن الانباء الواردة من العراق، فانها لا تكاد تجد لها موقعا يذكر في الاعلام الغربي، ما يجعل واقع الحرب الدائرة في افغانستان وبعد مرور ست سنوات على سقوط «طالبان» من الاخبار المنسية.. او هكذا يبدو على الاقل قبل ان تختلط الاوراق وتتعقد الامور لا سيما امام عودة «طالبان» لتنظيم صفوفها وتعزيز مواقعها على الحدود الافغانية الباكستانية بما اثار مخاوف السلطات الباكستانية وحتى الامريكية التي لم تخف مخططاتها الراغبة في توجيه ضربة عسكرية للمواقع التي يتحصن بها عناصر «طالبان» في اعقاب ازمة المسجد الاحمر وما اثارته من غضب لدى العشائر القبلية الباكستانية التي رات في طريقة تعامل الرئيس الباكستاني برويز مشرف محاولة غير محسوبة العواقب لارضاء الادارة الامريكية وتمكين مشرف من ولاية رئاسية جديدة. واذا كات احدث دراسة للبنتاغون قد كشفت ان النفقات العسكرية للحرب في العراق وافغانستان ستتجاوز 300 مليار دولار وان تكاليف الحرب في العراق تتجاوز 4,3 مليار شهريا مقابل 800 مليون دولار في افغانستان فان ويليام بولك الاخصائي في شؤون الشرق الاوسط واحد مخططي السياسة في البيت الابيض سابقا يذكر في دراسة قام بها بان تكاليف الحرب في ارتفاع مستمر وانها تتجاوز 7.1 مليار شهريا ما يقابله عشر ملايين دولار في الساعة وان الرقم يرتفع بنسبة عشرين في المائة سنويا ويقدر ان تصل حجم التكاليف الى سبع مائة مليار دولار ولعل في هذه الارقام وفي عدد الضحايا ما يمكن ان يدعو للتساؤل حول ما حققته الحرب المعلنة على الارهاب حتى الان وما اذا باتت عودة طالبان امرا حتميا بعد ان تكررت الدعوات على لسان الرئيس الافغاني احمد قرضاي للتفاوض مع «طالبان» وهي دعوات لم يكن الرئيس الافغاني ليقدم على اعلانها لولا حصوله على الضوء الاخضر مسبقا من جانب الادارة الامريكية كطريقة ربما لجس نبض الحركة او محاولة استقراء مخططاته، ولاشك ان ازمة الرهائن الكوريين الذين احتجزتهم «طالبان» كان لها وقعها في اعادة تسليط الاضواء على الحركة وزعيم «القاعدة» اسامة بن لادن الذي عجزت الاستخبارات الامريكية عن الوصول الى مخباه او الايقاع به بعد اكثر من ست سنوات على هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي غيرت وجه العالم.... بن لادن من الاسطورة الى الواقع... كيف فشلت القوات الامريكية في ملاحقه؟ قبل ست سنوات وتحديدا قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر لم يكن اسم بن لادن يعني الكثير او القليل لاي كان قبل ظهوره على قناة الجزيرة في شريط مسجل عن تلك الهجمات ليتحول بن لادن الى ظاهرة تثير اهتمام ومتابعة الاستخبارات الغربية وتحظى باهتمام شريحة واسعة من شباب المجتمعات العربية والاسلامية التي تشعر بالنقمة على اوضاعها المتردية من كل جانب. وبعد ست سنوات فان تنظيم «القاعدة» لا يزال على درجة من الغموض والسرية في ايديولوجيته وفي اهدافه ومخططاته ولا تزال كل الاسئلة ونقاط الاستفهام التي اثيرت حول قدراته وحول اطوار وملابسات تلك الهجمات بلا اجوبة مقنعة... وكل شريط جديد لبن لادن او لمرافقه طبيب العيون ايمن الظواهري انما يثير المزيد من نقاط الاستفهام قبل ان يتراجع وقعه بفعل الزمن الا ان كل شريط ايضا ياتي ليذكر بفشل الرئيس الامريكي في القبض على بن لادن الذي رصد البيت الابيض خمسة وعشرين مليون دولار لمن يقبض عليه ميتا او حيا قبل ان تقع مضاعفة المكافاة وهو فشل يعكس خيارات الادارة الامريكية في المستنقع الافغاني ومعه فشل قوات الحلف الاطلسي في كسب تاييد المواطن الافغاني الذي كان يامل في ان يتغير حاله بعد سقوط «طالبان» وان يعرف طعم الامن والرخاء والاستقرار الذكرى السادسة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر لم تخل هذه المرة من مؤشرات متعددة من شانها ان تثير المزيد من التساؤلات حول جدوى الحرب الامريكية المعلنة على الارهاب وما تحقق منها حتى الان ولعل الملاحظ ان هذه الذكرى قد سجلت ظهور زعيم القاعدة اسامة بن لادن مرتين على الاقل خلال اقل من اسبوع في محاولة منه لاحياء تلك الذكرى على طريقته وربما للتذكير ايضا بان القاعدة وفلولها لا تزال قائمة دون عنوان محدد ولاهدف محدد الامر الذي يدعو لترجيح ما تذهب اليه وما تسعى لترويجه جل مصادر الاستخبارات الامنية بان كل الاحتمالات تظل قائمة بشان استعداد تنظيم «القاعدة» توجيه ضربات جديدة في العواصمالغربية او حتى العربية التي تتهمها القاعدة بالتواطؤ مع الادارة الامريكية متى امكن لاعوانها القيام بذلك. على ان ظهور بن لادن وما اثاره لون لحيته من جدل في الاوساط الاستخبارية وغيرها لم يكن هذه المرة حكرا على قناة الجزيرة كما في المرات السابقة فقد سبقتها الى ذلك قنوات امريكية روجت لشريط بن لادن حتى قبل ظهوره. واذا كان الشريط لم يتجاوز الاربعة عشرة دقيقة فان ما اثاره من ردود فعل ومن قراءات وتحاليل لايزال مستمرا لا سيما بعد الانباء عن نجاة بن لادن العدو الاول لامريكا من موت محقق في اربع مناسبات منذ سبتمبر 2001خلال وجوده في افغانستان وذلك نقلا عن تقرير للصحفي الباكستاني حميد مير الذي يعتقد انه الوحيد الذي بامكانه اللاتصال به من حين لاخر عن طريق بعض عناصر الحركة واذا كانت اجهزة الارسال والاتصالات المتطورة التي يلجا اليها في حياته اليومية قد انذرته اكثر من مرة فان الصدفة والحظ كانا الى جانبه مرات اخرى حيث يعتقد ان القوات الامريكية رصدت بن لادن وايمن الضواهري للمرة الاولى في 8 اكتوبر 2001 بكابول العاصمة الافغانية قادمين من جلال اباد لحضور اجتماع للقاعدة وتوديع صديق اوزبكي يدعى جمان خان مات قبل يوم وهو جندي سوفياتي سابق انضم الى القاعدة اما المرة الثانية فكانت في ديسمبر خلال محاولة بن لادن الهرب من بختيا الى تورابورا وخلال سنة 2000 ظل بن لادن متواريا عن الانظار قبل ان يعاود الظهور في افريل 2003 في افغانستان وذلك بعد الاجتياح الامريكي للعراق وينقل المصدر انه خلال اجتماع له مع عناصر القاعدة قال بن لادن لجماعته "اخرجوا الامريكان من العراق قبل ان يخرجونا من افغانستان " ثم كانت عملية كونار عندما توفيت زوجة ابن بن لادن وبلغت الى اسماع الامريكيين انباء جنازة في كونار وهناك نجا بن لادن من جديد من محاولة كانت تستهدفه وفي اوخر 2004 وجد بن لادن نفسه محاصرا من طرف القوات البريطانية في مقاطعة هلمند جنوبافغانستان وقد استمر الحصار لمدة اربع وعشرين ساعة قبل ان يتمكن بن لادن مرة اخرى من الهرب مع مرافقه او حمزة الجزيري وبعد ذلك التزم بن لادن بعدم استعمال جهاز الهاتف النقال وعدم الظهور حتى انه لم يشا ان يرد على بعض الانباء حول وفاته...
مالذي تحقق منذ اعلان الحرب على الارهاب؟
قبل ايام كان رامسفيلد وزير الدفاع الامريكي المستقيل يردد بان ما تحقق في افغانستان انجازكبير وان 28 مليون افغاني هم اليوم احرار لديهم رئيس ولديهم برلمان وحياتهم اليومية ما انفكت تتغير الا ان الواقع ان المشهد الافغاني يبقى ابعد ما يكون عن تصريحات رامسفيلد او منظاره للشان الافغاني فحتى سقوط «طالبان» الذي كان الى وقت قريب يعتبر اهم خطوة حققتها الحرب في افغانستان بات محل شكوك امام العودة المطردة للقاعدة وحسب تقارير رسمية فان القاعدة التي كانت تقتصر على تحركاتها في عدد من الدول باتت اليوم شبكة ممتدة في 62 بلدا من افغانستان وباكستان والهند الى اليمن والاردن واندونيسيا وتايوان والفليليبين والاكوادور والمكسيك واسبانيا واستراليا وغيرها والاغرب ان انتاج المخدرات قد تضاعف في افغانستان عما كان عليه خلال حكم «طالبان» وبرغم وجود الاف من قوات الحلف الاطلسي فان حصيلة الموسم ستناهز الثمانية ملايين طن من الافيون بزيادة الفي طن عن السابق. وقد كشف التقرير ان افغانستان وللعام الثاني على التوالي يتصدر قائمة الدول المنتجة للافيون في العالم وان افغانستان تسيطر على تسعين في المائة من الانتاج العالمي لمادة الهيرويين تليها ما يسمى بدول المثلث الذهبي وهي ميانمار ولاووس وتايلندا فيما تبقى الولاياتالمتحدة واوروبا الغربية وكندا واستراليا اكبر الاسواق للاتجار بالمخدرات اما الالغام فتلك حكاية اخرى يرويها المصابون من الضحايا اليوميين من نساء واطفال وغيرهم ذلك ان الجهود الاممية التي ادت حتى الان الى ابطال مفعول اكثر من 300 الف لغم من بقايا الحروب السابقة والاجتياح السوفياتي فيما ما تزال نحو سبع مائة مليون متر مربع تنتظر وصول الخبراء لازالة بقية الالغام وهي مهمة قد لا تكون يسيرة في ظل الاوضاع الامنية المتردية والصعوبات اليومية التي يعيش على وقعها الشارع الافغاني بين مطرقة القصف الخاطئ لقوات الحلف الاطلسي التي فشلت في التقرب من المواطن الافغاني او دفعه للاقتناع بجدوى تواجدها هناك او باهمية ما تقدمه من خدمات لاعادة البناء وبين سندان القاعدة التي تسجل عودتها وانتشارها بين المدنيين وبين الجبال الوعرة التي عجزت القوة العسكرية الاولى في العالم على اكتشاف اغوارها....